يدخل المنتخب الوطني المغربي نهائيات كأس الأمم الإفريقية 2025 بطموح للتتويج باللقب القاري. غير أن طريق “أسود الأطلس” نحو منصة التتويج لن يكون مفروشا بالبساط الأحمر. في ظل منافسة قوية من منتخبات إفريقية وازنة، يتقدمها منتخب كوت ديفوار، حامل اللقب، الذي يواصل حضوره القوي ويحافظ على استقراره التقني، إلى جانب دول أخرى كمصر، صاحبة الرقم القياسي في عدد الألقاب، فضلا عن دول أخرى اعتادت التنافس على الكأس كالسينغال ونيجيريا والكاميرون والجزائر، وتسعى جاهدة لممارسة حقها المشروع في التنافس على اللقب القاري.
“أنفاس بريس” تسلط الضوء على أبرز محطات المشاركة المغربية في هذه الكأس الأممية، منذ أول مشاركة سنة1972، إلى التتويج الوحيد في إثيوبيا سنة 1976،وصولا إلى نسخة 2025، التي يتجدد فيها حلم القبض على لقب يدير ظهره للمغرب.
يرتبط المغرب تاريخيا بكأس الأمم الإفريقية من خلال محطات متباعدة في الزمن فقيرة من حيث المحصول. إذ أن الإنجاز الوحيد يعود لسنة 1976 حين فاز المنتخب المغربي بلقب البطولة القارية من قلب أديس أبابا. كما راهن على الظفر بالكأس سنة 1988 حين استضاف للمرة الأولى نهائيات كأس أمم إفريقيا دون أن يصعد منصة التتويج.
بعد مرور 37 عاما، يعود المغرب لاحتضان العرس القاري في سياق مختلف تماما، بعدما أضحى المغرب نموذجا يحتذى به في مجال البنيات التحتية والتجهيزات الرياضية الحديثة، وأيضا مع بلوغ المنتخب المغربي التصنيف الأول قاريا.
لكن لماذا لم يتحمس المغرب للمشاركة في مسابقات كأس أمم إفريقيا؟
وما سبب عدم مشاركته في عدد من الدورات السابقة؟
وما هي العوامل التي جعلت حضور المغرب في هذا الملتقى القاري يتأخر إلى غاية 1972؟
انطلقت كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم يوم 10 فبراير 1957 في العاصمة السودانية الخرطوم، واقتصرت المشاركة في بداية الأمر على بعض الدول، بسبب الاستعمار الأوروبي آنذاك في القارة، وحصول دول قليلة على استقلالها.
تواصل غياب المغرب عن الحدث الكروي القاري، نظرا لصدور قرار توقيف المنتخب الوطني المغربي من طرف الفيفا سنة 1958، بسبب استضافة المغرب لفريق جبهة التحرير الوطني الجزائري لكرة القدم ، حيث تم تجميد عضوية المنتخب الوطني المغربي وتوقيفه رسميا لسنتين.
غاب المغرب عن نهائيات كأس أمم إفريقيا في تونس وإثيوبيا وغانا والسودان، حيث تأخرت مشاركته إلى غاية 1972 بالكاميرون في أول ظهور للفريق الوطني المغربي في “الكاف”. لكن القرعة ستحكم عليه بالمغادرة بالرغم من عدم خسارة أي مباراة.
في سنة 1974 رفض المنتخب المغربي إجراء مباراة الإياب ضد منتخب الزائير، فعوقب من طرف الكونفدرالية الإفريقية بحرمانه من المشاركة في كأس أمم إفريقيا التي جرت في مصر سنة 1974.
غاب المنتخب المغربي عن دورة 2015، وتعود وقائع غياب المنتخب الوطني المغربي عن دورة غينيا الاستوائية، إلى طلب المغرب رسميا من الاتحاد الإفريقي، تأجيل الدورة التي كان يستضيفها المغرب بسبب انتشار وباء كورونا، وهو المبرر الذي رفضه “الكاف” مع التمسك بتنظيم الحدث الإفريقي في موعده.
قام عيسى حياتو رئيس الكونفدرالية الإفريقية، بسحب التنظيم من المغرب بتاريخ 11 نونبر 2014، ولم تتوقف العقوبات عند هذا الحد، إذ سيتم منع المنتخب المغربي من المشاركة في دورة غينيا الاستوائية.
