لنقلها بصراحة: متى كانت العلاقة بين المغرب ومصر علاقة مودة وألفة؟ فالأصل في العلاقة بين المغرب ومصر هو التنافر والتنافس والصراع، وليس التلاحم.
فإذا أسقطنا فترة البدايات الأولى للاستقلال التي كانت مصر تنتشي فيها بالود مع المغرب باعتبارها احتضنت مكتب المغرب العربي وآوت علال الفاسي وعبد الكريم الخطابي، وكانت أول دولة تعترف باستقلال المغرب عام 1956 (انظر ص: 9)، فإن قراءة مسار 59 سنة من عمر العلاقة بين البلدين تبرز أنه مسار مليء بالنتوءات والتوترات. وإليكم الدليل:
1 - في بداية حكم المرحوم الحسن الثاني سخرت مصر في عهد عبد الناصر مختلف أذرعها وآلياتها لزعزعة المغرب عبر تصدير «الثورة القومية العربية المباركة» لمحاربة «النظام الملكي الرجعي». التوتر بين البلدين كان على وشك القطيعة الديبلوماسية عام 1963 أثناء اندلاع حرب الرمال بين المغرب والجزائر التي سحق فيها الجيش المغربي نظيره الجزائري. وتم أسر مجموعة من الجنود المصريين الذين كانوا يشاركون في صفوف القوات الجزائرية في حرب الرمال من ضمنهم الضابط حسني مبارك (الذي سيصبح رئيسا لمصر فيما بعد).
ومع تصاعد الاستفزاز الاسرائيلي وتمطط الاحتلال برزت دعوات لتصفية الأجواء العربية عام 1964 تمهيدا لعقد أول قمة عربية بالقاهرة آنذاك. وكعربون عن حسن نية المغرب تجاه مصر، سلم الحسن الثاني الجنود المصريين الأسرى لجمال عبد الناصر عشية انعقاد قمة القاهرة (من ضمنهم حسني مبارك) بل وقرر الحسن الثاني الحضور شخصيا في القمة.
لكن ذلك لم يسقط الحذر كعنوان للعلاقة بين البلدين. خاصة وأن المرحوم الحسن الثاني رد على مناوشات جمال عبد الناصر في الاستمرار في تعبئة وتجييش القوميين واليساريين وأنصارهم بالمغرب، باعتماد خطة لتفريغ مصر من معارضي جمال عبد الناصر، وهو ما تأتى للحسن الثاني الذي نجح في استقطاب معظم معارضي النظام المصري في الستينات ومكنهم من مناصب في التعليم وباقي المرافق المدنية.
2 - عقب حريق القدس عام 1969 تحرك المغرب الذي كان من مؤسسي القمة الإسلامية لعقد قمة الدار البيضاء، فتحركت الآلة الناصرية آنذاك للحيلولة دون بروز أسهم المغرب ديبلوماسيا خاصة وأن جراح نكسة 1967 لم تكن قد اندملت بعد في مصر، إلا أن إصرار الحسن الثاني على أن يكون المغرب هو الحاضن لأول قمة إسلامية تغلب على مناوشات مصر.
3 - بعد وفاة جمال عبد الناصر في شتنبر 1970، سيتولى الحكم في مصر أنور السادات. ويمكن القول إن فترة السادات كانت هي الفترة «الذهبية» في علاقة المغرب مع مصر. إذ تزامنت فترة حكمه بوقوع انقلابين ضد الحسن الثاني من جهة وتصاعد استفزاز الجزائر بومدين وليبيا القذافي ضد المغرب. ولما وقعت حرب أكتوبر 1973 عرض المغرب خدماته على مصر وسوريا من جهة لقطع الطريق على الذين يزايدون على المغرب بكونه ليس «عروبيا»، ولكون الحسن الثاني شم بحدسه ما سيلي من تحولات بالمنطقة خاصة بعد أن قال السادات قولته الخالدة بأن حرب أكتوبر «هي آخر الحروب بالنسبة لنا».
