الصحراء الشرقية التي بترتها فرنسا الاستعمارية.. مهمة التحرير!

الصحراء الشرقية التي بترتها فرنسا الاستعمارية.. مهمة التحرير! الرئيس تبون والجنرال شتقريحة
منذ‭ ‬أن‭ ‬أحكمت‭ ‬فرنسا‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1830،‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬«الصحراء‭ ‬الشرقية»‭ ‬للمغرب‭ ‬بوصفها‭ ‬مجالا‭ ‬ترابيا‭ ‬قابلا‭ ‬للقضم‭ ‬كلما‭ ‬اقتضت‭ ‬مصالحها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والعسكرية‭ ‬ذلك،‭ ‬إذ‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬تفكيك‭ ‬المجال‭ ‬الترابي‭ ‬المغربي‭ ‬عبر‭ ‬أدوات‭ ‬قانونية‭ ‬ودبلوماسية‭ ‬وإدارية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬قضية‭ ‬«الصحراء‭ ‬الشرقية»‭ ‬تتجاوز‭ ‬«النزاع‭ ‬الحدودي»،‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬تتصل‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬بإرث‭ ‬استعماري‭ ‬تشكّل‭ ‬عبر‭ ‬مفاوضات‭ ‬غير‭ ‬متكافئة‭ ‬وشخصيات‭ ‬محاصَرة‭ ‬وسياسات‭ ‬فرنسية‭ ‬اشتغلت‭ ‬بمكر‭ ‬ودهاء‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬المؤقت‭ ‬إلى‭ ‬دائم،‭ ‬و«الحدود‭ ‬السائلة»‭ ‬إلى‭ ‬«حدود‭ ‬صلبة»‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬آثارها‭ ‬السياسية‭ ‬والجغرافية‭ ‬قائمة‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭.‬
 
المعاهدات‭: ‬الاستعمار‭ ‬المقنّع
شكّلت‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬والمعاهدات‭ ‬التي‭ ‬أبرمتها‭ ‬فرنسا‭ ‬مع‭ ‬المغرب،‭ ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬إحدى‭ ‬أخطر‭ ‬الآليات‭ ‬التي‭ ‬استُعملت‭ ‬للقفز‭ ‬عن‭ ‬منطق‭ ‬الاحتلال‭ ‬المباشر،‭ ‬ذلك‭ ‬أنها‭ ‬غلفته‭ ‬قبل‭ ‬توقيع‭ ‬معاهدة‭ ‬الحماية‭ ‬عام‭ ‬1912‭ ‬بنصوص‭ ‬قانونية‭ ‬تبدو،‭ ‬في‭ ‬ظاهرها،‭ ‬تنظيمية‭ ‬أو‭ ‬تقنية،‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬أدوات‭ ‬لإعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬المجال‭ ‬الترابي‭ ‬المغربي‭ ‬وفق‭ ‬حاجات‭ ‬المشروع‭ ‬الاستعماري‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭. ‬
 
وقد‭ ‬بدأت‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬مع‭ ‬اتفاق‭ ‬باريس‭ ‬لسنة‭ ‬1901،‭ ‬الذي‭ ‬أُبرم‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬دولي‭ ‬ضاغط‭ ‬على‭ ‬المغرب،‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬كانت‭ ‬فيها‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬منهارة‭ ‬وتعاني‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬مالي‭ ‬وعسكري‭ ‬بنيوي‭. ‬وهو‭ ‬الاتفاق‭ ‬الذي‭ ‬أقرّ‭ ‬مبدأ‭ ‬«تنظيم»‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬و«الجزائر‭ ‬الفرنسية»‭ ‬دون‭ ‬تحديد‭ ‬واضح‭ ‬ونهائي‭ ‬للمجال‭ ‬الترابي،‭ ‬مما‭ ‬نتج‭ ‬عنه‭ ‬التباس‭ ‬كبير‭ ‬ستستثمره‭ ‬فرنسا‭ ‬لاحقا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد‭. ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬الصحراء‭ ‬الشرقية،‭ ‬الممتدة‭ ‬من‭ ‬تخوم‭ ‬فكيك‭ ‬إلى‭ ‬«توات»‭ ‬و«تيديكلت»‭ ‬و«كورارة»،‭ ‬مجالا‭ ‬تاريخيا‭ ‬تحكمه‭ ‬السيادة‭ ‬المغربية،‭ ‬إذ‭ ‬تتحرك‭ ‬فيه‭ ‬القبائل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬بيعة‭ ‬المخزن،‭ ‬وتجبى‭ ‬فيه‭ ‬الضرائب،‭ ‬وتمارس‭ ‬فيه‭ ‬السلطة‭ ‬الدينية‭ ‬والقضائية‭.‬
 
