علي المدرعي: وزارة الفلاحة مطالبة بدعم الفلاح الصغير وتعجيل تأهيل المراكز القروية للحد من الهجرة القروية

علي المدرعي: وزارة الفلاحة مطالبة بدعم الفلاح الصغير وتعجيل تأهيل المراكز القروية للحد من الهجرة القروية علي المدرعي

مع بداية "حَلَّانْ الزَّرِّيعَةْ" بالمناطق الزراعية البورية، ونحن نتطلع إلى سخاء السماء، في انتظار فصل شتاء يبشر بموسم فلاحي يرسم البسمة على وجوه الفلاحين الصغار والبسطاء، ونتوسل إلى توقعات موسم فلاحي جيد، رغم الإكراهات المتعددة، في هذا السياق استضافت جريدة "أنفاس بريس" الفاعل الجمعوي والبيئي الدكتور علي المدرعي بصفته مهتما بالمجال الفلاحي، من أجل الإجابة عن أسئلتنا بخصوص واقع حال القطاع ومشاكله ذات الصلة بدعم البذور والأسمدة والأعلاف. وكيف هو السبيل لعدالة مجالية تستثمر في الإنسان والأرض والمكان لضمان الاستقرار بدل الهجرة القروية نحو المدينة.

اعتبر الفاعل الجمعوي المهتم بقطاع الفلاحة والبيئة الدكتور علي المدرعي أن قطاع الفلاحة يعاني من عدة مشاكل وإكراهات حقيقية منها ما هو مباشر، ومنها الإشكالات غير المباشرة، على اعتبار أن نسبة كبيرة من سكان المغرب يعيشون في العالم القروي ولهم ارتباط وثيق بالأرض والفلاحة والزراعة.

وشدد نفس المتحدث لجريدة "أنفاس بريس" بقوله على أن الدعم والمساعدات التي ينتظرها الفلاح البسيط بالعالم القروي منها أولا، ما يتعلق بكرامة العيش، من خلال تدخل المؤسسات المنتخبة محليا وإقليميا وجهويا، لدعم وتعزيز البنية التحية وفك العزلة وتأهيل المراكز القروية، وبناء القناطر وتسريع إصلاح الطرقات، وتوفير مراكز القرب، من إدارات حيوية، ومستوصفات صحية ومؤسسات تعليمية خصوصا ذات الصلة بالتأطير والتحسيس بالمجال الفلاحي، إلى جانب إحداث معاهد التكوين التقني والاستشارة الفلاحية، مما يضمن الإستقرار لأسر الفلاحين البسطاء بمختلف مجالاتنا القروية سواء بالجبل أو المدشر أو القرية النائية، كل ذلك من أجل تشبت الفلاحين الصغار والبسطاء بالمهن الإنتاجية ذات الصلة بالزراعة وتربية المواشي وغيرها.

وفي معرض حديثه أكد بأن المدخل الأول لاستقرار الفلاح البسيط في أرضه وتربته التي أُنجِب وتربّى فيها هو مدخل أساسي، يجب أن توليه الجهات المعنية اهتماما بالغا، باعتباره هو الضامن للحد من منسوب هجرة سكان البادية نحو المدن، ومحافظتهم على هويتهم القروية بكل معانيها الإنسانية، حتى لا نستمر في تكريس الهجرة القروية مما يشكل عبء وضغطا على الدولة والبنية الْمُسْتَقْبِلَة في المدينة في نفس الوقت، دون الحديث عن إكراهات الحياة وغلاء مصاريف التمدرس ومخاطر الإنحراف وعدم القدرة على الإندماج وما إليه من مشاكل لا حسر لها.

أما بالنسبة لمشاكل الدعم المخصص للفلاح الصغير والبسيط، فقد أشار نفس الفعال الجمعوي إلى أنه منذ الستينيات، كانت أغلب مشاريع الإصلاح الزراعي في عهد الوزير عثمان الدمناتي موجهة لعينة واحدة من الفلاحين، وأشار إلى أنه كان الاصطدام في القطاع الفلاحي بملف الدعم لا يتجاوز القول المأثور "عَظَّمْ خُوكْ الْبُوخَارِي" بحيث أن كل المساعدات ذات الصلة بتوجيه الدعم والإمكانيات بالقطاع كان لا يستفيد منها سوى كبار الفلاحين لا غير، في حين أن الفلاح المتوسط والبسيط ظل مقصي من هذه المبادرات والمساعدات.

في هذا السياق استشهد الدكتور علي المدرعي بالملف الخاص بتشجيع شراء آليات الجرارات التي يقدر سعرها مثلا ما بين 30 أو 40 مليون سم، حيث كانت الدولة تمنح فيها دعما للفلاح يقدر بـ 80 ألف درهم، فهل الفلاح الصغير والبسيط يوفر 40 مليون سم لشراء جرار تدعمه وزارة الفلاحة بمبلغ لا يتعدى 8 ملايين سم؟

وتحدث في هذا السياق عن المضاربة في هذه الآليات وإعادة بيعها بالنسبة لكبار الفلاحين، بحكم أن الوزارة لم تعمل على ضبط هذه العملية، وكان لزاما على القطاع الوصي أن يضع شرطا يمنع إعادة بيع الجرار، إلا بعد قضاء مدة عشر سنوات من العمل عند المستفيد، مما يؤكد أن هناك جهات كانت تستفيد من هذه العمليات.

