أريري: هل لدينا مدينة حتى يخلق المغرب وزارة خاصة بسياسة المدينة؟!

أريري: هل لدينا مدينة حتى يخلق المغرب وزارة خاصة بسياسة المدينة؟! عبد الرحيم أريري
في أفق احتضان المغرب لمونديال 2030، تحولت فضاءات المدن المرشحة لاستقبال مباريات كأس العالم إلى مسرح للهدم و"الترياب" بمبرر تقويم الاختلالات والأعطاب التي أثقلت المشهد الحضري على مر عقود، إما لتصحيح وضعية تعميرية وعمرانية عشوائية بهذه المدينة، أو لترحيل كاريان إلى ضاحية تلك المدينة، أو لتصفية وعاء عقاري لإنجاز مرفق عمومي مرتبط بالمونديال ( قطار، طريق سريع، شارع كبير، منشأة عمومية، الخ...) بمدينة ثالثة.
 
وإذا كانت الاستثمارات العمومية المرتبطة بالمشاريع المهيكلة محمودة ومرحب بها لحاجة المغرب إليها منذ سنوات، فإن الرجة التي تشهدها عدة مدن بالمغرب، كان ينبغي استغلالها لإجراء وقفة لتقييم ما أنجز من سياسات عمومية في السنين الأخيرة، خاصة بعد إحداث بنية وزارية في الهندسة الحكومية خاصة بسياسة المدينة، وهي الهندسة التي كان الهدف من وراء إحداثها عام 2012، ترميم جراح المدن بالمغرب.
 
للأسف، بمثل ما أضاع المغرب الفرصة لتقييم برنامج "مدن بدون صفيح" و"المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" وبرنامج "التأهيل الحضري" وبرنامج "الأنسجة العتيقة"، وغيرها من السياسات العمومية ذات الصلة، لمعرفة حجم وقعها في تغيير وتحسين مستوى العيش بالأحياء الشعبية أو الناقصة التجهيز أو الأحياء الضاحوية، هانحن - في حمأة التحضير للمونديال- نضيع فرصة أخرى لتقييم 13 سنة من إحداث وزارة "سياسة المدينة"، لتعزيز المكتسبات وتجاوز الإكراهات.
 
فرغم مرور ثلاث ولايات حكومية وتشريعية، يرفض الفاعل السياسي والمدبر العمومي مواجهة الأسئلة الحارقة التالية:
 
1. هل سياسة المدينة هي وثائق التعمير أم هي رخصة البناء، أم هي سياسة التجزئات؟
 
2. هل سياسة المدينة هي شركة «إدماج سكن» و"العمران" و"الضحى" و"أليانس دارنا"؟ أم هي تنمية المدن بما يسمح للمرء أن يعيش في بيئة ذات جودة حضرية مقبولة؟
 
3. هل سياسة المدينة هي تحويل العشوائي إلى "قدر محتوم"، أم هي الاستسلام لجحيم الاختناقات المرورية الرهيبة وضياع ساعات من وقت المواطنين هباء منثورا كل يوم؟
 
4. هل سياسة المدينة هي المرافق الاجتماعية من نقل حضري جيد وآدمي ومدارس وملاعب وحدائق ومسابح وساحات عمومية وكورنيش ومسرح وقيساريات وأسواق بلدية؟ أم هي «ماكينة» لإنتاج «الأبارتايد المجالي» وتعميق الإقصاء وتضخيم الحرمان وإنتاج البطالة، خاصة بالضواحي؟
 
5. هل سياسة المدينة هي تهميش للوسط القروي مع ما يعني ذلك من تهميش حوالي 37 % من سكان المغرب؟ أم هي سياسة التعجيل بانهيار موروثنا العمراني في المدن القديمة والأنسجة الحضرية العتيقة؟
 
6. هل سياسة المدينة هي استغلال موارد الدولة وأذرع الدولة لتسمين الحلفاء في هذه المدينة أو تلك، وبالمقابل تجفيف الضرع وتجويع مناطق الخصوم السياسيين؟
 
7. هل سياسة المدينة هي ازدراد ما لذ وطاب من أكل وشرب في الفنادق الفخمة مع جمعيات «الكافيار» والجمعيات المقربة من "مدفأة السلطة"، أم هي وضع الأرجل في أوحال المجتمع للاستماع لنبض المدن وضمان ديمقراطية تشاركية فعلية؟
 
8. هل سياسة المدينة هي اعتناق الوزراء والولاة والرؤساء "فرجة توقيع اتفاقيات الشراكة بين الوزارات والعمالات والجماعات"، دون تفعيل مضامينها، أم على العكس هي الحرص على أجرأة ما تم الاتفاق بشأنه في برامج الشراكات؟
 
9. هل سياسة المدينة هي الاكتفاء بهيكلة إدارية لمقر الوزارة بالرباط، إيمانا بمبدأ "وكفى المؤمنين شر القتال"، أم هي التزام بتعبئة المجتمع والفاعلين المدنيين والجامعيين حول حق كل مغربي في المدينة؟
 
 
10. هل سياسة المدينة هي إرضاء حزب بحقيبة، أم هي رافعة لجر المدن المغربية نحو المعايير الدولية المقبولة؟
على المشرع الذي أجاز خلق وزارة سياسة المدينة في الهندسة الحكومية أن يجيبنا وينور الرأي العام، لأنه منذ إحداث هذه الوزارة بعد اعتماد دستور 2011، وتعاقب أحزاب على تدبيرها، والمشاكل تزداد بالوسط الحضري وتتفاقم بضاحية المدن الكبرى. موازاة مع ذلك يتم التلاعب والتقاذف بالمواطن بين المجالس المحلية من جهة والوزارة من جهة ثانية وكل طرف يرمي باللائمة على الآخر، حتى تحول المواطن إلى «ساندويتش» بينهما.
 
ونحن في موسم انتخابي استعدادا للاقتراع القادم، ينتظر منتخبو أزيد من 356 مدينة كبيرة وصغيرة من المشرع أن يبسط لهم معالم «سياسة المدينة»، حتى لا تبقى الضبابية هي التي تؤطر الأوراش والاتفاقيات المبرمة بين المركز والمحيط من جهة، وحتى يعرف المواطن من يقوم بماذا من جهة ثانية.
 
بعد مرور 13 سنة من اعتماد هندسة مؤسساتية خاصة بسياسة المدينة، حان الوقت لوقف تدبير المدن بقوانين ماضوية لا تخدم إلا مصالح فئة محدودة جدا، بدليل أن كل ما نصت عليه تصاميم التهيئة بجل المدن المغربية (التي تتوفر على وثيقة تعمير)، لم ينفذ منه في أحسن الأحوال سوى 18 أو 20 %. وبالتالي عوض أن تحل وزارة "سياسة المدينة" المشكل وتعطي قيمة مضافة لتحسين المشهد الحضري وشبه الحضري، تحولت هذه الوزارة إلى مضخة لتوليد المشاكل في فضاءات حضرية يقطنها حوالي 24 مليون نسمة!