وجاءت‭ ‬اتفاقيتا‭ ‬الجزائر‭ ‬لسنة‭ ‬1902،‭ ‬اللتان‭ ‬ارتبط‭ ‬بهما‭ ‬اسم‭ ‬محمد‭ ‬الجبّاص‭ ‬«العلّاف‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬حكومة‭ ‬فضول‭ ‬غرنيط»‭ ‬ومحمد‭ ‬المقري‭ ‬«المكلف‭ ‬بالأملاك‭ ‬المخزنية»‭ ‬والحاج‭ ‬عمر‭ ‬الخطيب‭ ‬«المترجم»،‭ ‬لتُجسّدا‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬الغموض‭ ‬إلى‭ ‬القضم‭ ‬التدريجي‭. ‬فقد‭ ‬قُدّمت‭ ‬هاتان‭ ‬الاتفاقيتان‭ ‬بوصفهما‭ ‬تطبيقا‭ ‬تقنيا‭ ‬لمقتضيات‭ ‬اتفاق‭ ‬باريس،‭ ‬غير‭ ‬أنهما‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬كرّستا‭ ‬أولى‭ ‬عمليات‭ ‬بتر‭ ‬التراب‭ ‬المغربي‭ ‬عبر‭ ‬الفصل‭ ‬الميداني‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وصحرائه‭ ‬الشرقية،‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬رسم‭ ‬الخط‭ ‬الحدودي‭ ‬الممتدة‭ ‬من‭ ‬وادي‭ ‬كيس‭ ‬إلى‭ ‬ثنية‭ ‬بن‭ ‬ساس،‭ ‬فيما‭ ‬ظلت‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬تعتبر‭ ‬باقي‭ ‬الأراضي‭ ‬مجرد‭ ‬فياف‭ ‬خالية‭ ‬لا‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬ترسيمها،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬فرنسا‭ ‬إلى‭ ‬تجنيد‭ ‬بعثات‭ ‬عسكرية‭ ‬وتقنية‭ ‬لرسم‭ ‬خطوط‭ ‬«مؤقتة»‭ ‬للفصل‭ ‬بين‭ ‬النفوذَين،‭ ‬لكنها‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬فعلية،‭ ‬تُدار‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الإدارة‭ ‬الفرنسية‭ ‬بالجزائر،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أطبقت‭ ‬عليها‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬(1901)‭ ‬القوات‭ ‬العسكرية‭ ‬الفرنسية‭ ‬بقيادة‭ ‬الجنرال‭ ‬«سرفيير»،‭ ‬ثم‭ ‬الجنرال‭ ‬«ريسبورغ»‭.‬
 
وتكمن‭ ‬خطورة‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬في‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تنص‭ ‬صراحة‭ ‬على‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬الأراضي،‭ ‬لكنها‭ ‬أفرغت‭ ‬السيادة‭ ‬المغربية‭ ‬من‭ ‬مضمونها‭ ‬العملي‭. ‬ففرنسا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬اعتراف‭ ‬قانوني‭ ‬صريح‭ ‬بضم‭ ‬الصحراء‭ ‬الشرقية‭ ‬للمغرب‭ ‬إلى‭ ‬«الجزائر‭ ‬الفرنسية»،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬التحكم‭ ‬الإداري‭ ‬والعسكري‭ ‬فيها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬تدريجيا‭ ‬عبر‭ ‬منع‭ ‬المخزن‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬سلطته،‭ ‬وإلحاق‭ ‬المجال‭ ‬المغربي‭ ‬بالإدارة‭ ‬الفرنسية-‭ ‬الجزائرية،‭ ‬وفرض‭ ‬خرائط‭ ‬جديدة‭ ‬تُدرّس‭ ‬وتُعتمد‭ ‬داخل‭ ‬المنظومة‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬ثم‭ ‬تُقدَّم‭ ‬لاحقاً‭ ‬كحقائق‭ ‬جغرافية‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للنقاش‭.‬
 