وأكد نفس المتحدث على أن تدخل الدولة بالنسبة لتقديم الدعم والمساعدات لقطاع الفلاحة، يجب أن يستهدف كل فئة من الفئات الثلاث، وتصنيفها ودراسة مشاكلها المرتبطة بها، سواء تعلق الأمر بالفلاحين الكبار كفئة معينة، ثم فئة الفلاحين المتوسطين، بالإضافة إلى تصنيف فئة الفلاحين الصغار والبسطاء المتضررين كثيرا لعدة أسباب موضوعية وذاتية.

واقترح الدكتور علي المدرعي ـ بالنسبة للفلاح الصغير ـ أنه يمكن تحديد الدعم الموجه إليه حسب مساحة أراضيه الفلاحية، وتصنيف مشاكله الخاصة ومتطلبات الدعم والمساعدات، بحكم أن العملية الحالية ذات الصلة بالدعم ـ اعتبرها ـ غير موضوعية وغير سليمة، على اعتبار يوضح ضيف الجريدة أن برامج الدعم المخصصة للقطاع في إطار "المخطط الأخضر" لم يحدد الفئة التي يمكن أن تستفيد منه، باستثناء فئة الفلاحين الكبار، وبدعم قوي وسخي، أما الفلاح الصغير فلم يستفد نهائيا من هذا البرنامج الفلاحي والزراعي. وتساءل قائلا: كيف نستسيغ توجيه دعم يصل إلى مليارات سنتيم لفلاح كبير يملك ضيعة خاصة، في حين أن فلاح صغير وبسيط يبحث عن مبلغ مالي جد متواضع من أجل شراء كيس من البذور وتوفير الأسمدة دون الحديث عن صعوبة توفير كيس من أعلاف المواشي.

وبخصوص ملف دعم البذور والأسمدة والأعلاف الموجهة لقطاع الفلاحة، أكد نفس المتحدث بأنه من اللازم على الدولة والمؤسسات المعنية، أن تقوم بعملية تسقيف أسعارها حسب المناطق والمجالات الجغرافية، وأيضا وفق معايير تتعلق بمساحة الأراضي الزراعية وعدد رؤوس المواشي، مستحضرا ضرورة إقرار نسب مائوية لكل فئة من الفئات.

وأورد الدكتور المدرعي مثالا في هذا الشأن، بقوله أنه إذا تم مثلا دعم الفلاح الصغير بنسبة 50 في المائة، فيجب تخصيص نسبة دعم الفلاح الكبير لا تتجاوز 20 في المائة. حيث طالب باستبعاد الطريقة الحالية المعتمدة في تقديم الدعم والتي تساوي بين الفلاح الصغير والمتوسط والكبير. مشددا على أهمية أن يستفيد الفلاح الصغير من أكبر نسبة مائوية من الدعم المخصص للبذور والأسمدة والأعلاف، خصوصا أن المناطق السَّقْوِيَّة تختلف عن المناطق البورية على جميع المستويات.

ولم يفت الدكتور علي المدرعي أن يطالب بضرورة إحداث بطاقة إلكترونية مخصصة للدعم، من أجل تتبع عملية تحويله ومساره، وضبط كل العمليات ذات الصلة بالمساعدات والإعانات والدعم السنوي، وتقييم النتائج ووقع هذا الدعم على الفلاحين، ومحاسبة كل انزلاق يروم اقتناص الفرص من أجل الإغتناء غير المشروع. مع ضرورة التنويه بالمجهودات الناجحة كقيمة مضافة في تطوير القطاع الفلاحي من خلال المنصة الرقمية والبطاقة الإليكترونية الخاصة بكل أنواع الدعم وفئاته.

من جهة أخرى وفي معرض حديثه عن القطاع شدد نفس المتحدث على أنه يجب تشجيع وتحفيز الجمعيات والتعاونيات ذات الأهداف المشتركة مع قطاع الفلاحة، والتي تحترم القوانين والهيكلة التنظيمية والمالية، والتي تقدم تقاريرها الأدبية والمالية للجهات المانحة سنويا، حيث يمكن أن يستفيد المنخرطون من منح ترتبط بشراء آليات حديثة للنهوض بالمنتوج الفلاحي والزراعي. وأكد على أن هذا التوجه سيكون له وقع إيجابي وكبير، بدل التعامل مع الأفراد. واستحضر في هذا السياق بعض التجارب الرائدة في العديد من دول أمريكا اللاتينية مثل البرازيل والأرجنتين والبارغواي والأورغواي والشيلي...قائلا أنه ليس عيبا أن يستفيد الإنسان من هذه التجارب، ملوحا إلى أن الدولة كانت قد استفادت من بعض هذه التجارب في عهد حكومة التناوب التي قادا الوزير الأول الأستاذ المرحوم عبد الرحمن اليوسفي، حيث كان الوقع إيجابيا من خلال بعض البرامج في العالم القروي وأعطت نتائجها رغم فترات الجفاف المتعاقبة.