لقب 1976.. الكأس اليتيمة
شهدت النسخة العاشرة من كأس الأمم الإفريقية 1976، التي احتضنتها إثيوبيا للمرة الثالثة في تاريخها، مشاركة 30منتخبا في التصفيات التي أُقيمت بنظام الإقصاء المباشر ذهابا وإيابا. أسفرت التصفيات عن تأهل منتخبات إثيوبيا (البلد المنظم)، وزائير (حامل اللقب)، إلى جانب أوغندا، غينيا، السودان، نيجيريا، مصر، والمغرب الذي نجح في إقصاء السنغال وغانا.
شارك في دورة إثيوبيا ثمان منتخبات، تم توزيعها على مجموعتين، حيث لعب المنتخب المغربي ضمن المجموعة الثانية إلى جانب زائير ونيجيريا والسودان، بمدينة دير داوا، وتمكن من تصدر مجموعته.
أقيم الدور النهائي آنذاك بنظام مجموعة مصغرة ضمت أربع منتخبات، ونجح المنتخب المغربي في حسم اللقب بعد تصدره الترتيب بخمس نقاط، إثر فوزه على مصر ونيجيريا، وتعادله مع غينيا، ليحرز أول لقب قاري في تاريخه.
وعرفت رحلة المنتخب المغربي حادثا خطيرا، بعد تأهله للدور الموالي هوركوب أفراده الطائرة في اتجاه أديس أبابا، لكنها تعرضت لعطب في أحد محركاتها، ما اضطرها للعودة إلى مطار دير داوا وسط حالة رعب في صفوف مكونات الوفد المغربي. ورغم الصدمة، استأنف المنتخب مشاركته بعد تجاوز الحادث، ليواصل مسيرته بنجاح.
نسخة 1988.. نجح التنظيم وفشل المنتخب في الظفر بالكأس
في سنة 1988، استضاف المغرب للمرة الأولى نهائيات كأس الأمم الإفريقية، حيث احتضن مركب الأمير مولاي عبد الله بالرباط والمركب الرياضي محمد الخامس بالدار البيضاء مباريات البطولة، التي نالت إشادة واسعة من حيث التنظيم المحكم والحضور الجماهيري الكبير.
وجاء إسناد التنظيم للمغرب بعد اعتذار كل من زامبيا والجزائر عن احتضان البطولة لأسباب مالية وتنظيمية. وشارك في النهائيات ثمان منتخبات وزعت إلى مجموعتين.
أنهى المنتخب الوطني دور المجموعات في الصدارة، قبل أن يتوقف مشواره عند نصف النهائي عقب الهزيمة أمام الكاميرون بهدف دون رد. كما خسر مباراة الترتيب أمام الجزائر بضربات الترجيح، ليكتفي بالمركز الرابع وسط موجة استياء عارم أطاحت بالمكتب الجامعي والطاقم التقني.
وفي المباراة النهائية، توج المنتخب الكاميروني باللقب بعد فوزه على نيجيريا بهدف من ضربة جزاء، لتنوب “الأسود غير المروضة” على “أسود الأطلس” في الظفر باللقب.
“كان” 2025...رهان كتابة صفحة جديدة من المجد الإفريقي
اليوم تعد كأس الأمم الإفريقية 2025 محطة مفصلية في تاريخ كرة القدم المغربية، تجمع بين استعصاء الماضي وطموح الحاضر. فبعد الإنجاز اليتيم سنة 1976 وتجربة الاستضافة المرة سنة 1988، يعود المغرب اليوم بثقة أكبر وإمكانيات أوفر، مدعوما بجماهيره وبمشروع كروي متكامل. غير أن تحقيق الحلم القاري يظل رهينا بقدرة منتخبنا الوطني المغربي على ترجمة طموح شعب إلى لقب لطالما تمت مطاردته، وكتابة صفحة جديدة من المجد الإفريقي تليق بمكانة الكرة المغربية وتطلعات جماهيرها. غير أن هذا الطموح يرافقه ضغط رهيب على لاعبي المنتخب إلى جعله قوة دفع من أجل إنهاء استعصاء دام أزيد من نفس قرن.