ثمن الدكتور خالد الادريسي، عضو مجلس هيئة المحامين بالرباط، شجاعة زميله حاتم بكار، عضو مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب، في تناول موضوع النقاش حول مسودة مشروع قانون المهنة، موضحا أن المكتب الحالي للجمعية لم يعتمد الشفافية اللازمة في التعامل مع المسودة، إذ لم يوزعها على المجالس أو الهيئات ولم يعتمد مقاربة تشاركية حقيقية. ويعتبر أن القول بوجود "مسودة كارثية" موروثة من السابقين غير دقيق، لأن المشروع الأصلي كان حكوميا، بينما النسخة الحالية وُصفت بأنها محاطة بالسرية والتضليل.
تفاجأت بزميلي وصديقي الأستاذ حاتم بكار، عضو هيئة المحامين بالقنيطرة وعضو مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب، المكلف بمهمة نائب الشؤون الثقافية لدى الجمعية، يخرج في خرجات إعلامية عبر فيديوهات قصيرة يشرح فيها من وجهة نظره أسباب ومسببات حالة الاحتقان المهني المرتبطة بالنقاش الدائر حول مسودة مشروع قانون مهنة المحاماة.
وقبل أن أتناول بقدر من الموضوعية والهدوء ما ورد في هذه الخرجات، أود التأكيد إبتداءً أنني لست بصدد الرد على الأستاذ حاتم أو تكذيبه، ولا الدخول معه في سجال شخصي، بقدر ما أهدف إلى إغناء النقاش العمومي المهني حول موضوع بالغ الحساسية يتعلق بجوهر وجود مهنة المحاماة، وبحصانتها واستقلاليتها وأدوارها داخل منظومة العدالة.
ومما يزيد هذا الموضوع حملا على قلبي أنني والأستاذ حاتم لا يجمعنا فقط الانتماء للمهنة، بل تجمعنا مسارات إنسانية وعلمية ومهنية مشتركة.
فقد كنا زميلين في الدراسة في دبلوم الدراسات العليا، وأصدقاء داخل قاعة الدرس وخارجها، وتقاسمنا لحظات إنسانية جميلة، إلى حد أننا ألفنا سويا أغنية "… هو الوحدة…" ولحناها معا، فيما تكفل هو بعزفها ببراعته المعهودة على القيثارة. ثم جمعتنا بعد ذلك البذلة السوداء، ومن مفارقات القدر أن تقاسمنا نفس المسؤولية داخل مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب، إذ خلفني في مهمة نائب المكلف بالشؤون الثقافية لدى مكتب الجمعية. غير أن هذه الصداقة، بما تحمله من مودة وتقدير، لا تلغي الاختلاف الموضوعي، ولا تمنعني من التعبير الصريح عن موقفي المهني حول ملف مصيري يتعلق بقانون هو العمود الفقري لممارسة المحاماة، وما يرتبط به من ضمانات قانونية وأخلاقية ومؤسساتية تكفل للمهنة حصانتها واستقلالها ومكانتها داخل المجتمع والدولة.
وهنا لا بد أن أهنئ الأستاذ حاتم على شجاعته وجرأته في الخوض في موضوع يتجنب كثير من المسؤولين على الشأن المهني الاقتراب منه رغم أنه يمس جوهر المهنة ومستقبلها. وهذه شجاعة تحسب له وأقدرها عاليا، على الرغم من أنني كنت أعتقد أن مسؤولية التواصل في قضية مصيرية كهذه كان ينبغي أن يتحملها رئيس الجمعية أو أحد نوابه المكلفين رسميا، بحكم موقعهم المؤسساتي ومسؤوليتهم المباشرة. ثم إن طبيعة الموضوع وحساسيته وارتباطه بمصير المهنة واستقلاليتها، كان يقتضي في تقديري اعتماد قنوات تواصل مؤسساتية أكثر جدية ورسمية، من قبيل ندوة صحفية مفتوحة ومسؤولة، تعرض فيها المعطيات بتفصيل، وتقدم فيها التوضيحات للرأي العام المهني والإعلامي، بدل الاكتفاء بفيديوهات قصيرة قد لا تستوعب كل عناصر النقاش، وقد تختزل فيها الإشكالات الكبرى في عناوين مبسطة لا تعبّر عن عمق اللحظة ودقتها.