ومع‭ ‬فرض‭ ‬نظام‭ ‬الحماية‭ ‬سنة‭ ‬1912،‭ ‬دخلت‭ ‬سياسة‭ ‬القضم‭ ‬مرحلة‭ ‬أكثر‭ ‬تنظيما‭. ‬فالمعاهدات‭ ‬السابقة،‭ ‬التي‭ ‬أُبرمت‭ ‬مع‭ ‬مغرب‭ ‬يتمتع-‭ ‬نظريا-‭ ‬بسيادته،‭ ‬أصبحت‭ ‬تُؤوَّل‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬فرنسا‭ ‬وحدها،‭ ‬باعتبارها‭ ‬القوة‭ ‬الحامية‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬عملت‭ ‬الإدارة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬على‭ ‬فصل‭ ‬الصحراء‭ ‬الشرقية‭ ‬نهائيا‭ ‬عن‭ ‬المجال‭ ‬المغربي‭ ‬الخاضع‭ ‬للحماية،‭ ‬واعتبارها‭ ‬جزءا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬الفرنسية‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬قرارا‭ ‬فجائياً،‭ ‬بل‭ ‬نتيجة‭ ‬تراكم‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الغامضة،‭ ‬والمذكرات‭ ‬الإدارية،‭ ‬والأوامر‭ ‬العسكرية،‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬الوجود‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬مجرد‭ ‬ذكرى‭ ‬تاريخية‭.‬
 
في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة،‭ ‬استثمرت‭ ‬فرنسا،‭ ‬إذن،‭ ‬ضعف‭ ‬التمثيل‭ ‬المغربي،‭ ‬وتشتت‭ ‬القرار‭ ‬المخزني،‭ ‬واعتماد‭ ‬بعض‭ ‬رجال‭ ‬المخزن‭ ‬آنذاك‭ ‬على‭ ‬منطق‭ ‬«تقليل‭ ‬الخسائر»،‭ ‬لتفرض‭ ‬تصورها‭ ‬للحدود‭. ‬وكانت‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬الزمن‭ ‬يعمل‭ ‬لصالحها:‭ ‬فكل‭ ‬سنة‭ ‬تمرّ‭ ‬دون‭ ‬حضور‭ ‬مغربي‭ ‬فعلي‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬الشرقية‭ ‬تعني‭ ‬ترسيخ‭ ‬واقع‭ ‬جديد،‭ ‬وكل‭ ‬خريطة‭ ‬تُرسم،‭ ‬وكل‭ ‬إدارة‭ ‬تُقام،‭ ‬وكل‭ ‬قبيلة‭ ‬مغربية‭ ‬تُلحق‭ ‬بالمنظومة‭ ‬الجزائرية،‭ ‬تُبعد‭ ‬تلك‭ ‬الأراضي‭ ‬خطوة‭ ‬إضافية‭ ‬عن‭ ‬المغرب‭.‬
 
وبذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬والمعاهدات‭ ‬التي‭ ‬أبرمتها‭ ‬فرنسا‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرد‭ ‬وثائق‭ ‬تاريخية‭ ‬انتهى‭ ‬مفعولها‭ ‬بانتهاء‭ ‬الاستعمار،‭ ‬بل‭ ‬شكلت‭ ‬الأساس‭ ‬القانوني‭ ‬والسياسي‭ ‬الذي‭ ‬بُني‭ ‬عليه‭ ‬النزاع‭ ‬اللاحق‭ ‬حول‭ ‬الصحراء‭ ‬الشرقية‭ ‬المقتطعة‭ ‬ظلما‭ ‬من‭ ‬سيادة‭ ‬المغرب‭. ‬
 
الأسس‭ ‬المغربية‭ ‬الخمسة
ترتكز‭ ‬مطالب‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬صحرائه‭ ‬الشرقية‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬تاريخية‭ ‬وقانونية‭ ‬وسياسية‭ ‬متداخلة،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اختزالها‭ ‬في‭ ‬منطق‭ ‬النزاع‭ ‬الحدودي‭ ‬الكلاسيكي،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فهمها‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تاريخ‭ ‬تشكّل‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬وحدودها‭ ‬قبل‭ ‬التدخل‭ ‬الاستعماري،‭ ‬وفي‭ ‬ضوء‭ ‬الكيفية‭ ‬التي‭ ‬أعادت‭ ‬بها‭ ‬فرنسا‭ ‬رسم‭ ‬المجال‭ ‬المغاربي‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬مشروعها‭ ‬الإمبراطوري‭ ‬الاستعماري‭.‬
 
