محمد عزيز الوكيلي: محطة الوصول ونهاية الطريق... رجاءً لا تنسوا أمتعتكم !!

محمد عزيز الوكيلي: محطة الوصول ونهاية الطريق... رجاءً لا تنسوا أمتعتكم !! محمد عزيز الوكيلي
كانت نقطة البداية، والشروع الفعلي في السفر، متموقعةً زمنياُ في أحد أيام شتاء 1962، عندما بصم الرئيس الفرنسي شارل ديغول على مرسوم ميلاد كيان متمتع بوضعية "الحكم الذاتي"، بمقتضى اتفاقية عُرفت بمعاهدة إيفيان، يحمل اسم "الجزائر"، بديلا عن الاسم القديم والاصلي الذي هو: "المقاطعات الفرنسية لما وراء البحار".
 
كانت أولى الخطوات في هذا السفر الملتبس، متمثلةً في التنكر للوعد والعهد المضروبَيْن مع المملكة المغربية الشريفة، بردّ مَتاعها إليها، لأنه متاعٌ منهوبٌ سرقته فرنسا نكايةً في المغرب، وعقابا إياه على دعمه المتواصل آنئذ لحركة التحرير الجزائرية.
 
في السنة الموالية مباشرة لإعلان تقرير مصير "الجزائر الفرنسية"، أشعلت هذا الأخيرة، من دون أن تقدر على ذلك، حرباً من جانب واحد على الجار المغربي، لمجرد التغطية بصخب السلاح وفرقعاته على أمرين اثنين:
 
- محاربة الثورة القبايلية التي كان يتزعمُها القياديُّ الأمازيغيُّ البشير أيت أحمد، والتوصّل إلى قمعِها بالحديد والنار؛
 
2- تكريس الطمع الفاضح في غاز ونفط المنطقة المغربية موضوع السرقة الفرنسية الموصوفة والمذكورة، وتمرير ذلك تحت غطاء الحرب الباردة بمباركة من الاتحاد السوفياتي، ومِمَّن كانت تدور في فلكه من أنظمة عربية وإفريقية وأمريكو - لاتينية سبق ذكرها في مقالاتي الآنفة ولم تعد هناك فائدة من تكرار ذكرها اللحظة.
 
ولأن طريق أبناء "العُثمانوفرنسيين" سوداءُ كالحةٌ ولا مجال فيها إلاّ للخيبات والانتكاسات، فقد أفضت تلك الممارسات إلى خسائر بشرية ومادية ومعنوية مازال النظام الجزائري يجر ذيولها إلى غاية بومه، ورئيسه الفعلي غير السعيد شنقريحة يشهد على ذلك باللسان، وكذلك بالجسد حسب أقوال وشهادات الرواة... والعُهْدَةُ كما يُقال على الراوي !!
 
في المحطة اللاحقة، على ما سبق ذكره، وهي المحطة المعروفة بحرب الرمال، والمعارك التي تلتها من جانب النظام ذاته، لم يعد هذا الأخير يجد الشجاعة والجرأة لمحاربتنا نحن المغاربة مباشرةً، ووجهاً لوجه، فلجأ إلى خرافة البوليساريو وجمهوريتها الفضائية، ليتخذها غطاءً، وليجعل منها ذراعا عسكرية وأداة سياسية ودبلوماسية تحاربُنا بالوكالة عن النظام ذاته، لفرط جُبنه وانهزاميته، واستمر على ذي الحال إلى أن انتهى به هذا السفر القَلِق المُقْلِق إلى ما نشاهده اليوم من الأبواب المسدودة والموصدة برتائجَ مصنوعةٍ من فولاذ الإرادة المغربية، الملكية والشعبية، التي لا تلين عُراها ولا تنفصم!!
 
