في زمن صار فيه "الاحتجاج الرقمي" أسرع من الضوء، و"الهاشتاغ" أقدر من النشرات الرسمية على تحريك الرأي العام، اختار الباعة الجائلون صنف الملابس الجديدة، في مقاطعة الحي الحسني بالدار البيضاء أن يعودوا إلى الوقفات، لإسماع صوتهم للسلطات، ففي 25 نونبر 2025، تجمع العشرات منهم أمام مقر مقاطعة الحي الحسني، ليس لإغلاق شارع، ولا لرفع شعارات حادة، بل لرفع مطلب بسيط، وهو تنظيم نشاطهم واحترام إنسانيتهم.
شعارهم كان واضحا : نعم للإصلاح نعم للإدماج.
وهي مفارقة جميلة إذ أنها أعطت صورة حضارية لباعة جائلين يطالبون بالإصلاح والإدماج.
من نتائج هذه الوقفة السلمية أن تم عقد لقاء رسمي، حضره رئيس مقاطعة الحي الحسني الطاهر اليوسفي وبعض ممثلي وسائل الإعلام، وتم خلاله تحرير محضر اجتماع ستتم مناقشة النقط المدرجة فيه لاحقا في ندوة صحفية لتنوير الرأي العام، وهي خطوة أعطت الانطباع لهؤلاء الباعة الجائلين بأن الإدارة قررت أخيرا الإنصات لهم بدل تجاهل ملفهم المطلبي.
هذه المبادرة، كما يبدو، ليست مجرد اجتماع عابر، بل إشارة قوية إلى أن المقاربة الأمنية والقرارات المباغتة لم تعد تنفع. اليوم، الحل يبدأ من الاعتراف بأن البائع المتجول لا يقوم بفعل يندرج فيما يمكن تسميته "احتلال عشوائي"، بل مواطن يدفع ثمن البطالة أو انعدام فرص الشغل أو هشاشة اجتماعية تركته خارج السوق المنظمة.
إن ما حدث في الحي الحسني يفتح سؤالا اكبر :
هل يمكن للبائع الجائل أن يفرض إصلاحا حقيقيا وأين من يفترض أن ينوب عنهم ويدافع عن حقهم في تجارة تحفظ كرامتهم ؟.
ويرى العديد من المهتمين بالشأن المحلي بالمنطقة، أن هذه الخطوة يمكن أن تشكل بداية مسار جديد، يمكن أن يعيد كرامة الباعة ويضمن لهم فضاء لائقا داخل أسواق مهيكلة، بدل مطاردتهم في الأزقة وكأنهم يقومون بجرم "يجب القضاء عليه"، لا مواطنون يبحثون عن قوت يومهم.
وفي انتظار ما ستسفر عنه الندوة الصحفية، يبقى الدرس الأكبر الذي قدمه "فراشة الحي الحسني للملابس الجديدة"، هو أن النضج دائما أقوى من الفوضى، وأن الحوار يمكن أن يفتح أبوابا كانت تبدو للجميع مغلقة.