يوسف‭ ‬كراوي: التنقيط السلبي للمغرب في سلم الحماية الاجتماعية مرتبط باختلالات تعميم التغطية الصحية

يوسف‭ ‬كراوي: التنقيط السلبي للمغرب في سلم الحماية الاجتماعية مرتبط باختلالات تعميم التغطية الصحية يوسف كراوي، رئيس المركز‭ ‬المغربي‭ ‬للحكامة‭ ‬والتسيير وصورة غلاف الإصدار التقرير
أصدر المركز‭ ‬المغربي‭ ‬للحكامة‭ ‬والتسيير تقريرا جديدا بعنوان "الحماية الاجتماعية بالمغرب" وذلك بشراكة مع المنظمة الألمانية Konrad Adenaur Stiftung.
في هذا السياق، حاورت جريدة "أنفاس بريس" يوسف كراوي، رئيس المركز، حول أبرز مضامين هذا التقرير وتوصياته، إضافة إلى التحديات المطروحة أمام تنزيل ورش الحماية الاجتماعية سواء على المستوى القانوني والتشريعي أو في ما يتعلق بتمويله.
 
 
أصدر المركز‭ ‬المغربي‭ ‬للحكامة‭ ‬والتسيير، بشراكة مع المنظمة الألمانيةKonrad Adenaur Stiftung، تقريرا حول الحماية الاجتماعية بالمغرب، ماهي أهم مضامينه؟
يعد هذا التقرير خطوة أساسية ضمن مسار تطوير ورش الحماية الاجتماعية في المغرب، باعتباره ورشًا ملكيًا يدخل ضمن الأولويات الرئيسية للبلاد. إذا استحضرنا خطاب الملك، خلال الدورة الخريفية لافتتاح البرلمان سنة 2025، في ثلاثة محاور رئيسية: التعليم، والصحة، والعنصر البشري، وهي ركائز ترتبط مباشرة بأهداف هذا المشروع الوطني.
وفي هذا السياق، ينسجم التقرير مع الدينامية الإصلاحية التي تعرفها البلاد في ورش الحماية الاحتماعية، كما يستحضر الالتزامات الدولية للمغرب، خاصة تلك المرتبطة بالمنظمة العالمية للشغل ومنظمة الأمم المتحدة.
ويقدم التقرير معطيات دقيقة حول مستوى التقدم المحقق في ورش الحماية الاجتماعية، سواء على مستوى تعميم التأمين الصحي الإجباري، أو ما يتعلق بتوسيع نظام التقاعد، إضافة إلى الولوج إلى الدعم المباشر، والحصول على التعويض عن فقدان الشغل. وفي نفس الوقت يرصد التقرير توصيات استراتيجية مرتبطة بالحكامة، توصيات تقنية، وتوصيات تمكن المغرب من الاستجابة للمعايير الدولية التي لم يستوفيها على مستوى المنظومة الدولية للتغطية الصحية والحماية الاجتماعية.
 
أي دور للصناديق الاجتماعية في مواكبة ورش الحماية الاجتماعية؟
أكيد أن تمويل ورش الحماية الاجتماعية يُعدّ من أكبر الأوراش المطروحة اليوم. فالمغرب يتوفر حالياً على مداخيل جبائية مهمة تصل إلى حوالي 300 مليار درهم، ما يتيح قاعدة مالية لتمويل هذا الورش الاستراتيجي. ومع ذلك، يبقى الانتقال نحو أنظمة تغطية أكثر فعالية أمراً ضرورياً، عبر تحقيق التوازن المالي بين المساهمات والتعويضات، وضمان شمولية التغطية لكل المغاربة.
 