تأسيسا على ذلك سيصبح المغرب ملاذا لكل اللقاءات السرية بين مصر وإسرائيل والتي جمعت بين موشي دايان، وزير الدفاع في حكومة غولدامايير وحسن التهامي مستشار الرئيس السادات. هذه اللقاءات امتدت طوال النصف الثاني من سبعينات القرن 20 إلى أن أثمرت اتفاقية كامب ديفيد (17 شتنبر 1978 بين أنوار السادات ومناحيم بيغن بإشراف جيمي كارتر).
لكن بعد هذه الاتفاقية، سيجد المغرب نفسه مضطرا إلى قطع العلاقة الديبلوماسية مع مصر امتثالا للقمة العربية المنعقدة في بغداد عام 1978 (والتي تقرر فيها أيضا نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة لتونس) خاصة وأن مواقف العرب بدأت تساوم المغرب في صحرائه إن لم يقطع العلاقة مع مصر.
4- بعد اغتيال أنوار السادات يوم 6 أكتوبر 1981 سيتولى الحكم نائبه حسني مبارك، ونسجت علاقات محتشمة مع المغرب. إذ كانت العلاقات الديبلوماسية مقطوعة. (انظر الإطار أدناه) ومع ذلك حافظ الحسن الثاني على شعرة معاوية مع مصر، بالنظر إلى أن حسني مبارك لما كان نائبا لريس جمهورية مصر كان يقوم بزيارات مكوكية كثير للمغرب على واجهتين: الواجهة الأولى للعب دور الوساطة لفك ملف أسرى الجنود الجزائريين الذين خسروا معركة أمغالا مع الجيش المغربي عام 1976، والواجهة الثانية كانت لها علاقة بترتيبات المفاوضات السرية بين مصر وإسرائيل. وتأسيسا على ذلك سهل على حسني مبارك التعامل مع الحسن الثاني لما أصبح رئيسا لمصر. ورغم عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والعالم العربي عام 1987 فإن ذلك لم يشفع في نزع فتيل التنافر بين المغرب ومصر. فعقب غزو العراق للكويت في غشت 1990 ستصطدم القاهرة والرباط مجددا بسبب نظام الأمن الجماعي العربي لحماية دول الخليج من أي أخطار بعد انتهاء حرب الخليج الأولى. فالمغرب رفض الدخول إلى إعلان دمشق في مارس 1991 فيما مصر كانت تصر على أن تكون قواتها ضمن القوات الحامية للخليج (مع جيوش سوريا) طمعا في مساعدات بقيمة 16 مليار دولار مناصفة بينها وبين سوريا. إلا أن دول الخليج لم تسلم أي دولار لمصر وسوريا فنادتا على جيشهما للانسحاب من الخليج بشكل جعل المصريين يعتقدون أن المغرب «خدمهم» في الخليج. علما أن الحسن الثاني لما رفض نظام الأمن الجماعي كما ورد في إعلان دمشق، فلأنه كان يرفض سياسة المحاور، على اعتبار أن «خندقة» المغرب في محور ما سيكون في مصلحة الجزائر التي تصطف مباشرة في المحور المناوئ، مما سيعزز أنصارهما في الطرح المناوئ للمغرب في الصحراء. ودول الخليج بنفسها «ضربت الحساب» ووجدت أن الأموال التي قد تشتري بها الأمن بمقتضى إعلان دمشق من الأحسن إضافة بعض الاعتمادات عليها وشراء الأمن من الدول الكبيرة (أمريكا وبريطانيا) لحماية أمن الخليج.
5 - رغم قيام الحسن الثاني بمحاولة لرأب الصدع بين العرب عقب فشل إعلان دمشق وجولاته للدول العربية عام 1992 (زار السعودية والإمارات وسوريا والأردن ومصر) فإن ذلك لم يشفع للمصريين في طي الصفحة لأنهم كانوا يعتقدون أن المغرب هو السبب في حرمانهم من 8 مليار دولار كمعونة من الخليج مقابل ضمان أمنهم.
وظل التشنج سيد الموقف إلى أن برزت بوادر مصالحة بين الدول العربية في أواسط السبعينات من القرن العشرين.
