يرى سعيد ناشيد، باحث ومفكر، أننا نعيش في المغرب أزمة خطاب سياسي لدى النخب الحزبية بالمغرب، منتقدا وجود نخب تتكلم بأسلوب شعبوي يهدف الى دغدغة المشاعر دون أي حد من المعقولية أو المسؤولية، كما يدعو الى تخليق الحياة السياسية، مؤكدا بأن إصلاح هذه الأحزاب يحتاج الى قوانين انتخابية حديثة ومتطورة ومناسبة من أجل ضمان تجديد النخب و فرض تطبيق الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية.
كيف تنظر إلى مفارقة تغير خطاب ومواقف الأحزاب السياسية في المغرب بعد الوصول الى السلطة وتنكرها للوعود المقدمة لناخبيها والمتعاطفين معها خلال فترة المعارضة؟
من الطبيعي أن يتغير خطاب الأحزاب السياسية في العالم مابين المعارضة والمشاركة في الحكومة، ولكن هذا التغيير له حد أدنى من المعقولية. المشكلة عندنا أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فنحن أمام أزمة حقيقية للخطاب أي أزمة الخطاب السياسي لدى النخب الحزبية بالمغرب، حيث أننا أمام ثلاث أنواع من النخب الحزبية: إما نخب لا تتكلم إطلاقا لأنها لا تعرف ماذا تقول وهي تنأى بنفسها عن كل كلام، وإما نخب حين تتكلم ترتكب أخطاء كارثية ولا أتحدث عن الأخطاء السياسية بل أيضا عن الأخطاء العلمية والمعرفية والفنية، وإما نخب تتكلم بأسلوب شعبوي يهدف الى دغدغة المشاعر دون أي حد من المعقولية أو المسؤولية. نحن اذا أمام أزمة خطاب حقيقي ملازم لأزمة النخب، وأقصد بدرجة أساسية النخب الحزبية المناط بها إنجاح تجربة الانتقال الديمقراطي وبناء دولة الحق والقانون والمؤسسات .
هل نحن أمام أزمة وضوح فكري وإيديولوجي لدى الأحزاب، حيث لم يعد المواطن يفرق بين أحزاب اليسار وأحزاب اليمين وأحزاب الإسلاميين، وأضحى يشبهها بالدكاكين؟
تماما.. أكثر من ذلك بإمكانك أن تتبنى أي برنامج حزبي وتضع يافطة أي حزب دون أن يطرح الأمر أي مشكلة. الكلام هو نفسه مكرر، والأزمة هي نفسها..أزمة أننا لا نمتلك تصورات عن نخبنا الحزبية وأحزابنا لا تمتلك تصورات، بل إنها لا تمتلك الحد الأدنى من التصور حول كيفية إدارة وتدبير المصلحة العامة أو الشأن العام، لذلك يغلب منطق الدعاية على منطق تدبير المصلحة العامة أو المصالح المشتركة. الدعاية معناها أنك تقول أي شيء وتبرر أي شيء ، وتمارس تسويقا انتخابيا بعيدا عن أي تصورات. قليلا ما نجد وزيرا يمتلك تصورا حقيقيا لما يمارسه ، معظم الوزراء مع الأسف لا يمتلكون أي قدر من التصور المتعلق بما يمارسونه وأيضا بالنسبة للأحزاب، يمكن أن ننتقل من حزب الى حزب دون أن نشعر بتغيير أي شيء على مستوى القناعات، طالما الأمر لا يتعلق بأي قناعات، بل فقط بالدعاية لهذا التجمع أو ذاك.
من الطبيعي أن يسعى أي حزب سياسي للوصول الى السلطة، لكن من غير الطبيعي أن يتجرد من جميع تعاقداته مع الناخبين الذين صوتوا لفائدته في الانتخابات، مارأيك؟
ما ذكرته لا يمكن أن نجد له أي اصطلاح آخر غير ما يمكن أن نسيمه «كذب سياسي» و«الكذب السياسي» يدمر الثقة، علما أن الثقة هي عنصر أساسي في بناء الديمقراطية والمؤسسات. الدولة بحاجة الى الثقة. اذا انعدمت الثقة نصبح في خطر حقيقي، فـ «الكذب السياسي» يخلف خيبة أمل في النفوس وجوا عاما من السخرية من الساسة ومن السياسيين، ويخلق نوعا من الشعبوية لدى الناس «وهذا هو الخطر» وهذا أسوأ ما ينتجه «الكذب السياسي». ينبغي تجريم «الكذب السياسي» لكونه يدمر الثقة التي تعتبر عنصر أساسي في البناء الديمقراطي. المشكلة لدينا هو وجود الكثير من السياسيين الذين يعتبرون الكذب جزء أساسي من قواعد اللعبة وأن الوعود المبالغ فيها أمام الناس هي نوع من التسويق السياسي – الانتخابي، وأن إخفاء بعض الحقائق عن الناس يدخل في باب «الحكمة السياسية» وهذا خطأ كبير أو خطيئة، لأن التجربة تؤكد أن الكذب والمبالغة في الوعود وتزييف الحقائق إن كان يحقق بعض المكاسب لبعض الأطراف مؤقتا، فإنه يسمم الحقل السياسي ويسمم إمكانية إنجاح الانتقال الديمقراطي في البلد.
ما هو المدخل في نظرك لمصالحة المواطن مع الأحزاب السياسية؟
كم من مرة جاءت الدعوة الى تخليق الحياة السياسية في الخطب الملكية . هناك وعي من أعلى المستويات أن ثمة أزمة أخلاقية في العمل السياسي وأن هذه الأزمة تحتاج فعلا الى تفعيل القوانين، ولكنها فوق ذلك تحتاج الى تربية والى تثقيف والى إعادة الثقة في القيم الأخلاقية الحقيقية للسياسة. لا يمكن أن نمارس السياسة خارج الأخلاق، السياسة في أصلها الاصطلاحي في اللغات الغربية هي أخلاق المدينة، فالأخلاق عنصر أساسي في بناء السياسة والصدق هو الركيزة الأساسية في الأخلاق. طبعا الديمقراطية الداخلية مطلوبة لأن هناك أزمة ديمقراطية داخل هذه الأحزاب، وتساهم في تكريس أزمة النخب..نعاني من وجود نخب مترهلة، نخب طلقت القراءة والمعرفة منذ زمن بعيد، نخب لم تعد تمارس دورها في تأطير الشباب، الشبيبات الحزبية فارغة عن عروشها. تعبئة المواطنين لا تتم إلا في موسم الانتخابات وبشكل سوقي. نحتاج الى عمل كبير، لأننا لا نعاني فقط من أزمة في مؤسسات الدولة ونحن نحتاج إلى إصلاح حقيقي داخل الأحزاب السياسية باعتبارها هي الأداة الأساسية في العملية الديمقراطية. إصلاح هذه الأحزاب يحتاج الى قوانين انتخابية حديثة ومتطورة ومناسبة من أجل ضمان تجديد النخب وقد كانت هناك مبادرة ملكية لتمويل مراكز تابعة للأحزاب وهو مشروع كبير جدا من أجل تجديد النخب الحزبية ولكن هذا المشروع لقي الفشل بسبب هذه النخب نفسها. نحتاج إلى خلخلة وإلى قوانين انتخابية صارمة وإلى فرض تطبيق الديمقراطية داخل الأحزاب من أجل ضمان تجديد النخب والتداول على المسؤوليات.