وسأعتمد في تفاعلي مع ما تفضل به زميلي وصديقي على منهجية واضحة تقوم على استخلاص أهم المضامين والأفكار التي وردت في الشريطين، ومقاربة هذه الأفكار مع المعطيات الواقعية التي يعرفها كل من يتابع مسار النقاش المهني، ومقارنتها مع المعايير والمبادئ المؤطرة لمهنة المحاماة، وخاصة ما يتعلق بالإطار القانوني المنظم لها، وصلاحيات الآليات المؤسساتية، من جمعية هيئات المحامين بالمغرب، ونقباء، ومجالس هيئات، وجمعيات عامة، ثم الوقوف، بقدر من المسؤولية والموضوعية، عند حصيلة أداء الرئيس ومكتبه ولجينته في التعاطي مع مشاريع القوانين التي كان لها ارتباط مباشر أو غير مباشر بمهنة المحاماة النبيلة.
وبهذه المقاربة، فأنا لا أتوخى السجال ولا البحث عن موقع في خريطة المواقف، وإنما أطمح إلى الإسهام في نقاش مهني رصين ومسؤول، يليق بقيمة المحاماة وتاريخها ورسالتها، في ظرفية دقيقة وحاسمة من مسار المهنة.
أولا: استهل زميلي تدوينته الصوتية بالتأكيد على أن المكتب الحالي وجد أمامه مسودة كارثية، وأن نضالات الزميلات والزملاء هي التي أدت إلى سحبها من الأمانة العامة للحكومة. وهنا أرى من الضروري توضيح هذا الأمر عبر المقارنة بين طريقة تعامل مكاتب الجمعية السابقة مع هذا الملف، وطريقة تعامل المكتب الحالي. فالمكتب الأسبق كانت له مشاورات متقدمة مع وزير العدل آنذاك السيد محمد بنعبد القادر، وتم تدوين العديد من المقتضيات الإيجابية والمكتسبات داخل محاضر رسمية لا تزال منشورة ومتداولة، وجاء ذلك نتيجة مشاورات واسعة ومقاربة تشاركية حقيقية مع المجالس والقواعد المهنية، في إطار من الشفافية والمسؤولية. والأمر ذاته اعتمده المكتب السابق للجمعية، حيث تم توزيع المسودة على جميع المجالس للتداول بشأنها داخل الجمعيات العمومية وإبداء الملاحظات بخصوصها. وبعد تجميع مختلف المقترحات، انعقد اجتماع مطول امتد يومين كاملين للتداول على أرضية تلك الملاحظات. وقد تم الاتفاق على عدد من المقتضيات، في حين ظل الخلاف قائما حول كل ما يمس استقلال المهنة وحصانتها. وتم الاتفاق آنذاك على عقد لقاءات أخرى لتقريب وجهات النظر، إلا أنها لم تعقد، وبالتالي لم يكن هناك أي نص نهائي متوافق عليه مع مكتب الجمعية السابق. وبقي النص الوحيد الموجود لدى الأمانة العامة للحكومة هو مشروعا حكوميا أحاديا حاولت السلطة التنفيذية تمريره بمنطق فرض الأمر الواقع وبما تتوفر عليه من صلاحيات تشريعية.
