بنسعيد الركيبي: عقلية المنح تخنق المجتمع المدني

بنسعيد الركيبي: عقلية المنح تخنق المجتمع المدني بنسعيد الركيبي
تعيش المشاريع الجمعوية المحلية في المغرب مفارقة صادمة، بين خطاب رسمي يقدم المجتمع المدني كفاعل أساسي في التنمية، وبين واقع ميداني يجعل هذا المجتمع عالقا في شبكة من الأعطاب، التي تتصدرها عقلية المنح التي حولت الدعم العمومي من رافعة للتنمية إلى ظآلية للولاء السياسي والترضيات الانتخابية في عدد من الجماعات الترابية. 
 
ففي الوقت الذي يفترض أن يعتمد الدعم على جودة المشاريع وقدرتها على صناعة أثر اجتماعي ملموس، يتم توزيع المال العام في كثير من الحالات بناء على علاقات القرب السياسي وشبكات المصالح المحلية. وهو ما يجعل لحظة المصادقة على ميزانيات الجماعات محطة لإعادة إنتاج نفس التوازنات، بدل أن تكون فرصة لإعادة توجيه الموارد نحو المشاريع الجادة التي تخدم الساكنة. 
 
جوهر الإشكال يكمن في أن الجماعات لا ترى في الجمعيات شريكا تنمويا، بل مستفيدا ينتظر منحة سنوية. مما يؤدي إلى توزيع مبالغ صغيرة على عدد كبير من الجمعيات دون رؤية ولا استراتيجية، فقط لإرضاء المحيط الانتخابي. 
 
هذا المنطق ينتج ثلاث نتائج خطيرة، الأولى تفتيت الموارد على مبادرات صغيرة محدودة الأثر مما يجعل المال العمومي ينفق دون تحقيق أي تحول اجتماعي. 
 
والثانية تكريس علاقة تبعية بين الجمعيات والمنتخبين، حيث تتحول الجمعية إلى كيان يبحث عن البقاء عبر المنحة ويصبح المنتخب في موقع المانح القادر على المنح أو الحرمان. 
 
أما الثالثة فهي قتل مبدأ التنافسية عبر دعم نفس الجمعيات كل سنة، بغض النظر عن جودة أدائها أو ضعف أثرها. في حين يتم إقصاء جمعيات محترفة لأنها لا تنتمي لدائرة الرضا السياسي. 
 
هذه الاختلالات تغولت لتصبح ثقافة مؤسساتية، تفرغ المجتمع المدني من مضمونه وتحوله من قوة اقتراحية وتنموية إلى ذراع ملحقة بالمجالس الترابية. وتضرب في العمق روح دستور البلاد الذي منح الجمعيات موقعا في بلورة السياسات العمومية وتتبع تنفيذها. والمفارقة أن الجماعات نفسها تنتقد ضعف الفعل الجمعوي في حين تساهم في إنتاج هذا الضعف، عبر نموذج دعم يعاقب المهنية ويكافئ الولاءات ويشجع السطحية بدل الجودة ويمنح امتيازات لمن لا يقدمون أثرا حقيقيا للساكنة. 
 
إن إصلاح منظومة الدعم العمومي ليست مسألة تحسين للمساطر الإدارية، عندما يتعلق الأمر بضرورة إعادة الاعتبار للمال العام وربطه بمنطق النتائج لتحرير العمل الجمعوي من منطق التبعية الذي كبله لسنوات.
 
 لقد أضحى من اللازم اليوم ونحن نتحدث عن برامج التنمية المندمجة، أن ننتقل من عقلية المنح إلى منطق التمويل، ووضع نماذج تمويل شفافة قائمة على المنافسة ودعم المشاريع وفق دفتر تحملات واضح، وآليات تقييم مستقلة تجعل الدعم استثمارا اجتماعيا لا هبة انتخابية. وعندها فقط يمكن أن نستعيد دور المجتمع المدني كقوة مبادرة تحدث الأثر في حياة المواطنين.