وعلى اعتبار أن مجلس الجامعة العربية يجتمع مرتين في السنة (شتنبر ومارس على مستوى وزراء الخارجية) تزامنت تلك الأجواء مع ترأس المغرب للدورة واقترحت الرباط بأن ينعقد مجلس الجامعة بالمغرب بدل القاهرة، فاغتاظت مصر لأنها كانت تعيش آنذاك سلسلة من الهجمات الإرهابية توجت حينها بمذبحة في الأقصر في خريف 1997 نتج عنها هجرة جماعية للسياح وانهيار شامل للاقتصاد المصري المعتمد بالأساس على القطاع السياحي. واعتبرت القاهرة مبادرة المغرب وكأنها «دق آخر مسمار في نعش مصر» بقولها: «إذا هرب العرب من الاجتماع بمصر فما الذي سيغري باقي دول العالم للمجيء إليها». فتنازل المغرب عن مطلبه وأوفد المرحوم عبد اللطيف الفيلالي ليترأس الوفد المغربي في اجتماع مجلس الجامعة بالقاهرة.
6 - موازاة مع تلك الحرب الباردة بين البلدين، دب الشلل في اللجنة الثنائية المغربية المصرية التي لم تعقد أي اجتماع لها طوال الفترة الممتدة من 1989 إلى 1996، أي منذ «عودة» مصر إلى «الصف العربي» عقب قمة عمان (1987).
لماذا؟
لأنه في أواخر الثمانينات بدأت إرهاصات «إحلال السلام» في الشرق الأوسط تتبلور، وكان الإسرائيليون يثقون في وساطة المغرب أكثر من وساطة مصر (ربما لأن إسحاق شامير ورابين وقتها كانا يظنان أن المغرب بعيد عن دول الجوار وليست له حسابات سياسية مباشرة مع أطراف الصراع المحلي). هذه الإرهاصات ستثمر مؤتمر مدريد في أكتوبر 1991 لعملية السلام، وهي عملية توزعت على شقين: شق المفاوضات الثنائية بين لبنان وسوريا وفلسطين والأردن مع إسرائيل (كل دولة على حدة) وشق المفاوضات المتعددة الأطراف على مستوى مجموعات العمل (مجموعة الحد من التسلح + مجموعة التنمية الاقتصادية + مجموعة مشكل اللاجئين إلخ...).
ونظرا لكون إسرائيل في عهد إسحاق شامير ورابين كانت تنسق أكثر مع المغرب مقارنة مع مصر (على هامش مسلسل مدريد) لم تتحمس مصر لإحياء اللجنة الثنائية بين الرباط والقاهرة وظلت مجمدة لمدة سبعة أعوام.
7- بعد وقوع مجزرة قانا على يد الإسرائيليين في أبريل 1996 وما تلا ذلك من تغيير الخريطة السياسية بإسرائيل ومجيء نتانياهو، سيعود الدفء إلى دول العالم العربي، ولإحياء اللجنة الثنائية «الميتة» بين البلدين، سيخلق الحسن الثاني سابقة دبلوماسية عبر ترأسه شخصيا مع الرئيس حسني مبارك اللجنة الثنائية مرتين: الأولى في القاهرة في 1998 والثانية بالمغرب عام 1999.
وهذه التخريجة الدبلوماسية ساعدت على تجاوز الاصطدام بين دولتين إقليميتين قويتين لهما جذور في التاريخ بالنظر إلى أن المغرب ليس من مصلحته فتح جبهة عدائية إضافية (فيكفيه أن له عدوا تاريخيا وهو الجزائر الذي يسخر كل موارد الجزائريين لمحاربة المغرب). ومصر وعت بدورها أنه ليس من مصلحتها المواجهة مع المغرب خاصة وأنها عانت من عزلة دولية شديدة.
