لكماني: التعادل المقيم، والخاطر السقيم

لكماني: التعادل المقيم، والخاطر السقيم منير لكماني
حدثنا – الجمهور – من شهد الوقعة، وعاين الرقعة، وقال:
شهدنا مباراة طال فيها القيام، وكثر فيها الكلام، وقل فيها الختام،
حتى خيل إلينا أن الكرة خلقت للدوران، لا للإعلان،
وأن الغاية قد أجلت حياء، أو ضاعت استحياء، أو نسيت نسيانا.
دخل القوم الملعب دخول الواثق المطمئن،
فلما خرجوا، خرجوا خروج المتحير المتردد،
لا غالب يهنأ،
ولا مغلوب يعزى،
بل قوم بين بين،
كأنهم خرجوا بجرعة خادعة، لا تشبع أملا ولا تسكن قلقا.
كثرة الحركة وقلة البركة
رأيت رجالا يجرون ولا يصلون،
ويتبادلون ولا يفصلون،
ويكثرون الفعل ويقلون الأثر،
كأنما أمروا بالحركة فحسب،
ونهوا عن العاقبة والسبب.
فالكرة عندهم كالأمانة:
تسلم في أدب،
وتعاد في أدب،
ولا يجرؤ أحد أن يفتحها،
مخافة أن يحاسب إن تغير الحساب.
الهيبة حين تنقلب حيلة
وكان الاستحواذ حاضرا حضور الخطيب المصقع،
حسن اللفظ، طويل النفس،
غير أن المعنى شحيح،
والنتيجة يتيمة،
فصار الكلام كثيرا،
والفعل أسيرا.
ومن غلب الناس بوجهه،
ثم هابهم بقلبه،
فقد جمع بين الهيمنة والوجل،
وذلك لعمري أضعف السبل.
صاحب التدبير وحراسة الصورة
وكان في الأمر مدبر يحسن العد،
ويخشى الحد،
فلا يزيد خشية أن يلام،
ولا يغامر خوفا من الانكسار والملام.
يحرس صورة مضت،
ويجالس ذكرى فاتت،
كأنما يخشى أن يقال: غير،
أكثر مما يرجو أن يقال: انتصر.
ومن جعل الحذر مذهبه،
فاتته الجرأة ومكسبها.
قوم قصدوا القطع وتركوا الزرع
وأما الخصم، فجاء على غير هيئة الزينة،
ولا ادعى البلاغة ولا الطمأنينة،
بل جاء بفن المنع،
ومذهب القطع،
فكان إذا سكت أزعج،
وإذا تحرك أوقف.
لم يكثر،
لكنه عطل،
ولم يبدع،
لكنه أربك،
وذلك باب من أبواب الغلبة لا يدرس،
لكن يمارس.
العدل إذا خلا من الود
ثم جاء حكم لا يخاصم ولا يصادق,
يحكم بما ثبت،
لا بما أحب،
فسوى الأرقام،
وأبقى القلوب معلقة بلا مرام.
فكان العدل قائما،
والرضا غائبا،
وما كل حق يفرح إذا جاء بلا روح.
جمهور خبر الخديعة ومل التكرار
وأما الجمهور، فكان أعلم القوم،
رأى ما رأى،
وسمع ما سمع،
فلم يهتف تهليلا،
ولا صاح تهديدا،
بل صمت صمت العارف،
وضحك ضحك من عرف النكتة… وكرهها.
يعرف هذا اللون،
ويحفظ هذا الفصل،
كثرة وعد،
وقلة حسم،
ونهاية ترضي الورق،
ولا تقنع القلب.
خطر الإقامة حيث يجب المرور
واعلم أصلحك الله
أن من أقام في الأمس،
تعثر في اليوم،
ومن أعاد القول نفسه،
انتظر جوابا قديما.
فالزمن لا يكافئ من يكرر،
بل من يغامر،
ولا ينصف من يطمئن طويلا،
بل من يقلق قليلا.
مآل التعادل وعبرة المتأمل
فهذا تعادل لا يدان،
لكنه لا يحتفى به،
خطوة لم تتقدم،
ولم تتأخر،
بل أقامت في المنتصف،
والمقام كما قالوا
لا يغني عن المسير.
ومن خاف أن يكسر القالب،
عاش فيه.