فما الذي يبدو للمتتبع الفَطِنِ في آخر تلك الطريق، وذلك السفر؟
 
هناك بعد يوم وبضع ساعات، فقط، "الإعلان الرسمي عن استقلال جمهورية القبائل الحرة"، التي هي أيضاً من مخلّفات الاستعمار الفرنسي، الذي حرص على ضم أرض القبائل، وشعبها الذي يناهز أكثر من عشرة ملايين نسمة، إلى نفس حديقته الخلفية "لما وراء البحار"، وهي الأرض الوحيدة التي كانت متميّزة منذ ليل التاريخ عن أهالي البقاع "الواسطية" الأخرى، التي لم تكن تُعرَف طيلة تاريخها إلا كمعاقل لقبائل مختلفة الدم والنسب والعقيدة، لا يجمعها إلا النهبُ والسلبُ والقرصنةُ وقَطْعُ السبيل، تتبع تارةً لإفريقية، وهو الإسم العتيق لتونس الفاطمية، وتُدين تارةً أخرى بالولاء للسلطان المغربي الموحدي أو المرابطي أو المريني أو السعدي... قبل أن تسقط بالجملة في براثن الحكم العثماني وخلافته التي صالت وجالت قبل ضمها اتلك البقاع، ولكنها لم تلبث أن آلت هي الأخرى إلى تفكك وانحلال ربما بسبب تلك البقعة المغاربية بالذات، والتي يتندر المؤرخون والمدوّنون عليها بالقول إن طريقها دائما كالحة السواد، أو بتعبيرنا الدارج الساخر: "طريقها كحلة" و"جريتها كحلة"، قبل أن تؤول بعملية بيع وشراء إلى الحظيرة الفرنسية سنة 1830!!!
 
عدا هذا الإعلان الوشيك عن استقلال القبائل، هناك الآن الضغط المغربي الإماراتي الفرنسي والأمريكي الخانق، والذي يدفع باتجاه فتح ملف "الصحراء المغربية الشرقية"، بمجرد الانتهاء من تقعيد آليات الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية في صحرائنا الغربية، بالإضافة إلى حركات الطوارق، والأزواد، في أقاصي الجنوب الجزائري، وعلى مرمى حجر من حدود مشتعلة ومتحرّكة بين الجزائر وكل من مالي والنيجر وليبيا حفتر، وحتى مع موريتانيا، التي لن تلبث، بعد استقرار مسارات الحكم الذاتي بالجنوب المغربي، أن تكشف هي الأخرى عن أنيابها، وأن تمارس كل حقوقها المشروعة على حدودها فتمنع بذلك، وبمساعدة من المغرب وشركائه الإستراتيجيين، أي توسع جزائري مباشر، أو غير مباشر بواسطة الميلبشيات الجزائرية الجنوبية، التي لا تزال إلى إشعار آخر تشكّل مُسمى البوليساريو في انتظار نزع سلاحها وتفكيكها وذهابها إلى غير رجعة !!
 
هذه الوضعية الجزائرية المنتظرة، والموشكة على التنزيل القسري في ساحة الواقع، لِما كان يُعرف في الماضي ب"الجزائر/القارة"، ليس أوضح ولا أفصح في التعبير عنها الآن من الرسم الخرائطي المرفق (أنظر الصورة) والذي تبدو فيه رقعة "جزائر الغد" التي لن تشبه في شيءٍ أبداً "جزائر الأمس"... أما "جزائر اليوم" فإنها تعيش بداية نهاية هذا السفر الملتبس، الذي سيُفضي لا محالةَ إلى رجوع تلك الجارة الشرقية إلى حجمها الطبيعي، والأساسي، الذي لم يتغيّر بعقب قرون الاحتلالين التركي والفرنسي إلا تغيُّراً مؤقتاً وإلى حين!!
 
ها قد وصل قطارُنا، أو يكاد، ألى آخر المشوار، ودخلنا محطة النهاية... فرجاءً لا تنسوا أمتعتكم !!!
 
 
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي متقاعد.