اليوم، وقد تجدد التنافر بين الدولتين عبر توالي استفزازات الإعلام المصري (التابع عمليا للمخابرات في معظمه) ضد المغرب والمغاربة وأعقبه رد الإعلام العمومي المغربي بشكل قاس. فالأمل هو أن ترقى حكمة العقلاء في البلدين لرد الأمور إلى نصابها.،
هدى الشعراوي بنت سلطان باشا تستضيف سفارة المغرب بالقاهرة
حين أقام المغرب علاقة ديبلوماسية مع مصر في بداية الاستقلال، وتعيين المرحوم محمد الخامس لعبد الخالق الطريس سفيرا للمغرب بالقاهرة، كان لا بد من اختيار مقر للسفارة المغربية. ولأن السياسة رموز، فقد قرر المغرب كراء منزل ملكي بمصر الجمهورية. فاهتدى إلى اختيار منزل هدى شعراوي، ابنة محمد سلطان باشا(الناشطة النسوية المعروفة) كمقر لسفارة المغرب، وهو المقر الذي مازال المغرب يكتريه كاقامة ديبلوماسية، بمصر إلى اليوم، علما أن جمال عبد الناصر أمم كل ممتلكات الأسرة الملكية بمصر وخلق حساب «أموال الحراسات»
في هذا المنزل السفارة- سيحضر جمال عبد الناصر (الصورة) زفاف ابنة السفير المغربي عبد الخالق الطريس،«كنزة الطريس» بابن المهدي بنعبد الجليل السفير المغربي السابق في لندن ووزير سابق في عهد الحسن الثاني، ليبارك لهما حفل عقد القران.
حين استضاف الحسن الثاني مصر في قمة الدارالبيضاء
حين قررت القمة العربية ببغداد عام 1978، قطع العلاقات الديبلوماسية مع مصر بعد توقيع اتفاق كامب ديفيد، كان المغرب غير راض على القرار. إلا أنه امتثل للقمة العربية . عدم رضى المغرب على القرار لم يكن حبا في سواد عيون مصر، بل لكون المرحوم الحسن الثاني كان واقعيا، والدليل على ان المغرب لم يكن راضيا على هذا القرار أنه كان من أوائل الدول التي فتحت سفارتها في القاهرة عقب قرار قمة عمان «كان المغرب يمثله آنذاك السفير المرحوم محمد التازي» في نهاية 1987. إذ ما أن اتخذت القمة العربية بعمان عام 1987 قرارا يسمح لكل دولة عربية باتخاذ ما تراه مناسبا مع مصر حتى تم تمديد الجسور مع مصر. على اعتبار أن الحسن الثاني استحضر تبعات الحرب الإيرانية العراقية، فالعراق خرج مجروحا من الحرب، وإيران لم تطو بعد صفحة عداوتها مع المغرب إثر أزمة منشورات 1984، فكان لابد من حليف شرق اوسطي لضمان التوازن وهو ما سيعمل الحسن الثاني على بلورته في التحضير لقمة الدار البيضاء لسنة 1989. إذ نادى على مصر ورفض حافظ الأسد «رئيس سوريا حينها»، الحضور للقمة إذا كانت مصر ستشارك.
لكن ذكاء الحسن الثاني أدى إلى مشاركة الكل في القمة المذكورة التي كانت -براي المراقبين- من أنجح القمم العربية لكونها اثمرت ليس على عودة مصر رسميا للعالم العربي بل وأسفرت عن ميلاد لجنة ثلاثية لانهاء الحرب الأهلية بلبنان، وما أعقبها من مؤتمر الطائف لعام 1991، وعادت الحياة الدستورية للبنان بفضل قمة البيضاء.
