يشهد الفلاح المغربي اليوم وضعًا نفسيًا ضاغطًا بفعل تضافر الأزمات الاقتصادية والمناخية، بدأ من فترة كورونا التي بدأ يستنزف إبانها جزءًا من جهده واستثماره ليزوّد السوق الوطنية بمتطلبات المائدة المغربية من خيرات التراب واللحوم بأنواعها، مرورًا بالمرحلة التضخمية، ثم وصولًا إلى سنوات الجفاف المتتالية التي أربكت مواسم الإنتاج وأثّرت على استقرار الدخل خاصة. فالجفاف المتتالي، وارتفاع أسعار الأعلاف والبذور ومستلزمات الزراعة، وتقلب الأسواق، كلها عوامل جعلت الفلاح يعيش حالة من القلق الدائم وعدم اليقين، وكرّست شعورًا متزايدًا بالهشاشة الاقتصادية والاجتماعية.
أولى التأثيرات النفسية لهذه الأزمات تتجلى في الخوف من المستقبل، حيث أصبح الفلاح مترددًا في الاستثمار، ومحافظًا في اختياراته الزراعية، لأنه يدرك أن أي خطوة غير محسوبة قد تعني خسارة موسم كامل. حتى الزراعات البورية لم تتأثر فقط بالجفاف، بل بتقلص المساحات المزروعة أيضًا. وفي ظل هذا الضغط، يتراجع الإحساس بالأمان المالي، وتنشأ توترات داخل الأسرة الفلاحية بسبب محدودية الدخل وارتفاع التكاليف، خاصة إذا لم يكن هناك عائل خارج البادية أو نشاط آخر مدرّ للدخل.
ورغم هذه التحديات، يظل الفلاح المغربي مرتبطًا بالأرض ارتباطًا يتجاوز الاقتصاد إلى الهوية والتاريخ والكرامة. فالأرض ليست مجرد وسيلة للعيش، بل هي رمز للانتماء ومصدر للثبات، وهو ما يفسر استمرار الفلاح في الصمود رغم تراكم الأزمات. ومع ذلك، فإن هذه المرونة النفسية التقليدية بدأت تعرف حدودها، خاصة مع تكرار الصدمات دون حلول بنيوية واضحة وفعالة، مما يجعل الفلاح عرضة لإرهاق نفسي يصل أحيانًا إلى ما يشبه الاحتراق المهني القروي.
وهنا يبرز دور الوزارة الوصية بوصفها الفاعل الرئيسي القادر على استعادة توازن الفلاح النفسي قبل الاقتصادي. فالفلاح المغربي يعتمد اليوم، بشكل أوضح من أي وقت مضى، على الدعم المؤسساتي في كل خطوة: من توفير المعلومة الفلاحية الدقيقة، حيث أصبح يعي أكثر من أي وقت مضى أن السياق الاقتصادي والمناخي الحالي لا يتطلب الارتجال في اتخاذ القرارات، بل خلع جلباب العناد وتغيير طريقة التعامل مع النشاط الفلاحي الذي يمارسه لمواجهة التغيرات الاقتصادية والمناخية، من خلال كذلك برامج الدعم الموجه، وصولًا إلى الحكامة السوقية التي تحميه من المضاربات. كما أن جهود الدولة والتحفيز على الزراعات البديلة، وتأمين التربة والثروات الحيوانية، تشكل ركيزة أساسية تمنح الفلاح شعورًا بالأمان وتشجعه على الاستمرار والاستثمار.
إن سيكولوجية الفلاح المغربي اليوم تتشكل تحت تأثير مركّب من الخوف والصبر والضغط والأمل. لكن استمرار هذا التوازن الهش مرتبط أساسًا بمدى قدرة الدولة على تعزيز مواكبتها للفلاح على المدى البعيد، بحيث يشعر أن هناك جهة مؤسساتية تحميه وترافقه في كل قرار، وتوفر له شروطًا مستقرة للإنتاج. فالدعم هنا لم يعد اقتصاديًا فقط، بل أصبح دعمًا نفسيًا يعيد للفلاح الثقة في الموسم، وفي ذاته، وفي قطاع يشكل صمام أمان غذائيًا واجتماعيًا للمغرب.
رياض وحتيتا
خبير فلاحي