أولا‭:‬‭ ‬الأساس‭ ‬التاريخي،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الصحراء‭ ‬الشرقية‭ ‬كانت‭ ‬جزءا‭ ‬عضويا‭ ‬من‭ ‬المجال‭ ‬السلطاني،‭ ‬تمارس‭ ‬فيه‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬سلطتها‭ ‬عبر‭ ‬آليات‭ ‬تقليدية‭ ‬متجذرة،‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬البيعة،‭ ‬وتعيين‭ ‬القواد‭ ‬والعمال،‭ ‬وجباية‭ ‬الضرائب،‭ ‬وإيفاد‭ ‬القضاة‭ ‬والعلماء،‭ ‬وحماية‭ ‬القوافل‭ ‬والزوايا‭. ‬وقد‭ ‬شكّلت‭ ‬مناطق‭ ‬مثل‭ ‬فكيك‭ ‬وتافيلالت‭ ‬وتوات‭ ‬وكورارة‭ ‬وتيديكلت‭ ‬امتدادا‭ ‬طبيعيا‭ ‬للمغرب،‭ ‬اقتصادياً‭ ‬وروحيا‭ ‬وسياسيا،‭ ‬وكانت‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالمخزن‭ ‬بروابط‭ ‬ثابتة،‭ ‬وإن‭ ‬اتخذت‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الصحراوي‭ ‬طابعاً‭ ‬مرناً‭ ‬يتلاءم‭ ‬مع‭ ‬خصوصيات‭ ‬القبائل‭ ‬ونمط‭ ‬العيش‭ ‬والتنقل‭.‬
 
ثانيا‭:  ‬الأساس‭ ‬البشري‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬القبائل‭ ‬التي‭ ‬استوطنت‭ ‬الصحراء‭ ‬الشرقية‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬غالبيتها‭ ‬قبائل‭ ‬مغربية‭ ‬البيعة‭ ‬والانتماء،‭ ‬تتقاسم‭ ‬مع‭ ‬باقي‭ ‬مناطق‭ ‬المغرب‭ ‬نفس‭ ‬البنية‭ ‬الثقافية‭ ‬والدينية،‭ ‬وترتبط‭ ‬بالزوايا‭ ‬المغربية‭ ‬الكبرى،‭ ‬وتخضع‭ ‬رمزيا‭ ‬وسياسيا‭ ‬لسلطة‭ ‬السلطان‭. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬الحدود،‭ ‬بالمعنى‭ ‬الأوروبي‭ ‬الحديث،‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وامتداداته‭ ‬الصحراوية،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬المجال‭ ‬يُدار‭ ‬بمنطق‭ ‬النفوذ‭ ‬والولاء،‭ ‬وهو‭ ‬منطق‭ ‬ساد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬قبل‭ ‬فرض‭ ‬الحدود‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الصارمة‭.‬
 
ثالثا‭: ‬الأساس‭ ‬الاستعماري،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تفقد‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬ارتباطها‭ ‬بالمغرب‭ ‬نتيجة‭ ‬حرب‭ ‬خاسرة‭ ‬أو‭ ‬معاهدة‭ ‬تنازل‭ ‬صريحة،‭ ‬بل‭ ‬جرى‭ ‬فصلها‭ ‬تدريجيا‭ ‬عبر‭ ‬اتفاقيات‭ ‬غامضة‭ ‬وغير‭ ‬متكافئة‭ ‬أبرمتها‭ ‬فرنسا‭ ‬مع‭ ‬مغرب‭ ‬ضعيف‭ ‬السيادة،‭ ‬ثم‭ ‬عبر‭ ‬قرارات‭ ‬إدارية‭ ‬وعسكرية‭ ‬أحادية‭ ‬الجانب‭ ‬بعد‭ ‬فرض‭ ‬الحماية‭. ‬ففرنسا،‭ ‬باعتبارها‭ ‬قوة‭ ‬محتلة‭ ‬للجزائر‭ ‬ثم‭ ‬للمغرب،‭ ‬أعادت‭ ‬رسم‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬مستعمرتين‭ ‬تابعتين‭ ‬لها،‭ ‬دون‭ ‬اعتبار‭ ‬لإرادة‭ ‬السكان‭ ‬أو‭ ‬للروابط‭ ‬التاريخية،‭ ‬واعتبرت‭ ‬الصحراء‭ ‬الشرقية‭ ‬المغربية‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬«الجزائر‭ ‬الفرنسية»،‭ ‬في‭ ‬خرق‭ ‬واضح‭ ‬لمنطق‭ ‬استمرارية‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭.‬
 
