مغربيات صنعن التاريخ.. اعتماد الرميكية: زوجة المعتمد بن عباد (5)

مغربيات صنعن التاريخ.. اعتماد الرميكية: زوجة المعتمد بن عباد (5)

هذه سلسلة من الكتابات التاريخية بصيغة المؤنث لمغربيات صنعن التاريخ، وبصمن مشوارهن من خلال عملية البحث والتنقيب وقراءة الوثائق التاريخية عبر أغلب مجالات الجغرافيا، وإعادة تشكيلها بقلم الأستاذ الباحث مصطفى حمزة، الذي أغنى الخزانة المغربية بإصداراته المهمة، والتي تناول فيها مسار شخصيات كان لها الحضور القوي على مستوى التاريخ الجهوي والوطني. ولتقريب القراء من هذا النبش والبحث المضني، اختارت "أنفاس بريس" عينة من النساء المغربيات (25 شخصية نسائية) اللواتي سطرن ملاحم وبطولات وتبوؤهن لمراكز القرار والتأثير فيها فقهيا وثقافيا وسياسيا وعسكريا.

ـ اعتماد الرميكية: زوجة المعتمد بن عباد

أديبة، شاعرة، مليحة، حسنة الحديث، حلوة النادرة، كثيرة الفكاهة...، قلائد رصعت جيد اعتماد الرميكية، المتوج بأكاليل الوفاء للمعتمد (ملك اشبيلية).

كثيرون هم المهووسون بزيارة أغمات، مقر إقامة ونفي ملوك الطوائف على عهد يوسف بن تاشفين، والوقوف على ضريح المعتمد بن عباد الذي يحتضن بالإضافة إلى قبر الملك الشاعر، قبر زوجته اعتماد الرميكية وابنه، والذي يتشكل من قبة مصغرة طبق الأصل للقبة المرابطية بمراكش تزينها بعض الأبيات الشعرية التي نظمها الأمير الشاعر المعتمد بن عباد في رثاء حاله، وأمر أن تكتب على قبره.. يقول صاحب الإعلام.

"قبر الغريب سقاك الرائح الغادي/ حقا ظفرت بأشلاء بني عباد

بالحلم بالعلم بالنعمى إذا اتصلت/ بالخصب أن أجدبوا بالري للصادي

نعم هو الحق فاجأنى على/ قدر من السماء ووافاني بميعاد

ولم أكن قبل ذاك النعش أعلمه/ أن الجبال تهادى فوق أعواد"...

يقرأ الزوار الأبيات في صمت، احتراما وإجلالا لعظمة الرجل (القائد والشاعر) ويستحضرون ما عاش فيه من عز وما عاناه من محن، وينسى الكثير منهم "اعتماد" ملهمته في أيام عزه، ورفيقة دربه في الشدائد والمحن.

لم يخطر ببال رميك بن حجاج الأندلسي، أحد تجار اشبيلية، وهو يتولى تعليم جاريته اعتماد التي برعت في الأدب وأضحت تنظم الشعر، أنها ستصبح ملكة اشبيلية الأثيرة.

فقد استطاعت أم "أبا الحسن" -حسب بن إبراهيم- أن تنال إعجاب المعتمد بذكائها وجماله، ففضلها على زوجاته ومحظياتة. ففي يوم كان المعتمد يتنزه مع وزيره ابن عمار، على ضفاف نهر، فأخذ بمنظر الماء المتموج فقال في لحظة أنس:

"حاكت الريح من الماء زرد"..

وطلب من ابن عمار، وهو شاعر، أن يجيزه. فتوقف ابن عمار قليلا، وكان على شاطئ النهر جوار (من بينهن اعتماد) يملأن الماء في جرار، فقالت:

"أي درع لقتال لو جمد".

أعجب المعتمد بذكاء اعتماد وجمالها، فاشتراها من سيدها وأعتقها ثم تزوجها، وأغدق عليها من جواهر ونفائس ونعيم. وكانت اعتماد لسمو مكانتها وتمكن نفوذها يطلق عليها "السيدة الكبرى". وكانت تسرف في دلالها على المعتمد.. من ذلك أنها طلبت منه أن يريها الثلج، فزرع لها أشجار اللوز على جبل قرطبة حتى إذا نور زهره بدت الأشجار وكأنها محملة بالثلج الأبيض.

ومن أخبارها أيضا القصة المعروفة في قوله "ولا يوم الطين".. وذلك أنها رأت الناس يمشون في الطين فاشتهت المشي في الطين، فأمر المعتمد، فسحقت أشياء من الطين، وذرت في ساحة القصر حتى عمته، ثم نصبت القرابيل وصب فيها ماء الورد على أخلاط الطيب، وعجنت بالأيدي حتى كانت كالطين، فخاضتها مع جواريها.. يقول صاحب الإعلام.

ليس الدلال والإسراف في المطالب خصلتان ملازمتان لاعتماد الشاعرة والأديبة، فكثيرا ما أتت المعتمد وهي تمشي على استحياء يسمو بسمو جمل الاعتذار المستحضرة لندى الرجل.

فقد غاضب المعتمد أم أبوثينة الشاعرة في بعض الأيام، فأقسمت أنها لم تر منه خيرا قط! فقال: ولا يوم الطين؟ فاستحيت واعتذرت. ولعل المعتمد أشار في أبياته الرائية إلى هذه القصيدة حيث قال:

"يطأن في الطين والأقدام حافية/  كأنها لم تطأ مسكا وكافورا"، يقول العباس بن إبراهيم.

سمو اعتماد وشموخها، يترجمهما وفاؤها للمعتمد وتحملها للشدائد التي مر منها، فمن نعيم الأندلس سيق ملك اشبيلية إلى ضيق ذات اليد وذل الحاجة بسجن أغمات، فلم يكن له من مؤنس سوى أولاده وأمهم التي ظلت تؤنس وحدته وتلهم قريحته بسؤالها حينا ومواساتها أحيان أخرى.

فقد قالت له وهما بأغمات: يا سيدي لم قدمنا هنا؟

فقال:

"قالت لنا هنا هنا/ مولاي أين جاهنا؟

قلت لها إلى هنا/ صيرنا إلا هنـــــــا".

وحكي أنها قالت له وقد مرض: يا سيدي ما لنا قدرة على مرضاتك من مرضاتك!

ماتت اعتماد ومات المعتمد، وظلت أخبارها متداولة بين المغاربة، يقول ابن الآبار.