الشاعرة تِسْليتْ أونزار: لستُ شارلــي

الشاعرة تِسْليتْ أونزار: لستُ شارلــي

المشهد ابتدأ سنة 2006 و يتكرر مع كل تدهور للحالة المالية للصحيفة الفرنسية اليسارية الساخرة "شارلي إيبدو"، بنشرها صورا تمس الإسلام و رمزه الرسول محمد (ص)، و آخرها ما نشر في عدد أكتوبر 2014 تحت عنوان "ماذا لو عاد محمد؟".

هي صحيفة عزف عنها القراء لسنوات بسبب سخريتها من الديانات، و فطنت خصوصا أن كل ما يمس المسلمين في دينهم هو ورقة رابحة، حتى تكثر من مبيعاتها و كسب دعم الرأي العام ماديا و معنويا في حالة الهجوم عليها.

على مواقع الشبكة العنكبوتية، ظهرت العديد من المقالات و الفيديوهات المحللة للعملية الهجومية و التي شككت كلها في صحة العملية الإرهابية و أنها قد تكون مجرد عملية مدبرة من جهات معينة. ما قد يعزز التشكيك في هذا الهجوم و طرح أسئلة عديدة حوله، هو التطور الذي عرفته بعض البرلمانات الأوروبية مؤخرا نحو السعي للاعتراف بشرعية الدولة الفلسطينية. ليست فرنسا وحدها بالتأكيد التي تعمل في هذا الاتجاه، لكنها تبقى فاعلا مهما و قويا بالنظر لتواجدها و تدخلها في شؤون العديد من الدول الشرق أوسطية و الإفريقية، فرضا لتواجدها موازاة مع الولايات المتحدة الأمريكية و ربما لاستعادة بعض من  أمجادها الامبريالية.

تدارُس فرنسا الإعتراف بالدولة الفلسطينية حدث يستشيط له الكيان "الإسرائيلي" في وقت يسعى فيه إلى إقامة دولة ذات مرجعية دينية يهودية في المنطقة.

فرضية تدبير الهجوم على الجريدة، تلمح أن قد تكون وراءه إسرائيل، حتى تعيد فرنسا و مثيلاتها حساباتهم من جديد، أو ربما قد تكون جهات فرنسية داخلية معارضة لطرح الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة، و تعاملت مع جهات أخرى لتدبير الهجوم، حتى يظهر على أنه عملية إرهابية لمتطرفين مسلمين. و أكيد هناك  فرضيات أخرى لا ندركها بعدُ نحن المواطنون العاديون، المتتبعون للشأن العام من خلال إعلام قد يوافق خطط صانعي قرارات اللعبة السياسية.  

أن يكون الهجوم مُوقعا باسم الإرهاب الإسلامي هو أمر وارد، و قد يكتمل التحقيق و يقفل الملف على أنه كذلك، و ربما أيضا تمر السنوات و تَظهر أوراق قد تكشف حقائق لعبة لعبها الكبار، و صدقها سذج، ليذهب ضحيتها أكباش فداء أبرياء و كل من نطق "محمد رسول الله (ص)! حتى ذلكم الحين، لنتأمل و نصبر و إن غدا لناظره قريب، فكم من ملفات كُشفت و لو بعد حين.

و استنادا للمثل القائل "مصائب قوم عند قوم فوائد"، فقد سطع نجم الصحيفة المغمورة حيث جمعت حوالي مليوني يورو خلال خمسة أيام فقط على الهجوم، كما تعهدت الحكومة الفرنسية بالتبرع لها بحوالي مليون يوريو. وعدت الصحيفة المتعاطفين معها بطباعة مليون نسخة العدد القادم ليوم الأربعاء 14 يناير 2015، بعدما لم تكن تتجاوز 60 ألف نسخة على أبعد تقدير. و جاء في رسالة نشرتها على موقعها الذي تمت قرصنته فيما مضى من طرف قراصنة أتراك بسبب الرسوم المسيئة للإسلام، جاء في نصها :" لكل المدافعين عن حرية الرأي، لأن القلم هو دائما فوق الهمجية .. لأن الحرية هي حق عالمي، لأنك داعم لنا، سنقوم بطباعة مليون نسخة من صحيفتنا يوم الأربعاء القادم"، كما طالبت جميع الصحف المحلية و الخارجية بإعادة نشر الرسوم، تحديا لكل من يعارض حرية الرأي.

و بالفعل، أعادت صحيفة "هامبورغ مورغن بوست" الألمانية إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول (ص) يوم 10 يناير 2015 تضامنا مع "شارلي إيبدو" و تعرض مقرها في نفس الليلة لهجوم بالزجاجات الحارقة.

خلاصة القول، هنيئا لكِ "شارلي إيبدو" بهذا الإشهار و شكرا جزيلا لكل من تضامن مع جريدة ذات خط تحريري لا يحترم الديانات باسم حرية الصحافة، و شكرا لكل مسلم رفع شعار "أنا شارلي" بينما لم يحرك ساكنا أمام مجازر بورما و إفريقيا الوسطى أو سوريا أو مصر و غيرهم كثيرون. و إلى أن يثبت أنها عملية إرهابية لمتطرفين مسلمين أو أنها مدبرة من قِبل جهات عليا، حتى ذلكم الحين، القليل من التريث قبل رفع أي شعار في اندفاع عاطفي فيه إساءة لنا و نحن لا نرى أبعد من أنوفنا.

 

تِسْليتْ أونزار/ شاعرة أمازيغية