أما خلال هذه الولاية، فقد توصل الرئيس الحالي بنسخة من المسودة، وقيل إن النقباء رفضوا تسلمها، فامتنع عن توزيعها ورقيًا أو إلكترونيًا لا على أعضاء المكتب ولا على أعضاء المجالس. وتم بدل ذلك عرضها بشكل عابر عبر جهاز عرض (Data Show) ومناقشتها خلال سويعات قليلة، رغم أنها مسودة تضم أكثر من 160 مادة. وبعد ذلك، وأثناء مجلس الجمعية المنعقد بمراكش، وعد الرئيس بتسليم المسودة قبل المؤتمر المنعقد بطنجة بأسبوع. غير أن الجميع تفاجأ، خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، بالرئيس نفسه يعلن أن التوافق قد تم، ويطالب وزير العدل بتسريع المسطرة التشريعية. وهو ما يؤكد أن النية لم تكن أصلًا متجهة نحو عرض النص على المجالس والجمعيات العامة، ولا نحو اعتماد أي مقاربة تشاركية حقيقية. وعليه، فإن القول بأن المكتب الحالي وجد "مسودة كارثية" ليس دقيقًا من حيث نسبة المسؤولية، لأن تلك المسودة لم تكن نتاج تفاوض مع مكتب الجمعية السابق، بل كانت مشروعًا حكوميا أحاديا توقف النقاش حوله. بينما ما نعيشه اليوم هو مسودة أحاطتها السرية والكتمان والتضليل والوعود غير المنجزة، مما يجعل المشروع المحال اليوم على الأمانة العامة للحكومة، بصيغته المدمرة للمهنة، أقرب إلى أن يكون نتيجة تفاهم وتوافق إن صح التعبير داخل لجينة منبثقة عن مكتب الجمعية نفسه. ويبقى الفيصل الحقيقي بين الادعاء والواقع هو نشر محاضر التفاوض، وتوضيح نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف، وعندها فقط سيتضح للرأي المهني هل نحن أمام سوء تقدير أم أمام تواطؤ حقيقي.
أما بخصوص نضالات المحامين، فمن الواجب التأكيد على أن هذه النضالات لم تكن مرتبطة بأي مسودة خاصة بقانون مهنة المحاماة، لأن لا أحد كان على علم بمضمون المسودة التي كانت مودعة لدى الأمانة العامة للحكومة، بحكم القطيعة التي كانت قائمة آنذاك بين وزير العدل ورئيس ومكتب الجمعية السابق. لذلك فإن المعارك النضالية التي خاضها المحامون، وعلى رأسها اللقاء التاريخي بمسرح محمد الخامس، ثم قرار التوقف الجماعي واللامحدود زمنيا، كانت موجهة أساسا ضد مشروع قانون المسطرة المدنية لما تضمنه من مقتضيات تمس جوهر الدفاع وضمانات المحاكمة العادلة، ولم تكن بأي حال من الأحوال مواجهةً لمسودة قانون مهنة المحاماة أو أي مشروع آخر. وإنه لو قُدّر لتلك المسودة أن تحال آنذاك على المسطرة التشريعية، واطلع المحامون على مضمونها، لكانوا سيلجؤون بلا شك إلى وسائل نضالية أقوى وأرسخ، لأن قضايا الاستقلالية والحصانة المهنية ليست مجالا للمساومة ولا قابلة للتجزيء، سواء على مستوى ممارسة المحامي كفرد، أو على مستوى المؤسسات المهنية التي تمثل الجسد المهني برمته.
ثانيًا: يقول زميلي إن الادعاء بتكتم رئيس الجمعية على المسودة غير صحيح، وإنه عرضها على أعضاء المكتب عبر تقنية Data Show. غير أن المقصود بالسرية التي يتحدث عنها الجميع، ليست السرية داخل مكتب الجمعية، بل هي السرية في مواجهة مجالس الهيئات بصفتها صاحبة الاختصاص الأصيل بمقتضى المادة 91 من قانون مهنة المحاماة، التي تمنحها الصفة التقريرية في كل ما يتعلق بالتدابير والتشريعات المرتبطة بالمهنة. أما مكتب الجمعية، فرئيسا وأعضاء، فليسوا هيئة تقريرية، بل فقط إطار تنسيقي وتوفيقي بين مختلف مجالس الهيئات، ولا يمكن أن يحل محلها في اتخاذ المواقف المصيرية. ثم إن الواقع نفسه يفند ادعاء انتفاء السرية. إذ يكفي الاستدلال بالنقاش الواسع والمستفيض الذي شهده مؤتمر الجمعية، حيث طالب معظم المتدخلين برفع السرية عن المسودة، بل إن التوصية الوحيدة التي تم تثبيتها ضمن توصيات لجنة الشؤون المهنية بالمؤتمر كانت هي رفع السرية عن نص المشروع وتمكين عموم المحامين من الاطلاع عليه ومناقشته.