عبد الوهاب معلمي، سفير سابق وأستاذ العلاقات الدولية بكلية الحقوق بالبيضاء
الإعلام المصري لم يستسغ وصول حزب إسلامي إلى الحكومة بالمغرب بشكل ديمقراطي
يرى الأستاذ عبد الوهاب معلمي، سفير سابق وأستاذ العلاقات الدولية بكلية الحقوق بالبيضاء، أن علاقاتنا مع مصر على المستوى السياسي منذ الاستقلال كانت دوما مشوبة بالحساسية المفرطة، ولم نكن وحدنا في هذا المضمار. القومية المصرية لطالما اصطدمت بقومية البلدان العربية الأخرى، ولأسباب عدة: النزوع إلى الهيمنة، التدخل في الشؤون الداخلية للغير، التنافس على الريادة
- فجأة اسستيقظ المغاربة على دوي حرب إعلامية بين المغرب ومصر، أدواتها القنوات التلفزية لكن محركوها هم الماسكون بالقرار في كلا البلدين. في ظنك لماذا هذا التصعيد بين الدولتين في هذا الظرف بالذات؟ وما الذي سيخسره كل طرف من هذه العداوة المتجددة؟
+ ليست هناك عداوة متجددة، بل فقط تشنجات بدأت مع مجيء عبد الفتاح السيسي إلى الحكم وحساسية النظام الجديد تجاه كل ما يمس الشرعية وجماعة الإخوان المسلمين وحكم الرئيس السابق مرسي. وصادف هذا وجود حكومة في المغرب يترأسها زعيم حزب إسلامي تعاطف مع حكم مرسي ولم يستسغ ما حصل بعد ذلك من عودة العسكر إلى الحكم وإزاحة الرئيس المنتخب مرسي بشكل غير ديمقراطي وقمع للإخوان. هناك حساسية مصرية أخرى وهي الديمقراطية التي قطعت أشواطا في المغرب ونجحت في تونس التي منها انطلقت شرارة الربيع العربي، بينما رجعت القهقرى في مصر. هذا هو المناخ العام. المغرب الرسمي تعامل بشكل واقعي مع الأحداث في مصر. تعامل بحذر خلال الثورة على نظام مبارك، ثم بارك المسلسل الديمقراطي الذي تلاها وأتى بالإخوان إلى السلطة. ثم التزم الحياد الإيجابي تجاه الإطاحة بنظام مرسي والقمع الذي طال الإخوان وغير من أجل ذلك وزيره في الشؤون الخارجية السيد العثماني الذي كان إسلاميا وعوضه بوزير آخر لا يتعاطف مبدئيا مع الإسلاميين. ثم هنأ السيسي بانتخابه رئيسا جديدا على مصر، وشارك في شخص وزيره الجديد في الخارجية السيد مزوار في حفل تنصيبه. كل ذلك للحفاظ على علاقات التعاون والصداقة التقليدية التي تربط بين البلدين، المغرب ومصر. لكن الإعلام المصري الذي أصبح كليا تقريبا مواليا للنظام ومدافعا عنه بشكل مبالغ فيه يذكر بأيام عبد الناصر فقط لأنه تولى قمع الإخوان وأزاحهم من الساحة، لا يغفر للمغرب كونه توجد فيه بشكل ديمقراطي حكومة يقودها حزب إسلامي، وربما أيضا ٍرأي عام مغربي لا يكن الود الكثير للنظام الحالي في مصر. من تم الخرجة المفاجئة للإعلام شبه الرسمي المغربي تجاه نظام السيسي ردا على استفزازات الإعلام المصري منذ يونيو الماضي وكان آخرها انتقاد زيارة الملك الخاصة الأخيرة لتركيا، وتحركات بعض الإعلاميين المصريين باتجاه انفصاليي تندوف، الشيء الذي أوحى للمغاربة بتوجه مصري جديد نحو التقارب مع الجزائر على حساب المصالح المغربية خاصة منها الوحدة الترابية، توجه زكته زيارة الرئيس السيسي للجزائر في يونيه الماضي.
- إذا أسقطنا مرحلة السادات فالأصل في علاقة المغرب ومصر هو التنافر (عهد عبد الناصر) والتنافس (عهد مبارك). ماالذي جعل الرأي العام المغربي يتفاعل مع الأزمة الحالية علما أن المغرب لايجني من مصر أي ربح اللهم هيمنتها إعلاميا وسينمائيا وفنيا وثقافيا؟
+ علاقاتنا مع مصر على المستوى السياسي منذ الاستقلال كانت دوما مشوبة بالحساسية المفرطة، ولم نكن وحدنا في هذا المضمار. القومية المصرية لطالما اصطدمت بقومية البلدان العربية الأخرى، ولأسباب عدة: النزوع إلى الهيمنة، التدخل في الشؤون الداخلية للغير، التنافس على الريادة، الخلافات السياسية كالوحدة العربية، الصراع مع إسرائيل، التوازنات العربية-العربية، إلخ. أما الفترة التي عرفت استقرارا في العلاقات بين المغرب ومصر كانت في عهد مبارك، بعد خروج مصر من العزلة التي وضعتها فيها الجامعة العربية على إثر اتفاقيات كامب ديفد بين مصر وإسرائيل في أواخر السبعينيات من القرن الماضي. ففي هذا الحقبة تقوت العلاقات بيننا ومصر عل كل المستويات، وإن بقيت محتشمة على المستوى التجاري والاقتصادي، ولكنها ستعرف قفزة نوعية مع الملك محمد السادس بإقامة منطقة للتبادل الحر مع مصر ودول أخرى عربية ومغاربية في إطار إعلان أكادير. على كل علاقاتنا مع مصر لا تختزل في التجارة والاقتصاد، وليس في مصلحتنا على الإطلاق أن نعادي مصر ولا أن تعادينا، اللهم إلا اتخذت ضدنا مواقف رسمية كخروجها مثلا عن الحياد في قضية الصحراء.
