أريري: تازمامارت تطالب بجبر الضرر.. الطريق إلى المصالحة الشاملة

أريري: تازمامارت تطالب بجبر الضرر.. الطريق إلى المصالحة الشاملة عبد الرحيم أريري أمام بوابة سجن تازمامارت
بالمغرب هناك حوالي 40 ألف دوار موزعين على 83 عمالة وإقليما. لكن دوارا واحدا بلغت شهرته كل دول العالم من بين باقي دواوير المغرب. إنه دوار "تازمامارت" الموجود بين مدينة الريش وبلدة كرامة بالجنوب الشرقي للمغرب.
 
دوار تازمامارت هو في الأصل قصر، مكون من حوالي 200 كانون ( أي أسرة). واكتسب هذا الدوار شهرته العالمية ليس من وجود منبع مائي غزير أو من شلال أخاذ أو من مزار سياحي خلاب أو من موقع أثري تليد أو من زاوية دينية رابط فيها المجاهدون ضد الاستعمار، أو من نقوش صخرية دالة على توطين بشري قديم. بل اكتسب شهرته من كون تازمامارت احتضنت أحد أبشع السجون السرية بالمغرب في عهد سنوات الرصاص. 
هذا الدوار كان في الأصل مركزا عسكريا صغيرا في عهد الاستعمار. وبعد الانقلابات العسكرية في عامي 1971 و1972، وما تلا ذلك من محاكمات صاخبة وسريعة، تم تحويل هذا المركز العسكري (ثكنة صغيرة مكونة من بضع بنايات عادية)، إلى معتقل سري لردم وطمر المتهمين بالمحاولتين الانقلابيتين: منهم من قضى نحبه بين جدران معتقل تازمامارت، ومنهم من نجا من الموت لكنه خرج من المعتقل محطما ومثقلا بالأمراض والأعطاب الصحية الخطيرة.
 
عبد الرحيم أريري بدوار تازمامارت (على الطريق نحو بلدة كرامة)
 
 
بعد انهيار جدار برلين عام 1989 وبدء هبوب "رياح حقوق الإنسان" عالميا، تم افتضاح أمر سجن تازمامارت سنة 1991، على يد المقاوم والبرلماني اليساري المرحوم بنسعيد أيت يدر، وتزامن الفضح مع انطلاق مسلسل التناوب (التناوب الأول الذي أجهض عام 1992)، وما رافق ذلك من صدور عفو على المعتقلين المودعين بالسجون السرية، وانفراج سياسي بالمغرب، والبدء في مراجعة دستورية. وهو المسلسل الذي أثمر في أواخر التسعينيات من القرن العشرين ميلاد هيأة التحكيم المستقلة لتعويض ضحايا الانتهاكات الجسيمة. ثم نضجت الأمور مع بداية العهد الجديد في مطلع الألفية الحالية، وولدت هيأة الإنصاف والمصالحة التي كانت عنوانا لعدالة انتقالية اختار المغرب معها طي سنوات الرصاص. وأصدرت هذه الهيأة توصيات عام 2005، فضلا عن انخراط المغرب في المنظومة الأممية لحقوق الإنسان.ثم- وهذا هو الأساسي- قرر المغرب جبر الضرر الفردي (حوالي 27.000 ضحية انتهاك حقوقي تسلموا أزيد من 200 مليار سنتيم كتعويض)، وجبر الضرر الجماعي عبر استهداف المناطق التي عانت من ويلات سنوات الرصاص ببرامج تنموية خاصة لإنصافها مجاليا، مثلا (فكيك، طانطان، أكدز، قلعة مكونة، دوار تازمامارت، إلخ....).
 
لكن للأسف، رغم مرور قرابة 19 سنة على صدور توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، ورغم انصرام 5 سنوات على رصد 12 مليون درهم على برنامج تأهيل معتقل تازمامارت لتحويله لفضاء مفتوح للعموم، فإن ساكنة دوار تازمامارت ومعها 11.000 نسمة بالجماعة الترابية "غرس تعلالين" (التي يقع الدوار والسجن بترابها)، لم ينعموا بعد بأي التفاتة أو مشروع لجبر ضرر المنطقة وغسل العار الذي لحقها منذ 1973 إلى 1991، اللهم إنجاز "مسرب طرقي مزفت" تم تعبيده مؤخرا بالكرافيط من نوع "كاليبر رقيق"، على طول 3 كيلومترات (بعد الانعطاف عن الطريق القادمة من حامة غراندو نحو أيت عتو)، ومركزا صحيا قرويا صغيرا.
 
منظر عام لسجن تازمامارت
أما افتتاح فضاء معتقل تازمامارت في وجه العموم، فلربما سيحتاج إلى انتظار بروز سياسي مغربي قح من عيار بنسعيد أيت يدر (رحمه الله)، ليترافع عن هذا الملف لإغلاق ملف سنوات الرصاص إغلاقا نهائيا، ولإنصاف المناطق المعنية وجبر ضررها فعليا وآنيا، بدل جرجرة مشاريعها البسيطة لسنوات ضوئية.
 
 
ملحوظة:
هذا النص نشرته في فبراير 2023، وارتأيت إعادة نشره اليوم تزامنا مع الاحتجاجات التي تمور بالجنوب الشرقي للترافع ضد غياب الإنصاف الترابي من جهة، وتزامنا مع عودة احتجاج ضحايا سجن تازمامارت للمطالبة بتسريع طي ملفهم.