أسفي.. في الحاجة إلى تكريم الفنانة المتميزة الشِّيخَةْ عائشة الجراري وتوظيف إبنها الضرير لهذا السبب

أسفي.. في الحاجة إلى تكريم الفنانة المتميزة الشِّيخَةْ عائشة الجراري وتوظيف إبنها الضرير لهذا السبب الشِّيخَةْ عائشة الجراري وإبنها الضرير
- طلاب وطالبات نجباء من أبناء شيوخ وشيخات فن العيطة:
أعرف عددا لا بأس به من الفنّانات والفنّانين الشّعبيين من شِيخَاتْ وشْيُوخْ فن العيطة المحترمات والمحترمين بوطننا العزيز عامة ومدينة أسفي على الخصوص، وأعلم أن من بَيْنِهِنَّ وبَيْنَهُمْ من تفوّقوا وتألقوا في ضمان وظيفة أو مهنة لأبنائهم وبناتهم بعد حصولهم على شواهد عليا، سواء جامعية أو من معاهد خاصة في مختلف التخصصات بما فيها مجال الطب والقضاء والهندسة والإدارة الترابية، مما يؤكد بأن الحياة لا تفرق ولا تميز في النجاحات بمقاس الإنتماء لهذه الطبقة أو تلك أو هذه الفئة الاجتماعية أو تلك. 
لكن للأسف الشديد، نجد أن هناك فئة من هذه الشريحة الفنية التي وهبت نفسها ووقتها للمحافظة على التراث الغنائي الشعبي، وأرهقت صحتها بالتعب وسهر الليالي، وصدحت حناجرها بصوت الطّرب الشعبي، من أجل تقديم عروضها الفنية التراثية على إيقاع موازين الموسيقى التقليدية لإسعاد المتلقي هنا وهناك، ولم يُقَدَّرْ لهذه الفئة أن تعيش حياة هنيّة وسعيدة رفقة أبنائها وبناتها من الطلاب والطالبات. نعم هناك فئة من شيخات وشيوخ فن العيطة اعترضت سبيل تألق فلذات أكبادها حواجز النجاح، ووقفت حجرة عثرة في وجوههن دون الحصول على وظيفة رغم اجتياز المباريات ومبرّر الشواهد والديبلومات.
 
- لالة عائشة...مسار مشرق وغني بالعطاء والتراكم الفني:
ملف هذا الموضوع يرتبط بواقع حال سيدة الخامة الصوتية والغناء الطّروب، عالية الكعب الفنانة الشِّيخَةْ الطَّبَّاعَةْ لَالَّةْ عائشة الجَّرَّارِي التي يحلو لي أن ألقبها بـ "الجَّرَّارِيَةْ" أطال الله في عمرها، ووهبها الصّحة والعافية، بعد حادثة السير التي تعرضت لها رفقة مجموعة الشِّيخْ سِّي مُحَمَّدْ وَلْدْ الصُّوبَّةْ، وهم عائدون من حفل فني بمنطقة دكالة صوب مدينة أسفي عبر طريق اللويحات بدار القايد سي عيسى.
لم ينصف الزمن، الفنّانة الطَّبَّاعَةْ الشِّيخَةْ عائشة الجراري، وهي التي بصمت على مشوارها في السّاحة الفنّية الشّعبية، من خلال مجايلتها ومرافقتها ومصاحبتها للرّائدات والروّاد في هذا الصنف المتميز من تراثنا اللامادي. هي التي سافرت عبر خرائط الفرح وصناعة الفرجة، حتى باتت تعرفها كل حفلات وأعراس ومهرجانات الوطن، بصوتها الشّجي، وخامتها الرّائعة، وانتقالاتها الجميلة والسّاحرة بين مسارات سراديب المتن العيطي الصّعب المراس. هي التي فعلا، تجيد التعاطي مع خصوصياته وتتفرد في غنائه بالضوابط المعلومة في غناء فن العيطة بكل أنماطها.
 
- فنانة عاشقة للتميز بالوقار والنخوة والبهاء:
 عائشة الفنّانة المحترمة، نموذج المرأة العاشقة للِّباس المغربي التقليدي النسائي الذي يليق بالعروض الفنية التراثية أمام جمهورها ـ هكذا هي ـ حين تلج لمنصة الحفل الفني، سواء في المدينة أو القرية، كانت ومازالت تحافظ على بصمة أناقة "الشِّيخَةْ" وهيبتها، وفخامتها. تنتقي بذوقها الرّاقي، أجود لباس القفطان المغربي المطرز بالحرير، وتضع شالها الحريري على رأسها من شدة الحشمة والوقار.
 