حسب تقرير المنظمة العالمية للشغل سنة 2020، مازال المغرب يسجل تراجعا في سلم المؤشر الدولي للحماية الاجتماعية، ماهو تعليقك؟
التنقيط السلبي للمغرب في سلم الحماية الاجتماعية مرتبط باختلالات تعميم التغطية الصحية، فمن أبرز الإشكالات المطروحة اليوم وجود ما يقارب 8.5 ملايين شخص خارج التغطية، إمّا مسجّلين وحقوقهم موقوفة، أو غير قادرين على الولوج إلى المنظومة، في حين يُفترض أن تشمل التغطية 38 مليون مواطن.
إضافة إلى ذلك، ما زالت هناك تفاوتات كبيرة بين الخدمات الصحية المقدَّمة في المرافق العمومية ونظيرتها في القطاع الخاص. فالقطاع الخاص يوفّر خدمات ذات جودة ومعايير عالمية، في حين تعاني المستشفيات العمومية من اختلالات تجعلها لا تساهم بالشكل المطلوب في إنجاح ورش تعميم التغطية الصحية، رغم كونه ركناً أساسياً في منظومة الحماية الاجتماعية.
 
ماهي التحديات المطروحة أمام نجاعة تنزيل ورش الحماية الاجتماعية سواء منها القانونية، التشريعية أو تمويل هذا الورش؟
تواجه منظومة الحماية الاجتماعية في المغرب مجموعة كبيرة من التحديات. أول هذه التحديات يرتبط بتعميم التغطية الصحية الشاملة، بحيث لا تشمل فقط الأجراء العاملين في القطاعين العام والخاص، بل تمتد أيضًا إلى العاملين في القطاع غير المهيكل، وأصحاب المهن الحرة وغير الأجراء. فالهدف هو الوصول إلى تغطية صحية شمولية.
ومن بين المحطات الأساسية في هذا المسار، توحيد الأنظمة الحالية، بل نظام موحد يحقق الإنصاف في التعويضات، سواء المرتبطة بالأدوية أو بالخدمات العلاجية، بحيث يستفيد المنخرطون في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي من نفس مستوى التعويض ونفس شروط استرجاع المبالغ، وبالتالي تحقيق العدالة الاجتماعية في التغطية الصحية.
ولا تنحصر التحديات في التغطية الصحية فقط، بل تمتد كذلك إلى إصلاح منظومة التقاعد. فهناك خلل واضح في توازن هذه الأنظمة، حيث أصبح كل شخص متقاعد يتطلب مساهمة عامل واحد فقط، بعد أن كان هذا المعدل في السابق ثلاثة عمال لكل متقاعد. وهذا يستدعي إصلاحًا عميقًا للمنظومة وتوسيع الوعاء ليشمل جميع الفئات، بما فيها العاملون في القطاع غير المهيكل، من أجل ضمان استدامة الصناديق وتعزيز سيادتها المالية.
كما تبرز تحديات أخرى مرتبطة بنظام الدعم الاجتماعي المباشر المعتمد حاليًا على مؤشر تحديدي أثبت أنه يخلق إقصاءً غير عادل لأشخاص يستحقون الدعم. فامتلاك منزل بسيط أو اشتراك إنترنت أو دراجة نارية قد يحرم بعض الأسر من الاستفادة رغم حاجتها. ولذلك يحتاج هذا المؤشر إلى مراجعة عميقة مبنية على أسس علمية دقيقة حتى يصل الدعم فعلًا إلى من يستحقه، مع تعزيز آليات المراقبة لتتبع حسن توجيه الموارد.
 
ماهي التوصيات التي خلص اليها تقريركم؟
تم التركيز على ثلاثة محاور أساسية. أولها يتعلق بالحكامة، من خلال الانتقال نحو نظام القطبين في التغطية الصحية والتقاعد، عبر توحيد الصناديق العمومية والخاصة ضمن رؤية تضمن الاستدامة والنجاعة والعدالة. ثم تعزيز مبدأ الكونية في الولوج إلى الخدمات الاجتماعية، لأن المؤشرات تظهر فجوة كبيرة بين المغرب والمتوسط الدولي؛ فالحد الأدنى للولوج إلى هذه الخدمات الاجتماعيه لا يتجاوز 20% في المغرب، بينما يبلغ المعدل العالمي 41%.
كما تدعو التوصيات إلى منح منظومة التقاعد مرونة أكبر، تتيح للمؤمنين الانتقال بين القطاعين العام والخاص دون فقدان حقوقهم أو انقطاع مسارهم التقاعدي، بما يعزز التنقل المهني ويقوي الموارد البشرية ويضمن استمرارية الحقوق الاجتماعية.