رابعا‭:‬‭ ‬الأساس‭ ‬القانوني،‭ ‬إذ‭ ‬عبرت‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬التي‭ ‬استندت‭ ‬إليها‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الصحراء‭ ‬الشرقية‭ ‬عن‭ ‬إكراه‭ ‬سياسي‭ ‬وعسكري،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تُبرم‭ ‬لترسيم‭ ‬حدود‭ ‬نهائية،‭ ‬بل‭ ‬لتنظيم‭ ‬مؤقت‭ ‬للنفوذ،‭ ‬جرى‭ ‬تحويله‭ ‬لاحقا،‭ ‬بفعل‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع،‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬صلبة‭.‬
 
خامسا‭: ‬الأساس‭ ‬الكرنولوجي،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬النزاع‭ ‬حول‭ ‬الصحراء‭ ‬الشرقية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مطروحاً‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬قبل‭ ‬الاستعمار،‭ ‬ولم‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬إشكال‭ ‬سياسي‭ ‬حاد‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬استقلال‭ ‬البلدين‭ ‬«المغرب‭ ‬والجزائر»،‭ ‬حين‭ ‬ورثت‭ ‬الجزائر‭ ‬حدودا‭ ‬رسمتها‭ ‬فرنسا‭ ‬لخدمة‭ ‬مصالحها،‭ ‬لا‭ ‬لتجسيد‭ ‬واقع‭ ‬تاريخي‭ ‬أو‭ ‬جغرافي‭ ‬عادل‭. ‬فحرب‭ ‬الرمال‭ ‬التي‭ ‬اندلعت‭ ‬سنة‭ ‬1963،‭ ‬وما‭ ‬تلاها‭ ‬من‭ ‬توترات،‭ ‬كشفت‭ ‬أن‭ ‬الحدود‭ ‬الموروثة‭ ‬عن‭ ‬الاستعمار‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬محل‭ ‬توافق‭ ‬تاريخي،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬خطوطا‭ ‬مفروضة‭ ‬بالقوة،‭ ‬تجاهلت‭ ‬الامتداد‭ ‬المغربي‭ ‬الطبيعي‭ ‬نحو‭ ‬الشرق‭. ‬
وتأسيسا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬مطلب‭ ‬المغاربة‭ ‬باستعادة‭ ‬الصحراء‭ ‬الشرقية‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬قراءة‭ ‬الإرث‭ ‬الاستعماري،‭ ‬وتصحيح‭ ‬اختلالاته،‭ ‬والاعتراف‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬فرضته‭ ‬فرنسا‭ ‬بالقوة‭ ‬والخرائط‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يلغي‭ ‬قرونا‭ ‬من‭ ‬الارتباط‭ ‬السياسي‭ ‬والبشري‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وعمقه‭ ‬الصحراوي‭ ‬الشرقي‭.‬
 
الإنكار‭ ‬الفرنسي‭ ‬للمسؤولية‭ ‬التاريخية
يتسم‭ ‬الموقف‭ ‬الفرنسي‭ ‬من‭ ‬مسألة‭ ‬الصحراء‭ ‬الشرقية‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬الصمت‭ ‬الحذر‭ ‬والازدواجية‭ ‬المحسوبة؛‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬فرنسا،‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬الفاعل‭ ‬المركزي‭ ‬في‭ ‬نشأة‭ ‬هذا‭ ‬الإشكال،‭ ‬ترفض‭ ‬اليوم‭ ‬تحمل‭ ‬كلفة‭ ‬تلك‭ ‬الاختيارات،‭ ‬وتتعامل‭ ‬مع‭ ‬الوضع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ثلاث‭ ‬ركائز‭ ‬أساسية:‭ ‬«إنكار‭ ‬المسؤولية‭ ‬السياسية‭ ‬المباشرة؛‭ ‬التمسك‭ ‬العملي‭ ‬بالحدود‭ ‬التي‭ ‬رسمها‭ ‬الاستعمار؛‭ ‬تجنب‭ ‬أي‭ ‬نقاش‭ ‬تاريخي‭ ‬قد‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬تقييم‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬تفكيك‭ ‬المجال‭ ‬الترابي‭ ‬المغربي»‭.  ‬وتبعا‭ ‬لذلك،‭ ‬فإن‭ ‬موقفها‭ ‬يعتبر،‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬امتدادا‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬للسياسة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬قادت‭ ‬إلى‭ ‬قضم‭ ‬الأراضي‭ ‬المغربية‭ ‬الشرقية:‭ ‬سياسة‭ ‬تحويل‭ ‬القوة‭ ‬إلى‭ ‬قانون،‭ ‬ثم‭ ‬تحويل‭ ‬القانون‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬دائم‭.‬
 
