عبد القادر زاوي: المغاربة والمونديال

عبد القادر زاوي: المغاربة والمونديال عبد القادر زاوي
في المغرب لا حديث يعلو على حديث الاستعدادات الجارية لاستضافة المونديال، فرغم أن هذا المونديال سيلعب بعد خمس سنوات من الآن، أي في سنة 2030، وأن المغرب لن يحتضن سوى ثلث فعالياته إلا أنه بات أكبر تظاهرة حمالة للأوجه في البلاد، أوجه متعددة تختلف باختلاف زاوية النظر لهذه التظاهرة.
 
وفي غمرة كثرة الحديث عن مزايا تنظيم المونديال، وأمام آلة إعلامية ترويجية واسعة الانتشار ومتنوعة المنصات لا تسوق سوى ما يعتقد أنها ستكون الحصيلة الإيجابية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا توارت إلى الخلف، ولم تعد تسمع إلا بشكل خافت أصوات أولئك الرافضين لاستضافة التظاهرة والمحذرين من مخاطر الاستثمارات المالية الضخمة الموضوعة لتمويل إنشاء كافة البنيات التحتية الرياضية والإيوائية وتلك المرتبطة بالمواصلات، وانعكاساتها السلبية على حجم مديونية البلاد، وهي أصوات تستحضر في طرحها الرافض لما يجري ما حصل في اليونان من أزمة اقتصادية ومالية عقب استضافتها للألعاب الأولمبية سنة 2004.
 
ومع الانتشار الواسع للحديث عن المونديال عبر كافة وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، واستئثاره باهتمام شعبي كبير تضاعفت أهميته بعد فوز منتخب المغرب لأقل من عشرين سنة بكأس العالم، لم يكن مفاجئا أن يسارع معظم الفاعلين في الساحة السياسية والاقتصادية والإعلامية من الأصيلين في مهنهم أو من الدخلاء عليها، ومن المنتهزين للفرص إلى حشر أنوفهم في هذا الحديث، واعتباره فرصة لامتطاء صهوة التظاهرة سعيا وراء الاستفادة منها سواء أكانت تلك الاستفادة من الناحية المادية أو من حيث الوجاهة الاجتماعية.
 
في هذا السياق تبدو لافتة للانتباه حمى الانتخابات التشريعية التي اشتعلت مبكرا على غير العادة، إذ كما هو معلوم أن تلك الانتخابات لن تجرى إلا في النصف الثاني من سنة 2026، ولكن القوى السياسية الحزبية انطلقت منذ مدة في حملة انتخابية غير رسمية تروج لما تسميه برامج وخطط تدعي أنها ستعمل على إنجازها إذا ما فازت في هذه الانتخابات، وتمكنت من تحقيق عدد من المقاعد يتيح لها أن تكون رقما وازنا في معادلة تشكيل الحكومة المقبلة إما بترؤسها أو بنيل حقائب وزارية فيها إذا ما استطاعت نتائجها أن تفرضها على أي ائتلاف حكومي سيشكل حينها.
 
إن هذا الاستعداد المبكر للانتخابات، وبهذه الحدة غير المعهودة في الخطابات السياسية وفي الانتقادات المتبادلة لا يعكس البتة أي صحوة ضمير متأخرة تكون قد انتابت هذه الأحزاب فجأة، وأرادت التكفير عن تقصيرها السابق في خدمة قضايا المواطنين وتعويض ذلك هذه المرة بإبراز نوع من الالتزام بالعمل على التخفيف من معاناة المواطنين اليومية المتعددة الأوجه والمتراوحة بين غلاء المعيشة وندرة السكن، وتواضع فرص الشغل، وضعف البنيات الصحية والتعليمية ناهيك عن المشاكل المتعلقة بالنقل بكل أنواعه.
 
ويكمن الجزم في غياب صحوة الضمير هذه في سبب بسيط يتمثل في أن معظم هذه الأحزاب، ومعظم شخصياتها البارزة مجتمعيا وإعلاميا إما أنها الآن تتولى مهام حكومية وحصيلة عملها متواضعة للغاية أو شاركت من قبل في حكومات سابقة، ولم تترك أي أثر إيجابي يذكر بالخير لها أو لأحد من قيادييها أو أعضائها.
 
ولذلك فمن خلال وضع هذه الحملة الانتخابية في سياق التطورات التي تعرفها البلاد وستعرفها مستقبلا، ومن خلال محاولة تحليل الخطابات السياسية الراهنة للأحزاب المنخرطة في هذه المعركة المبكرة، وتشريح الوعود التي تحملها يتضح أن جميع القوى السياسية والحزبية تسعى إلى أن تكون جزءا من الحكومة المرتقب تشكيلها في نهاية سنة 2026، وهي الحكومة، التي يعتقد على نطاق واسع أنها ستكون الحكومة المشرفة على الترتيبات النهائية لاستضافة جزء من فعاليات مونديال 2030 "حكومة المونديال".
 
وليس مستغربا أن تنتقل عدوى هذه الحدة التي لوحظت على الساحة السياسية إلى قطاعات اقتصادية حيوية باتت تشهد موجة غلاء فاحش غير مبررة من الناحية الاقتصادية ولا تواكب القدرة المالية لأغلبية المواطنين المغاربة، بل إنها ضد منطق قواعد السوق، وخاصة قاعدة العرض والطلب، كما هو حاصل في القطاع العقاري، ولاسيما في المدن الست التي ستحتضن مباريات كأس العالم ؛ الأمر الذي قد يقود إلى حالة ركود غير مسبوقة كما حذر من ذلك بنك المغرب، وهو مؤسسة رسمية وسيادية بامتياز لا يمكن تسييس تقاريره.
 
ورغم هذا التحذير ذي الطابع الرسمي، الذي يفترض أن يدفع إلى التريث وعدم التسرع يبدو أن تسويق ما ينتظر من حصيلة إيجابية تعم الجميع من وراء تنظيم المونديال يسير بسرعة قطار البراق، وليس سرعة القطار المتجه نحو الجهة الشرقية. والخشية أن نصحو بعد المونديال على سراب مثل ذلك الذي صحا عليه أهالي قرية في ريف مصر في أحداث فيلم "زيارة السيد الرئيس" للفنان المبدع الراحل محمود عبد العزيز.
 
في هذا الفيلم يؤدي الفنان محمود عبد العزيز دور عون سلطة عليه ليس فقط أن ينشر بين سكان القرية خبر زيارة مرتقبة للرئيس الأمريكي لقريتهم، وإنما عليه أن يحفزهم ويعبئهم لتأمين استقبال كبير وفخم لضيف البلاد، وأن يؤطر استعداداتهم لذلك. وبفضل دوره هذا غدا خبر الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي للقرية حديث الساعة وحديث كل المجالس في المنطقة والشغل الشاغل لأهلها بشكل تفتق معه الخيال الخصب لدى العديد من السكان، إذ بدأ بعضهم يسهب في تصور وتصوير ما تحمله من خير وفير يعم الجميع.
 
ويأتي يوم الزيارة لتصطف الحشود على طول السكة الحديدية، الأطفال يحملون أكاليل الزهور، النساء تزغردن والكبار يرددون أهازيج لقنها لهم عون السلطة "الويلي ويليكوم للناس الحلوة دوم" في تعريب لكلمةwelcome الإنجليزية. غير أن المفاجأة الصدمة لأهالي القرية ستتمثل في أن القطار الذي يقل الرئيس الأمريكي لم يتوقف بمحطة القرية، واكتفى الرئيس بالتلويح بيديه للذين ينتظرون زيارته، فيما القطار يواصل مسيرته.