ويضيف زميلي مبررا آخر لعدم توزيع المسودة، مفاده أنها غير نهائية، بينما الحقيقة أن المنطق المؤسساتي والمهني يقول بعكس ذلك تماما. ذلك أن التفاوض مع وزارة العدل يجب أن يكون مرحلة لاحقة على النقاش المهني الداخلي، لا السابقة عليه. فلا يتصور عقلًا ولا تنظيما أن تخوض مؤسسة مهنية مفاوضات لمدة سنتين، وتتوصل إلى "اتفاقات" مع الوزارة، ثم تعود بعدها لتقول إن هذه المقتضيات مرفوضة من طرف المحامين ومجالس الهيئات. والمنهج السليم يقتضي أن يكون الاتفاق بين المحامين ومؤسساتهم حتى ولو لم تكن لها الصفة التفاوضية القانونية المباشرة سابقًا على أي تفاوض مع الوزارة، وأن يتم الحسم داخل البيت المهني أولًا في الخطوط العريضة، والمبادئ الأساسية، والخطوط الحمراء التي لا يجوز تجاوزها تحت أي ظرف من الظروف. وكما سبقت الإشارة، فإن نية عدم عرض المسودة على المجالس والجمعيات العامة بعد "الاتفاق" بين الجمعية والوزارة تبدو ثابتة، ويكفي الاستدلال على ذلك بتصريح رئيس الجمعية خلال الجلسة الافتتاحية، حين أعلن أن جميع النقط قد تم الاتفاق بشأنها، وناشد وزير العدل إحالة النص على المسطرة التشريعية وتسريعها، دون أي إشارة إلى عرض النص على الهيئات أو فتح نقاش تشاركي حوله. وهنا تجتمع السرية مع التضليل ومع عنصر المباغتة، في ملف مصيري يفترض فيه أعلى درجات الشفافية والمشروعية المهنية.
ثالثا: إذا كان الجميع قد تفاجأ بحجم الكوارث القانونية التي تضمّنتها المسودة المسربة، بالنظر إلى تأثيرها المباشر على حصانة مهنة المحاماة واستقلاليتها، فقد اعتبر الكثير من الزميلات والزملاء أن ما وقع يشكّل خيانة لثقة الجسم المهني. لأن رئيس الجمعية ولجنته سلموا أنفسهم بدون وجه حق تفويضا للتفاوض، وعلى فرض التسليم به فإنه مشروطا بحماية المكتسبات التاريخية للمهنة، وصون استقلالها وحصانتها، لا تفويضا مطلقا على بياض يتيح تحويل القانون إلى أداة لتقويض المهنة وإفراغها من أدوارها ووظائفها. وإذا كانت تلك المسودة قد كشفت بوضوح عن مشروع تشريعي يحمل خطة ممنهجة لضرب ما تبقى من معالم المحاماة في المغرب، فإن المدّ التراجعي لم يقتصر على هذه المسودة وحدها. بل تجسد، للأسف، في تفاعلات المكتب مع مشاريع قوانين أخرى لا تقل خطورة، من بينها مشروع قانون معهد المهن القضائية والقانونية وكتابة الضبط، الذي لم تبد الجمعية بشأنه أي موقف أو رأي مؤسساتي واضح. وهو المشروع الذي تضمن مقتضيات تمس اختصاصات النقباء ومجالس الهيئات، بل وتفتح الباب أمام هيئات خارج الإطار المهني لممارسة سلطة التأديب على المحامين، وهو تطور خطير لا يقل نكوصية عما ورد في مسودة قانون المهنة. والأمر ذاته ينطبق على القانون التنظيمي للإضراب، الذي أثرت حوله نقاشا واسعًا لخطورة مقتضياته على الحصانة المهنية واستقلالية الدفاع. وقد سبق لي أن نبهت إلى ذلك خلال اجتماع مجلس الجمعية، غير أن الجواب كان أن "المحامين غير معنيين"، مع أنهم معنيون بالاسم والصفة. وهو موقف لا يمكن وصفه إلا بالتخلّي عن المسؤولية والتنصل من واجب حماية المهنة. أما مشروع قانون المسطرة المدنية، فلولا قرار المحكمة الدستورية، لكان اليوم واقعًا تشريعيًا يضرب في العمق ممارسة المحاماة وحقوق الدفاع وضمانات المحاكمة العادلة. وبالموازاة مع ذلك، يظل الغموض نفسه حاضرا بخصوص قانون المسطرة الجنائية وما تضمّنه من مقتضيات خطيرة دون تسجيل موقف مهني صريح، واضح، وقوي.
