إن الأثر الأول والأكثر وضوحًا للتساقطات المطرية يتمثل في انتعاش القطاع الفلاحي، الذي لا يزال يشكل ركيزة أساسية في البنية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب. فالزراعة ليست مجرد قطاع إنتاجي، بل تمثل محركًا عرضيًا يؤثر في الدخل القروي، والطلب الداخلي، وسلاسل التوريد الغذائية، بل وحتى في الاستقرار الاجتماعي. تحسن الموسم الفلاحي يعني بالضرورة ارتفاع الإنتاج، وتحسن مداخيل الفلاحين، وتقليص هشاشة العالم القروي.
هذا الانتعاش سينعكس بدوره على الاستهلاك الداخلي، باعتباره أحد محركات النمو الأساسية. فارتفاع الدخل في الوسط القروي يترجم سريعًا إلى طلب إضافي على السلع والخدمات، ما يدعم الأنشطة التجارية والصناعية المرتبطة بالسوق الداخلية، ويخلق حلقة إيجابية من النمو المتبادل بين الفلاحة وباقي القطاعات.
كما أن تحسن الإنتاج الفلاحي الوطني يساهم في تقليص العجز التجاري، ولو جزئيًا، من خلال الحد من واردات المواد الغذائية، خاصة الحبوب والأعلاف، التي شكلت في السنوات الأخيرة ضغطًا متزايدًا على الميزان التجاري. ورغم أن العجز الخارجي للمغرب ذو طبيعة هيكلية، إلا أن كل تحسن في الفاتورة الغذائية يخفف من اختلالاته ويمنح الاقتصاد هامشًا إضافيًا للاستقرار.
أما على مستوى سوق الشغل، فمن المنتظر أن ينعكس الموسم الفلاحي الجيد بشكل إيجابي على معدلات البطالة، خصوصًا في الوسط القروي، حيث تظل الفلاحة المشغل الرئيسي. فانتعاش الأنشطة الزراعية يعني طلبًا أكبر على اليد العاملة الموسمية والدائمة، ما يساهم في امتصاص جزء مهم من البطالة، ويحد من الهجرة القروية غير المنظمة نحو المدن.
غير أن الرهان الحقيقي لا يكمن فقط في الاستفادة الظرفية من موسم مطري جيد، بل في تحويل هذا التحسن الظرفي إلى مسار تنموي مستدام، عبر تعزيز الاستثمار الفلاحي، وتثمين سلاسل الإنتاج، وتحسين الإنتاجية، وربط الفلاحة بالصناعة الغذائية والتصدير. فالتقلبات المناخية تفرض اليوم التفكير في الفلاحة كقطاع استراتيجي يتطلب رؤية طويلة المدى، لا مجرد استجابة موسمية.