مغربيات صنعن التاريخ: زينب النفزاوية سعد مؤسس الدولة المرابطية
هذه سلسلة من الكتابات التاريخية بصيغة المؤنث لمغربيات صنعن التاريخ، وبصمن مشوارهن من خلال عملية البحث والتنقيب وقراءة الوثائق التاريخية عبر أغلب مجالات الجغرافيا، وإعادة تشكيلها بقلم الأستاذ الباحث مصطفى حمزة، الذي أغنى الخزانة المغربية بإصداراته المهمة، والتي تناول فيها مسار شخصيات كان لها الحضور القوي على مستوى التاريخ الجهوي والوطني.
ولتقريب القراء من هذا النبش والبحث المضني، اختارت "أنفاس بريس" عينة من النساء المغربيات (25 شخصية نسائية) اللواتي سطرن ملاحم وبطولات وتبوؤهن لمراكز القرار والتأثير فيها فقهيا وثقافيا وسياسيا وعسكريا.
- زينب النفزاوية سعد مؤسس الدولة المرابطية
"حازمة، لبيبة، ذات رأي، وعقل، وجزالة، ومعرفة بالأمور..." تلك هي أم المعز بالله، زوجة يوسف بن تاشفين الذي حكم المغرب ما بين (463ه ـ 550ه).
كانت أم المعز، امرأة فوق العادة بين قومها، فقدرتها على التحدي جعلت منها «إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة».
فقد ظلت بنت أغمات، وفية للشعار الذي حملته «لا يتزوجني إلا من يحكم المغرب كله» وصدت من أجله الكثير من شيوخ وأمراء قبائل المصامدة وغيرهم.
لم تكن ترجمة هذا الشعار، بالأمر الصعب على بنت إسحاق الهواري (رجل من تجار أغمات وأصله من القيروان) فقد «كانت موسومة بالجمال والمال، وكان لها محاسن وخصال محمودة وروية مستطرفة...».
كانت سنة 460 ﮬ، بداية لترجمة شعار زينب النفزاوية، إذ علم الأمير أبي بكر بن عمر اللمتوني، بعدما استقامت له الأمور وطاعت له البلاد، بأمرها، فخطبها وتزوجها.
لم تمض على زواج زينب من الأمير أبي بكر بن عمر، سوى ثلاث سنوات تمكن خلالها من القضاء على بني يفرن الزناتيين والشروع في بناء أساس مدينة مراكش.
وتبقى قولته أبي بكر لابن عمه يوسف بن تاشفين، دليل اعتراف بقوة ومكانة زينب النفزاوية «تزوجها فإنها امرأة مسعودة»، ثم يتدارك وفاءها لشعارها وشموخها فيقول لها: «فإذا انقضت عدتك فانكحي ابن عمي يوسف بن تاشفين، فهو خليفتي على بلاد المغرب».
تزوج يوسف زينب «فكانت عنوان سعده، والقائمة بملكه، والمدبرة لأمره، والفاتحة عليه بحسن سياستها لأكثر بلاد المغرب...».
فقد قادت أم المعز بالله، بحسن تدبيرها ورجاحة عقلها، زوجها يوسف بن تاشفين إلى الاستبداد بملك المغرب وذلك «بإشارتها عليه في أمر أبي بكر بن عمر، وكيفية ملاقاته».
ففي سنة 464ﮬ، علم يوسف بخبر رجوع ابن عمه الأمير أبا بكر بن عمر من الصحراء إلى المغرب، فصعب عليه مفارقة الملك فشاور يوسف زوجته في ذلك الأمر فقالت له: «إن ابن عمك رجل متورع في سفك الدماء، فإذا لقيته فقصر عما كان يعهده منك من الأدب والتواضع وأظهر له غلظة... ولاطفه مع ذلك بالأموال والهدية والخلع والثياب والطعام والطرف واستكثر من ذلك فإنه بأرض صحراء وكل ما جلب له من هنا فهو مستطرف لديه».
وبوصول أبي بكر إلى مراكش في سنة 465 ﮬ، وكيفية ملاقاة يوسف له فهم الرسالة فتخلى له عن ملك المغرب ليوسف بن تاشفين.