إذا كانت "شارلي إيبدو" قد ارتكبت عملا شنيعا وعدائيا ضد الإسلام والمسلمين، وذلك بالإساءة إلى الرموز المقدسة لديانة يعتنقها ربع البشرية، فإن ما يقوم به تنظيم داعش من نهب وتخريب للتراث والحضارة العربية الإسلامية لا يقل خساسة وعدوانا، وهو ما يطرح سؤالا عريضا حول سر التقاء الحملتين، ليس فقط إحراق المسلمين بل إبادة حضارتهم ومحو أثرهم. فقد نشرت "القدس العربي" عن موفدها بالموصل بالعراق تقريرا حول عمليات متكررة لإحراق تنظيم داعش لنفائس الكتب والمؤلفات بمكتبة جامعة الموصل والمكتبة الرسمية الحكومية والمكتبة الإسلامية ومكتبات الكنائس والمساجد العتيقة.
وأورد الموفد مصطفى لعبيدي في تقريره تصريحا لصاحب مكتبة بشارع المتنبي ببغداد أشار فيه بأن أصدقاءه من أصحاب المكتبات بالموصل كشفوا له بأن عمليات حرق الكتب يتم فعلها من طرف تنظيم داعش أمام الناس، وذلك لسببين يتعلق الأول بالعقلية المتخلفة التي يتميز بها قادة التنظيم والثاني التمويه الذي يعمد إليه الداعشيون بحرق بعض الكتب أمام الناس ويالأماكن العامة، فيما يتم نهب وسرقة واسعة للكتب والمخطوطات العراقية الثمينة ذات القيمة التاريخية وتهريبها إلى سوريا لبيعها عبر مافيات تهريب التراث والآثار في السوق السوداء وفي العالم.
ما يحدث اليوم هو بالضبط ما حدث الأمس عندما أحرق التتار مكتبة بغداد العظيمة التي أسسها الخليفة العباسي هارون الرشيد، وكانت منارة العلم والمعرفة لا تضاهيها سوى مكتبة قرطبة بالأندلس، والتي تم إحراقها بدورها عندما سقطت بين أيدي النصارى وقائدهم (كمبيس) سنة 632 هجرية قبل سقوط بغداد بعشرين سنة فقط...
إنها مجزرة حقيقية للحضارة الإسلامية ولا يمكن لتنظيم داعش الانتساب لحضارة "إقرأ" و"القلم وما يسطرون"، وهو يكرس الجهل والهمجية...