- بعيدا عن الشكوى والألم هذا هو واقع الحال:
في الحقيقة لم أكن أعلم بوضعية إبنها الكفيف والضرير العاطل عن العمل مصطفى التيسير. كانت صدمتي جد قوية وأنا أتابع تصريحاته في بعض المواقع الإليكترونية ـ مشكورة ـ حيث انبرى "المصطفى" لتقديم صورة محترمة ومدهشة عن والدته المكافحة، الفنانة الشيخة عائشة الجراري، التي تحملت مسؤولية كل أفراد العائلة منذ وفاة زوجها، حيث كانت لا تذخر جهدا ولا تشكو ألما، وهي تقوم بترتيب جدول سفرها اليومي صيفا وخريفا وشتاء وربيعا، رفقة مجموعتها الفنية، رغم مرضها المزمن مع داء السكري، وتعب سهر الليالي في الأعراس هنا وهناك دون أن تشكو لأحد من غدر وقسوة الحياة والزمن.
 
- الصوت العيطي الممزوج بالأنفة وعزة النفس رغم قساوة الحياة:
 شاء القدر أن تنجب سيدة الطرب وغناء فن العيطة ذات سنة، إبنا ضريرا اختارت له اسم "المصطفى". أرضعته من حليبها السّاخن، الناصع البياض، حيث كابدت وكافحت معه منذ نعومة أظافره، واستطاع الطفل الكفيف أن يتملك ناصية العلم والمعرفة، ويتمم مشواره الدراسي بإصرار، رغم الإعاقة البصرية، وهو اليوم عاطل عن العمل، حيث اختار شريكة حياته رزقه الله منها ولدا، يتربى الآن مع أفراد عائلته، وبين أسرته تحت سقف واحد في كنف والدته الفنانة المتفردة والمتعددة المواهب الغنائية الشيخة عائشة الجراري.
 
- مصطفى "الكفيف"...شواهد وديبلوم وعطالة عن العمل:
عن مشواره الدراسي، وبفضل مهنة والدته الشريفة، فقد تابع مصطفى التيسير، دراسته الابتدائية بالمنظمة العلوية لرعاية المكفوفين بحي الزاوية بحاضرة المحيط، ثم انتقل بعدها لمتابعة تحصيله الدراسي بمعهد أبو العباس السبتي بمدينة مراكش، وشاء القدر أن يعود لمدينة أسفي لإتمام الدراسة بثانوية الهداية الإسلامية حيث حصل فيها على شهادة الباكلوريا، ومن تم سجل نفسه للدراسة بالجامعة حيث حصل على الإجازة في الحقوق شعبة القانون الخاص.
بعد حصول مصطفى التيسير، على شهادة الإجازة في الحقوق قانون خاص، لم يستسلم للقدر، فقرر أن يدخل لمعترك الدراسة الخصوصية بثقة عالية في النفس، واختار حينها معهد خاص بتدريس الإعلاميات مدة سنتين حيث سيحصل على ديبلوم تخصص معلوميات. 
في بوحه التلقائي النابع من واقع الحال، يقول ابن الفنانة عائشة الجراري، بأنه "رغم اجتيازه لعدة مباريات لم يوفق في الحصول على وظيفة"، وبأسف شديد يستطرد موضحا بقوله: "لو مكنّني القدر من الحصول على وظيفة، لكنت قد أعفيت والدتي من العمل في المجال الفني نظرا لكبر سنها ومعاناتها مع المرض".
 
- فن العيطة كان جسر العبور نحو الأمان والاستقرار العائلي:
في سياق متصل يسترجع مصطفى التيسير ذاكرته الحياتية في كنف والدته، حيث أورد بفخر واعتزاز قائلا: "بفضل أمي الفنانة عائشة الجراري تمكنت من متابعة مشواري الدراسي، وبفضل عملها الشريف في مجال فن العيطة حصلت على شواهدي الدراسية". وأضاف موضحا بقوله: "هي التي سهرت الليالي، وعانت عدة مشاكل نفسية ومادية بعد وفاة والدي. هي التي ربتنا ووفرت لنا كل شيء من مأكل ومشرب وحاجيات الدراسة رفقة كافة إخوتي. ومازالت إلى اليوم هي المعيل الوحيد لكافة أفراد العائلة وأسرتي الصغيرة أيضا".
في نفس السياق يدافع مصطفى التيسير عن فن العيطة وعن والدته بالقول: "والدتي عائشة الجراري فنانة شعبية، تجيد غناء فن العيطة وهذا ليس عيبا، بل أنني افتخر بها وبعملها الفني والتراثي، وأنا فخور بأنها تساهم رفقة مجموعتها الغنائية في المحافظة على تراث فن العيطة منذ عدة سنوات".
 
- أريد شغلا لأرد الجميل لأمي:
عن مطالبه وحقه في الشغل لرعاية أسرته وأفراد عائلته وأمه طريحة الفراش والتي تعاني من الإصابة جراء حادثة السير رفقة مجموعة الشِّيخْ وَلْدْ الصُّوبَّةْ، تشعر أنك جزء من هذا الضياع، والشرود الذهني والنفسي، وجزء أيضا من هذا الواقع الأليم، حيث جاءت رسالته جد مؤثرة حين قال: "أنا قادر على العمل وفق تخصصي العلمي والتقني، وبمقدوري أن أشتغل وأتحمل مسؤولية العائلة، وأعفي والدتي في هذا السن من عمرها، لترتاح قليلا من التعب والمعاناة مع المرض"