حبيل رشيد: الدكتور محمد زين الدين.. هندسة الوعي الدستوري وصياغة المعرفة القانونية بين قاعة الدرس وفضاء التأليف.

حبيل رشيد: الدكتور محمد زين الدين.. هندسة الوعي الدستوري وصياغة المعرفة القانونية بين قاعة الدرس وفضاء التأليف. الدكتور محمد زين الدين

يقول مونتسكيو:
«حين تنتظم القواعد داخل نسق عقلي محكم، وتُربط السلطة بالقانون ربطًا عضويًا، يغدو الدستور عقل الدولة الناظم، وتتحول الحرية من شعار عاطفي إلى ممارسة مؤطرة، ويحصل التوازن حين يعرف كل اختصاص حدوده ووظيفته ومعناه داخل الكيان العام.»

يحضر الدكتور محمد زين الدين في المشهد الأكاديمي بوصفه اسمًا ارتبط بالصرامة العلمية، والاشتغال العميق على بنية الدولة، ومنطق الدستور، وتحولات السلطة في الزمن المعاصر. أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، ورئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق بالمحمدية، غير أن هذه الصفات، على أهميتها، تظل مدخلًا أوليًا لفهم مسار يتجاوز التعريف الوظيفي نحو مشروع معرفي متكامل، تشكّل عبر سنوات من التدريس، والبحث، والتأليف، والتأطير الأكاديمي.

يُقرأ مسار الدكتور محمد زين الدين من زاوية التعليم العالي باعتباره فعلًا تأسيسيًا، لا مجرد ممارسة صفّية. في قاعة الدرس، تتخذ المعرفة القانونية طابعها الحي، حيث يتحول النص الدستوري إلى مادة للفهم والتحليل، ويغدو المفهوم مجالًا للنقاش والتفكيك. التدريس عنده يقوم على مساءلة المعنى قبل تثبيته، وعلى ربط القاعدة بسياقها السياسي والتاريخي، وعلى تدريب الطلبة على التفكير النسقي الذي يُدرك الترابط بين المؤسسات، والسلطات، والضمانات، والحقوق.

ينطلق في مقاربته البيداغوجية من قناعة مفادها أن القانون الدستوري علم تفكير قبل أن يكون علم حفظ. لذلك، يشتغل على بناء الذهنية القانونية القادرة على التمييز، والتحليل، والاستدلال، وربط الجزئيات بالبنية العامة. مفاهيم السيادة، والمشروعية، والشرعية، والفصل بين السلطات، والحكامة الدستورية، تُقدَّم داخل نسق مترابط، يُظهر منطقها الداخلي ووظيفتها داخل الدولة، ويُبعدها عن الاستعمال الإنشائي أو التلقيني.

هذا النفس التعليمي يجد امتداده الطبيعي في مشروعه التأليفي. فالدكتور محمد زين الدين من الباحثين الذين اختاروا الكتابة الأكاديمية بوصفها مسؤولية علمية، تتطلب الدقة، والتوثيق، والتأصيل، والقدرة على بناء الحجة. مؤلفاته وأبحاثه تشهد على انشغال دائم بقضايا الدولة الحديثة، وبالخيارات الدستورية الكبرى، وبالأسئلة المتصلة بتدبير التعدد، وتنظيم السلطة، وضمان الاستقرار المؤسسي.

ويحتل موضوع الحكم الذاتي موقعًا محوريًا في إنتاجه العلمي، حيث يُعالَج من منظور قانوني دستوري، يُخرجه من التداول السياسي العابر إلى حقل التأصيل النظري. الحكم الذاتي في كتاباته يظهر كآلية دستورية متقدمة لتدبير المجال، قائمة على توزيع الاختصاصات، وتعزيز المشاركة، وترسيخ الاندماج داخل الدولة الموحدة. التحليل هنا يعتمد المقارنة الدستورية، ويستحضر التجارب الدولية، ويؤسس للاستنتاجات عبر منطق استدلالي هادئ، يراكم الحجج ويبتعد عن الانفعال.

أما قضية الصحراء المغربية، فتحظى في أعماله بمعالجة قانونية دقيقة، تنطلق من مرجعية السيادة، ووحدة الدولة، واستمرارية المؤسسات. النصوص التي خصصها لهذا الملف تشتغل على بناء خطاب قانوني متماسك، قادر على مخاطبة الباحث، وصانع القرار، والمهتم بالشأن العام. القضية تُقدَّم بوصفها مسألة دستورية وسيادية، تتطلب وضوحًا مفاهيميًا، ودقة اصطلاحية، وربطًا واعيًا بين القانون الداخلي والقانون الدولي.

اللغة التي يعتمدها الدكتور محمد زين الدين في التأليف لغة علمية رصينة، مشبعة بالمصطلح الدقيق، ومبنية على تركيب منطقي محكم. الجملة عنده تؤدي وظيفة معرفية، والفكرة تُصاغ عبر تدرّج استدلالي، والنتيجة تأتي ثمرة لمسار تحليلي متكامل. هذا الأسلوب يمنح نصوصه قوة إقناعية، ويجعلها مرجعًا في النقاشات الأكاديمية المرتبطة بالقانون الدستوري والعلوم السياسية.

وعلى مستوى القيادة الأكاديمية، يبرز دوره في رئاسة شعبة القانون العام بوصفه امتدادًا طبيعيًا لرؤيته العلمية. التدبير هنا يقوم على تعزيز ثقافة البحث، وتشجيع الاشتغال على القضايا الكبرى، وترسيخ معايير الجودة الأكاديمية. الشعبة تتحول، في هذا الإطار، إلى فضاء لإنتاج المعرفة، وتبادل الأفكار، وبناء التقاليد الجامعية الجادة، بعيدًا عن منطق التدبير الإداري الضيق.

يحمل مسار الدكتور محمد زين الدين دلالة خاصة في سياق التعليم العالي، حيث تتزايد الحاجة إلى نماذج أكاديمية تجمع بين العمق العلمي، والالتزام المعرفي، والقدرة على الربط بين النظرية والواقع. التدريس عنده يلتقي بالتأليف، والتأليف يتغذى من التجربة الصفّية، والقيادة الأكاديمية تستند إلى رؤية فكرية واضحة، تجعل من الجامعة رافعة للوعي القانوني والسياسي.

من خلال هذا المسار، تتبلور صورة أكاديمي اختار الاشتغال في مناطق العمق، حيث المفهوم يُمحَّص، والنص يُقرأ قراءة تحليلية، والقضية الوطنية تُعالج بأدوات العلم والحجة. حضور الدكتور محمد زين الدين في الحقل الجامعي يمثل إضافة نوعية لمسار البحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية، ويؤكد أن المعرفة، حين تُدار بعقل مسؤول، تتحول إلى قوة هادئة تسهم في بناء الدولة وترسيخ شرعيتها.