هكذا،‭ ‬تعتمد‭ ‬فرنسا،‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬المبدئية،‭ ‬خطابا‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬«الشرعية‭ ‬الدولية»‭ ‬والحدود‭ ‬الموروثة‭ ‬عن‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وتعتبر‭ ‬أن‭ ‬القضايا‭ ‬الحدودية‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬المغاربية‭ ‬شأن‭ ‬ثنائي‭ ‬أو‭ ‬إقليمي‭ ‬لا‭ ‬دخل‭ ‬لها‭ ‬فيه‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬الظاهري‭ ‬يخفي‭ ‬حقيقة‭ ‬أساسية،‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬«الشرعية»‭ ‬نفسها‭ ‬نتاج‭ ‬مباشر‭ ‬للسياسات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الفرنسية‭. ‬
 
ففرنسا‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬بترت‭ ‬الصحراء‭ ‬الشرقية‭ ‬من‭ ‬المغرب،‭ ‬وحولته‭ ‬إلى‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬ألحقتها‭ ‬إداريا‭ ‬وعسكريا‭ ‬بالجزائر،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬خرائط‭ ‬وحدودا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬قبل‭ ‬الاحتلال‭. ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬تمسكها‭ ‬اليوم‭ ‬بالحدود‭ ‬الموروثة‭ ‬عن‭ ‬الاستعمار‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬تمسك‭ ‬بإرثها‭ ‬الاستعماري،‭ ‬خاصة‭ ‬أنها‭ ‬نفسها،‭ ‬بعد‭ ‬استقلال‭ ‬الجزائر،‭ ‬أمام‭ ‬معادلة‭ ‬دقيقة:‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬مسؤولة‭ ‬تاريخيا‭ ‬عن‭ ‬رسم‭ ‬الحدود،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬حريصة‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬استراتيجية‭ ‬قوية‭ ‬مع‭ ‬الجزائر،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالطاقة‭ ‬والأمن‭ ‬والهجرة‭ ‬والنفوذ‭ ‬في‭ ‬الساحل‭ ‬الإفريقي‭. ‬لذلك‭ ‬اختارت‭ ‬موقفاً‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬ضمني‭ ‬للحدود‭ ‬الجزائرية،‭ ‬دون‭ ‬إعلان‭ ‬صريح‭ ‬لمسؤوليتها‭ ‬عن‭ ‬جذورها‭ ‬الاستعمارية‭. ‬فالإقرار‭ ‬بأن‭ ‬الصحراء‭ ‬الشرقية‭ ‬اقتُطعت‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬قسراً‭ ‬يعني،‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬باريس،‭ ‬فتح‭ ‬ملف‭ ‬واسع‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬وحده،‭ ‬بل‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬كامل‭ ‬إفريقيا‭ ‬التي‭ ‬رسمت‭ ‬فرنسا‭ ‬حدود‭ ‬دولها‭ ‬بالمنطق‭ ‬نفسه‭.‬
 