- الأزمة بين مصر والمغرب احتدت بعيد زيارة الملك محمد السادس لتركيا. هل صحيح أن الزيارة أزعجت المصريين والخليجيين على حد سواء، بالنظر إلى أن تركيا هي حليف الإخوان المسلمين العدو اللدود للخليج ولمصر؟ وهل للمسألة علاقة بانخفاض أثمنة النفط وانعكاسها على مساعدات الخليج لمصر والمغرب؟
+ ما أزعج المغرب ربما هو هذا التراكم من المؤشرات منذ يوليو الماضي التي قرئت على أنها نوع من الضغط على المغرب للتخلص من حكومة بنكيران، وربما للتراجع عن المكتسبات الديمقراطية التي حققها هذا الأخير بفضل دفعة الربيع العربي. فالتقارب الأخير بين مصر والجزائر يحكمه في رأيي اعتباران. الاعتبار الأول أمني وهو الأقوى ويتعلق بما يحدث في ليبيا التي لها حدود مشتركة مع مصر والجزائر في آن واحد. أما الاعتبار الثاني فمرده إلى الحظوظ الجديدة للديمقراطية في المنطقة المغاربية، وهذا ربما يزعج المصريين (والخليجيين أيضا باستثناء قطر الذين لا ينظرون بارتياح إلى التطلعات الديمقراطية في العالم العربي، خاصة لما تأتي بإخوان المسلمين إلى الحكم).
- على افتراض أن المغرب الرسمي أغضبه موقف القنوات التلفزية المصرية لكن لماذا أشهر المغرب -عبر تلفزتيه- ورقة الإخوان المسلمون بقوله إن السيسي قاد الانقلاب ضد الرئيس المنتخب (أي مرسي الإخواني)، علما أن المغرب بدوره لايطيق الإخوان المسلمين رغم وجود زعيمهم عبد الإله بنكيران في الحكومة. ألا يعتبر ذلك تناقضا ويعكس تدبدب الموقف المغربي؟
+ التحولات المفاجئة في المواقف من هذا النوع ليست غريبة عن المغرب الرسمي منذ الاستقلال كلما تعلق الأمر بالوحدة الترابية، أو الأمن الداخلي، أوالتدخل في شؤونه الداخلية، سياسية كانت أو دينية. في الحالة الراهنة، اختيار المغرب للإعلام شبه الرسمي للرد على ما تم اعتباره تحركات غير ودية من الجانب المصري هو بمثابة إنذار قوي لإخواننا في مصر، إعلاميين كانوا أو رسميين، بشكل لا يضر بالعلاقات الرسمية بين البلدين وترك الباب مفتوحا لتدارك الموقف. أنا شخصيا غير متفق مع هذا النوع من ردود الفعل، لأني أعتبرها غير متماشية مع تطلعاتنا الديمقراطية وتذكرنا بالسلوكيات المتخلفة الماضية في التعاير والتنابز عن طريق الإعلام. في بلد ديمقراطي الأعلام يبقى حرا، والخلافات بين الدول تعالج سياسيا ودبلوماسيا.
- في أوج الخلاف بين مصر مبارك ومغرب الحسن الثاني وما تلاه من تعطيل آليات التعاون الثنائي بين البلدين آنذاك، ابتكر المرحوم الحسن الثاني آلية «تعاون القمة الثنائية» والتي جمعته بين مبارك في القاهرة والرباط في سنتي 1998 و 1999 على التوالي. هل يتوقع أن نشهد لقاء قمة بين السيسي ومحمد السادس لتذويب الخلافات بين البلدين؟
+ أنا لا أتذكر خلافا بين مصر والمغرب وصل أوجه في عهد مبارك. لكن ما هو معروف هو العكس حيث تم إنشاء لجن دبلوماسية عليا وغيرها للرقي بالعلاقات المصرية-المغربية إلى مستويات أفضل، وكانت آخرها في يناير2011 حيث تم خلق آلية للحوار والتشاور والتنسيق السياسي والاستراتيجي بين البلدين.
