ما هي فاتورة استرجاع المغرب للمنطقة الجنوبية؟ ما هو الثمن الذي أداهالمغرب منذ استرجاعه لمنطقة الصحراء؟ وهل هناك بالفعل استغلال لثروات هذهالمنطقة دون أن ينتفع بذلك سكانها؟
هذه الأسئلة قد تبدو مستفزة، خصوصا إذا وضعنا في الحسبان أن توحيد الأرض واسترجاع أجزاء من الوطن من أيدي الاستعمار لا نقاش بحساب الربح والخسارة كأي صفقة تجارية. ولكن الحقيقة هي أن إعادة إدماج أطراف من البلاد تم استرجاعها بعد فترة من الاستقلال الرسمي هي عملية لها ثمن. وهذا الأمر لا يخص المغرب لوحده. بل وقعت تأدية ثمن هذه العملية في عدد من البلدان التي
اضطرتها الظروف التاريخية للقيام بنفس ما قام به المغرب لإعادة تجميع أطراف كانت خارجة الوحدة الوطنية من قبل.
فألمانيا، أو بشكل أدق قسمها الغربي (ألمانيا الفيدرالية سابقا)، قد أدت ثمنا باهظا لإعادة لم شمل الألمانيتين الشرقية والغربية. وهذا الثمن كان هو 2000 مليار أورو، دون احتساب نتائج الوحدة الألمانية على الأوضاع الاقتصادية في أوروبا. هذا الثمن يمثل في جزئه الأكبر، أي % 65 المساعدات
التي تم منحها لجهات ألمانيا الشرقية سابقا.
عندما استرجع المغرب منطقة الصحراء في سنة 1975، كانت الأوضاع الاقتصادية والتجهيزات التحتية والخدمات في هذه المنطقة في مستوى متدن، وكان من الضروري بذل جهد مالي كبير لتحسين الأوضاع حتى تلتحق الساقية الحمراء وواد الذهب بمستوى التطور الذي عرفته باقي مناطق المغرب وحتى يتحقق لهذه الجهة شرط الاندماج في النسيج الوطني. ومنذ ذلك التاريخ وحتى حدود نهاية العشرية الأولى من سنوات 2000 وصل المجهود المالي المقدم إلى 1200 مليار درهم و%3 من الناتج الداخلي الخامالسنوي للمغرب.
وقد وضع المغرب هذا التحدي بالتضحية التي قبل المغاربة القيام بها على حساب قدراتهم الشرائية ومستوى عيشهم للسماح بتنمية منطقة الصحراء وحماية الوحدة الوطنية والترابية. هل مكنت هذه التضحية من الوصول إلى الأهداف المسطرة؟ كيف تم تصريف الجهد المالي الذي تم رصده لمنطقة الصحراء؟
فقد أصبحت المؤشرات المتعلقة بالتربية والصحة وتراجع الفقر وتحسين الخدمات والبنيات التحتية في منطقة الصحراء هي الأعلى على المستوى الوطني.
السياسة الإنمائية قد اعتراها الكثير من المشاكل ومردودية ما تم صرفه من استثمار قد تكون أقل من حجم الأموال التي صرفت، ولكن الأكيد هو أن المجهود المبذول قد سمح بتغيير وضعية الضعف والتهميش التي كانت تعرفها ظروف العيش في منطقة الصحراء.
فهذه المنطقة تبوأت المركز الأول وطنيا على مستوى مؤشرات الصحة وإنجاز البنيات التحتية كإنجاز موانئ ذات مستوى رفيع ومطارات بمدن الصحراء الرئيسية، وقد عرفت المنطقة أيضا تمدنا هو الأعلى وطنيا، فنسبة السكان الحضريين في المنطقة تبلغ 74% مقابل 60 % في باقي جهات المغرب. الطفرة
المنشودة قد تحققت بالنسبة لشروط الحياة في هذه المنطقة التي كان معظم سكانها قبل 1975 يعيشون في البادية.
ولكن لماذا نواجه وضعية متوترة برغم حصول هذه الطفرة على الخصوص على المستوى الاجتماعي الذي يشكل المجال الذي حصلت فيه منطقة الصحراء على امتيازات لا توجد في المناطق الأخرى؟ الجواب عن هذا السؤال هو بالضبط ما يقدمه تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. حين يلاحظ أن الشروط التي أسست للنموذج الذي تم نهجه خلال الأربعين سنة السابقة لم تعد قائمة. بل إن إعمال هذا النموذج السابق بما له وما عليه هو بالضرورة الذي غير سواء بما أنجز أو بالأهداف التي
حققها معالم الظروف التي كانت قائم ووصل إلى نهاية صلاحيته وبالتالي أنتج شروط ومطلب استنباط نموذج جديد يتجاوز التأثيرات المعاكسة لما سبقه ويجيب عن الإشكالات الجديدة المطروحة ويكون مرافقا للدينامية التي أطلقها اقتراح المغرب في سنة 2007 للحل السياسي، أي مشروع الحكم الذاتي.
فالمغرب وبشكل عام، وساكنة الصحراء بشكل خاص، يرفضون مواصلة حالة الجمود التي يريد الطرف الآخر الجزائر والبوليساريو بأي ثمن المحافظة عليها. فحالة الجمود هي في الحقيقة كل ما تبقى لإستراتيجية لهذا الطرف الذي أفلست كل خططه السابقة بفعل التحولات التي عرفتها المنطقة والعالم، إذن فإستراتيجية الحركة والالتصاق بواقع التحولات التي يعرفها العالم التي يطبقها المغرب لم يعد بالإمكان مواجهتها بالنسبة للطرف الآخر إلا بإستراتيجية الجمود، ولكن يجب أن لا نسمح لهذه الإستراتيجية بالنجاح لأنها في نهاية المطاف لن تنتج إلا تأزيم أكبر للوضع في كل
المنطقة المغاربية وفي الساحل ومزيد من المعاناة لشعوب المنطقة كلها.
(تفاصيل أخرى في الموضوع نقرأها في الغلاف الجديد لـ "الوطن الآن" الذي تجدونه في جميع الأكشاك تحت هذا العنوان:
"ردا على اتهام المغرب بـ "نهب الثروات" بالأقاليم الجنوبية: هذا ما أنفقه المغاربة على الصحراء")