أما‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬بالمغرب،‭ ‬فقد‭ ‬حرصت‭ ‬فرنسا‭ ‬على‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬التعاون‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬وبين‭ ‬القضايا‭ ‬التاريخية‭ ‬الحساسة‭. ‬فهي‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬يعتبر‭ ‬الصحراء‭ ‬الشرقية‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬ذاكرته‭ ‬الترابية،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬تتجنب‭ ‬أي‭ ‬موقف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُفهم‭ ‬كتشكيك‭ ‬في‭ ‬الحدود‭ ‬الجزائرية‭ ‬الحالية‭ ‬الموروثة‭ ‬عن‭ ‬الاستعمار‭. ‬وبهذا‭ ‬المعنى،‭ ‬تلعب‭ ‬فرنسا‭ ‬دور‭ ‬«الشاهد‭ ‬الصامت»:‭ ‬لا‭ ‬تنكر‭ ‬صراحة‭ ‬مسؤوليتها‭ ‬التاريخية،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تعترف‭ ‬بها،‭ ‬ولا‭ ‬تدعم‭ ‬أي‭ ‬مسعى‭ ‬لإعادة‭ ‬فتح‭ ‬الملف،‭ ‬مكتفية‭ ‬بالدعوة‭ ‬إلى‭ ‬تجاوز‭ ‬«إرث‭ ‬الماضي»‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬المستقبل‭.‬
 
التماهي‭ ‬الجزائري‭ ‬مع‭ ‬الاستعمار
يتأسس‭ ‬موقف‭ ‬العسكر‭ ‬الجزائري‭ ‬من‭ ‬مطالبة‭ ‬المغاربة‭ ‬باسترجاع‭ ‬صحرائهم‭ ‬الشرقية‭ ‬على‭ ‬اعتبارات‭ ‬سياسية‭ ‬وإيديولوجية‭ ‬وتاريخية‭ ‬تشكّلت‭ ‬منذ‭ ‬لحظة‭ ‬الاستقلال،‭ ‬وأصبحت‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬العقيدة‭ ‬الرسمية‭ ‬للدولة‭ ‬الجزائرية،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمسألة‭ ‬الترابية‭ ‬والعلاقة‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭.‬
ينطلق‭ ‬الموقف‭ ‬الجزائري،‭ ‬في‭ ‬مستواه‭ ‬المعلن،‭ ‬من‭ ‬التشبث‭ ‬الصارم‭ ‬بمبدأ‭ ‬«قدسية‭ ‬الحدود‭ ‬الموروثة‭ ‬عن‭ ‬الاستعمار»،‭ ‬وهو‭ ‬مبدأ‭ ‬تبنته‭ ‬منظمة‭ ‬الوحدة‭ ‬الإفريقية‭ ‬بعد‭ ‬«استقلال»‭ ‬بلدانها،‭ ‬واعتبرته‭ ‬الجزائر‭ ‬ضمانة‭ ‬أساسية‭ ‬لاستقرار‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬ومنع‭ ‬تفجر‭ ‬نزاعات‭ ‬ترابية‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭. ‬

 
ووفق‭ ‬هذا‭ ‬المنطق‭ ‬الذي‭ ‬يقفز‭ ‬على‭ ‬الحقائق‭ ‬التاريخية‭ ‬والجغرافية،‭ ‬ترى‭ ‬الجزائر‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬نقاش‭ ‬حول‭ ‬الصحراء‭ ‬الشرقية‭ ‬المقتطعة‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬يمثّل‭ ‬مساسا‭ ‬بأسس‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬الجزائرية‭ ‬(!)‭ ‬وفتحا‭ ‬لباب‭ ‬تشكيك‭ ‬خطير‭ ‬في‭ ‬حدودها(!)‭ ‬التي‭ ‬تعتبرها‭ ‬نهائية‭ ‬وغير‭ ‬قابلة‭ ‬للمراجعة‭ ‬(!)‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬ظروف‭ ‬رسمها‭ ‬أو‭ ‬خلفياتها‭ ‬الاستعمارية‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬التي‭ ‬تتشبث‭ ‬بـ‭ ‬«الموقف‭ ‬القانوني»‭ ‬تنسى‭ ‬أن‭ ‬الترسيم‭ ‬الاستعماري‭ ‬يخفي‭ ‬اعتبارات‭ ‬أعمق‭. ‬فالجزائر‭ ‬المستقلة‭ ‬ورثت‭ ‬مجالا‭ ‬ترابيا‭ ‬واسعا‭ ‬رسمته‭ ‬فرنسا‭ ‬بعناية‭ ‬لخدمة‭ ‬مشروع‭ ‬«الجزائر‭ ‬الفرنسية»،‭ ‬وكانت‭ ‬الصحراء‭ ‬الشرقية‭ ‬جزءا‭ ‬مركزيا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬لما‭ ‬تختزنه‭ ‬من‭ ‬موارد‭ ‬طبيعية‭ ‬استراتيجية‭.‬
 