دوائر التقاطع المصري المغربي
هناك عدة دوائر يتقاطع فيها المغرب مع مصر، وهي دوائر تظهر أنه في حالة ارتفاع حدة التوتر بينهما فإن الصراع الثنائي قد ينتقل إلى جبهات عديدة. وهذه الدوائر هي:
1 - البعد الإفريقي، فكل من مصر والمغرب يعد بلدا وازنا في القارة الإفريقية على اعتبار أن هناك رباعيا يتوفر على إشعاع قاري، وهذا الرباعي يضم جنوب إفريقيا ونيجيريا تم المغرب ومصر. وبالتالي قد تكون الساحة الافريقية «في حالة إن لم يحتكم الطرفان إلى التعقل والحكمة» مسرحا لتشويه كل طرف والتشويش عليه من الطرف الآخر.
2 - البعد العربي، بعد انحلال الدولة في العراق وليبيا والصومال واليمن وسوريا، وانشغال لبنان بتداعيات الحرب الأهلية السورية وتمزق الفلسطينيين بين حركة حماس والسلطة الوطنية، وتجمد عقارب الساعة في الجزائر التي تحكمها جثة، فضلا عن انشغال تونس ببناء الجمهورية الثانية، وهوس دول الخليج بحماية أمنها بل وحماية وجودها من التهديدات المتصاعدة (إيران+ داعش إلخ....)، يبقى المغرب ومصر المؤهلين للتأثير في مجريات الساحة العربية، إلا أن هذا التقاطع قد يتحول إلى «حرب داحس والغبراء»، بينهما إن لم تطفئ جمرة العداء بين الرباط والقاهرة
3 - البعد المتوسطي: رغم أن مصر ليست عضوا في المنتدى المتوسطي الذي دشن رسميا عام 1990، في روما بمقتضى (حوار 5 زائد 5) فان استحضارها في هذا التقاطع وارد. بدليل أن المغرب وعن حسن نية سبق واقترح إدراج مصر في هذا المنتدى عن الجانب العربي لحوض المتوسط كما اقترح إدراج اليونان عن الجانب الأوربي لحوض المتوسط ليصبح المنتدى (6+6)، إلا أن الطلب المغربي لم يتحقق بعد اندلاع موجة الربيع العربي وما تلا ذلك من سقوط نظام مبارك وتلاحق حالة اللااستقرار في مصر، موازاة مع الأزمة السياسية والمالية التي عصفت باليونان. (للإشارة «محور 5 زائد 5» يضم كلا من : المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، موريتانيا وعن الجانب الأوربي: إسبانيا، فرنسا، إيطاليا، البرتغال، ومالطا)
4 البعد الإسلامي : المغرب هو مؤسس القمة الإسلامية، عقب حريق القدس عام 1969، ومنذ ذلك التاريخ والمغرب ومصر يتنافسان على الزعامة. مصر تدعي أن لها مؤسسة الأزهر وتريد أن تكسبها صفة العالمية والمغرب مسنود بارثه التاريخي المتمثل في مؤسسة (إمارة المؤمنين) التي استطاعت أن تضمن إشعار المغرب في غرب القارة الإفريقية، بل وفي دول الخليج بنفسها بدليل أن المغرب هو من أوحى للسعودية باستخدام «خادم الحرمين» والمغرب هو أول دولة يصدر تعليم الدراسات الإسلامية إلى دول الخليج منذ عام 2008، في شخص جامعة محمد الخامس التي افتتحت فرعا لها في أبو ظبي، بينما فشل الأزهر في فتح شعبة هناك. أضف إلى ذلك أن أسهم المغرب صعدت في هذا الباب عقب بروز التيارات الجهادية والتكفيرية بالعالم، إذ توالت العروض على المغرب من دول عديدة طلبا لتأهيل علمائها (تونس، مالي، النيجر، إسبانيا، فرنسا، غينيا) وتأهيل حقلها الديني في حين لم يتمكن الأزهر من كسب ود الدول الإسلامية الأخرى.