وانطلاقًا من هذا المسار المتراكم، يتبين أن حالة الخذلان ليست وليدة اللحظة ولا مرتبطة حصريا بمسودة مشروع قانون مهنة المحاماة، بل هي نتيجة تجربة كاملة لطريقة تدبير المكتب الحالي لملفات مصيرية طوال ولايته. لذلك، كمتابع للشأن المهني، يصعب علي تصديق الادعاءات التي تتحدث عن "جهات" أو عن مشروع لا علاقة له بما تم الاتفاق عليه، لأن مسار الأحداث يثبت أن المساس بالمكتسبات وضرب الاستقلالية كان ثابتا ومتكررا في مختلف المشاريع والمسودات التي أحالتها الحكومة على المسطرة التشريعية، دون أن يقوم مكتب الجمعية بالدور الذي انتدبه المحامون لممارسته اعتمادًا على الثقة التي منحوها له.
رابعا: إن القول بأن المسودة المسربة ليست مسؤولية رئيس الجمعية ولا اللجنة المكلفة ولا حتى وزير العدل، هو طرح شديد الخطورة، لأنه يعني ببساطة أن جهات خارجية مجهولة أصبحت قادرة على اختراق أكثر الملفات حساسية، وفي مقدمتها ملف التشريع المنظم لمهنة المحاماة. وإذا صحّ هذا الادعاء، فإن الأمر لا يتعلق حينها فقط بإشكال في التدبير أو التواصل، بل بإعلان صريح بأن هناك قوى غير مرئية تتحكم في المسار التشريعي خارج المؤسسات الشرعية، وهو ما يجعل كل مفاوضات مستقبلية بلا جدوى، طالما أن القرار النهائي يوجد خارج نطاق المسؤولية والمؤسسات المعترف بها مهنيا وقانونيا ثم إن هذا الحديث المبهم عن "جهات" دون تحديد ولا توضيح، لا يؤدي إلا إلى مزيد من التيه والتشتيت داخل الجسم المهني، ويخلق جوا من الشك والريبة بين المحامين ومؤسساتهم التمثيلية. وهو طرح يضعف وحدة الصف التي ترسخت سابقا وتترسخ اليوم بقوة في مواجهة التهديدات الخطيرة التي تستهدف ثوابت ومكتسبات مهنة المحاماة. إن اللحظة التي نعيشها ليست لحظة توزيع الاتهامات في الهواء ولا خلق "أشباح مؤثرة". بل لحظة وضوح وجرأة ومسؤولية، أساسها تسمية الأمور بأسمائها، وربط المسؤولية بالمحاسبة، حتى نحافظ على لحمة الجسد المهني ونمنع أي محاولة لضرب وحدته من الداخل.
ويبقى الفيصل الحقيقي في كل هذا النقاش هو الإدلاء بالمحاضر الرسمية الموقعة التي توثق أطوار التفاوض، وتكشف بكل وضوح ما تم الاتفاق حوله وما تم الاختلاف بشأنه. حينها فقط يمكن القول بأن رئيس الجمعية ولجنته قد تحمّلوا المسؤولية المهنية والأخلاقية، ودافعوا عن المهنة بما يرونه مناسبا، حتى وإن كان ذلك خارج الصلاحيات القانونية المباشرة ودون تفويض صريح من المجالس باعتبارها الجهة ذات الاختصاص. أما في غياب هذه المحاضر، فإن كل حديث يظل مجرد ادعاءات لا تستند إلى سند توثيقي ولا تستجيب لقاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة. إن المرحلة الراهنة تفرض أعلى درجات وحدة الصف، وتستلزم اعتماد قنوات تواصل مؤسساتية مسؤولة وواضحة. ويظل من واجب رئيس الجمعية، بحكم موقعه الاعتباري، أن يتحمل مسؤوليته كاملة عبر الظهور العلني وتقديم تفسير دقيق لما جرى، وشرح مسار المفاوضات ومآلاتها، بدل الاكتفاء بالظهور في لقاءات مهنية وقانونية لإلقاء كلمات بروتوكولية جامدة وتعابير عامة سطحية، لا تنسجم إطلاقًا مع خطورة الواقع وما تعرفه المهنة ومنتسبوها من تهديدات حقيقية تستوجب الوضوح والصدق والشجاعة في التواصل.