ويرتبط‭ ‬الموقف‭ ‬الجزائري‭ ‬الرافض‭ ‬لمراجعة‭ ‬«الترسيم‭ ‬الاستعماري»‭ ‬بالخلفية‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬التي‭ ‬حكمت‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال،‭ ‬حيث‭ ‬قُدّمت‭ ‬الجزائر‭ ‬بوصفها‭ ‬دولة‭ ‬«ثورية‭ ‬مناهضة‭ ‬للاستعمار»،‭ ‬و«وريثة‭ ‬شرعية‭ ‬لنضال‭ ‬تحرري‭ ‬دموي»‭. ‬بل‭ ‬الأدهى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أنها‭ ‬تقدم‭ ‬الحقوق‭ ‬المغربية‭ ‬الثابتة‭ ‬في‭ ‬أراضيه‭ ‬الشرقية‭ ‬بوصفها‭ ‬«نزعة‭ ‬توسعية»‭ ‬تهدد‭ ‬الوحدة‭ ‬الترابية‭ ‬للجزائر،‭ ‬بل‭ ‬حرص‭ ‬الخطاب‭ ‬الجزائري،‭ ‬منذ‭ ‬حرب‭ ‬1963،‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬الموقف‭ ‬المغربي‭ ‬باعتباره‭ ‬عدوانا‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬خرجت‭ ‬لتوّها‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬تحرير‭ ‬مدمّرة،‭ ‬وهو‭ ‬تأطير‭ ‬سياسي-أخلاقي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يُستعمل‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬نزاع‭ ‬الصحراء‭.‬
 
ويتعزز‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬بعامل‭ ‬داخلي‭ ‬بالغ‭ ‬الأهمية،‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬الجزائري‭. ‬فالحدود،‭ ‬في‭ ‬المخيال‭ ‬العسكري‭ ‬الجزائري،‭ ‬مكسب‭ ‬استراتيجي‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬التنازل‭ ‬عنه‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مناقشته‭. ‬
 
أما‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدبلوماسي،‭ ‬فقد‭ ‬سعت‭ ‬الجزائر‭ ‬إلى‭ ‬تدويل‭ ‬موقفها،‭ ‬مستندة‭ ‬إلى‭ ‬الاعتراف‭ ‬الدولي‭ ‬بحدودها‭ ‬الموروثة‭ ‬عن‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وإلى‭ ‬دعم‭ ‬إفريقي‭ ‬واسع‭ ‬لمبدأ‭ ‬عدم‭ ‬المساس‭ ‬بالحدود‭ ‬الاستعمارية‭. ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬تعاملت‭ ‬مع‭ ‬المطالب‭ ‬المغربية‭ ‬باعتبارها‭ ‬قضية‭ ‬أُغلقت‭ ‬نهائيا‭ ‬باتفاقيات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬1963،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬اتفاقية‭ ‬ترسيم‭ ‬الحدود‭ ‬لسنة‭ ‬1972،‭ ‬التي‭ ‬تعتبرها‭ ‬الجزائر‭ ‬حاسمة،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬النخبة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬علال‭ ‬الفاسي‭ ‬والمهدي‭ ‬بنبركة،‭ ‬طرحت‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬سنة‭ ‬1956،‭ ‬فكرة‭ ‬«المغرب‭ ‬الأقصى‭ ‬التاريخي»‭ ‬الذي‭ ‬يمتد‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬غربا‭ ‬،إلى‭ ‬تلمسان‭ ‬وبشار‭ ‬وأدرار‭ ‬شرقا‭. ‬
 
مهما‭ ‬يكن،‭ ‬ومع‭ ‬تطورات‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬والقرار‭ ‬الأممي‭ ‬بتبني‭ ‬مقترح‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬المغربي،‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬للدخول‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ديبلوماسية‭ ‬وقانونية‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬«الجزائر‭ ‬الفرنسية»‭ ‬لاستعادة‭ ‬الأراضي‭ ‬المغربية‭ ‬بالصحراء‭ ‬الشرقية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الانقضاض‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬مستهل‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬استعماري‭ ‬قاهر‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬مقاومته‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬الضعيفة‭ ‬آنذاك‭.‬
 
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من اسبوعية " الوطن الآن
رابط العدد هنا