نقطة أخرى يتعين استحضارها في هذا السياق وتتجلى في دور إيران التي بامكانها التشويش على أي دولة غير شيعية، باستثناء المغرب، الذي تتقاسم معه إيران ليس فقط محبة آل البيت، بل وتتقاسم مع المغرب التشبت بحكم آل البيت.
السفراء المغاربة الذين تعاقبوا بالقاهرة
أول دولة اعترفت باستقلال المغرب عام 1956، هي مصر. ويعود السبب إلى كون مصر كان يحكمها آنذاك جمال عبد الناصر الذي كان يتزعم معسكر حركات التحرر ضد الاستعمار.
وما آن استرجع المغرب سيادته حتى بادر المرحوم محمد الخامس إلى رد الجميل لمصر بتعيين أحد كبار الوطنيين المغاربة كأول سفير للمغرب في القاهرة ألا وهو المرحوم عبد الخالق الطريس. وفيما يلي السفراء المغاربة الدين تعاقبوا على تمثيل المغرب في القاهرة .
1- عبد الخالق الطريس 2 - بلمليح 3 - عبد اللطيف العراقي 4- محمد التازي 5- عبد اللطيف ملين 6 - عبد العالي ملين 7- محمد فرج الدكالي 8 - سعد العلمي (حاليا وهو وزير استقلالي سابق في حكومة عباس الفاسي)
ضاحي خلفان.. رأي شخصي أم صوت حاكم دبي؟
رد المغرب على استفزازات مصر إعلاميا كان جد قاسيا، إذ أن التقارير التي بتثها القناة الأولى والثانية بالمغرب لم تكتف بالقول إن السيسي جاء إلى الحكم في مصر عقب انقلاب، بل وأضافت بأنه جاء إلى الحكم عقب الإطاحة برئيس شرعي منتخب.
وهذا ما أغضب أكثر المصريين، بل وربما بعض الخليجيين. من هنا يتعين وضع تصريحات ضاحي خلفان، قائد شرطة دبي السابق، في سياقها. فالمسؤول الإماراتي حينما تنبأ بسقوط حكومة عبد الإله بنكيران سقوطا مدويا وحدد ما تبقى لها من أنفاس في عام واحد أو يزيد، فهو كان يعي أنه يتدخل في شؤون دولة ذات سيادة. لأن المحدد السياسي لسقوط الحكومة بالمغرب هو الانتخابات أو سحب الثقة أو ملتمس الرقابة وليس «عراف الإمارات».
وتزداد الحيرة حين نعلم أن ضاحي خلفان (الصورة) قريب جدا من حاكم دبي محمد بن راشد بشكل جعل الأسئلة تكبر، هل كان ضاحي خلفان يتحدث عن قناعة شخصية أم بناء على «وحي أوحي إليه من طرف حاكم دبي»؟
السؤال ليس معزولا، لأن تغريدة المسؤول الأمني الإماراتي جاءت بعيد زيارة الملك محمد السادس لأبو ظبي (ونحن نعلم ثقل أبو ظبي في الإمارات العربية المتحدة ككل وليس دبي) وبعيد زيارة الملك لتركيا (عراب الإخوان المسلمون كما تسميها الإمارات)، فضلا عن كون التغريدة جاءت عقب صدور تقارير إعلامية في التلفزيون المغربي تعتبر الرئيس المصري محمد مرسي رئيسا شرعيا منتخبا تم الانقضاض على حكمه بمقتضى انقلاب السيسي عليه. وهي الفرضية التي تفسر لماذا كشر ضاحي خلفان عن أسنانه بحكم حساسية وعداوة الإمارات للإخوان المسلمين.
من هنا السؤال: هل ضاحي خلفان كان يعبر عن موقف شخصي أم حصل على الضوء الأخضر من حاكم دبي محمد بن راشد الذي لم تنجح معظم استثمارات شركات دبي في إخراج أساسات مشروع أبي رقراق من الأرض؟.