طارق الشعرة: أي دور للإعلام في مشروع الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية؟

طارق الشعرة: أي دور للإعلام في مشروع الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية؟ طارق الشعرة
إن مبادرة الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية تطرح إشكالا حقيقيا، وهو أي نموذج إعلامي جهوي سيتم اعتماده في هذه المناطق، هل سيتم منح صلاحيات تدبير هذا المجال الحيوي لسلطات الحكم الذاتي، بمعنى تتمتع باختصاصات إنشاء إعلام عمومي سمعي ـ بصري وفق النموذج الإسباني، مثل ما هو معمول به في الجهات ذات القوميات التاريخية مثل "كطالونيا" و"إقليم الباسك" و"غاليسيا" وفي باقي الجهات الأخرى، أم سيبقى هذا الإختصاص من مهام وصلاحيات السلطات المركزية؟.
 
إن منح اختصاص حق إنشاء و تدبير الإعلام السمعي ـ البصري في المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي له أهميته، من حيث تأثيره على إبراز الخصوصيات والتنوع الثقافي ومواكبة الشأن العام الجهوي والمحلي وصناعة النخب السياسية، ويشكل عنصر مهم لنجاح الحكم الذاتي، بل قد يشكل أحد معالم هذا التنظيم، لكن هذه العملية وإن كانت لها أهميتها، فهي في نفس الوقت محفوفة بالمخاطر، ونجاحها رهين بعدم حدوث انزلاقات في تدبير هذا المجال وفي محتوى ومضمون الرسالة الإعلامية، بمعنى، يجب الإستفادة من التجارب المقارنة للإعلام الإسباني في المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي، حيث أن الإعلام الجهوي في هذه المناطق وإن كان يشكل أحد معالم هذا النظام، إلا أنه ساهم في تأجيج النزاع ودعم الفكر الإنفصالي )كطالونيا ( مثلا بحجة الدفاع المبالغ فيه عن الهوية الثقافية المحلية، بمعنى أنه لا ينبغي التطرف في الدفاع عن الهوية أو الخصوصيات اللغوية أو الثقافية المحلية، بحيث يجب أن يكون هناك نوع من التوازن بين إبراز الهوية الوطنية والخصوصيات الجهوية والمحلية في إطار الوحدة الوطنية ) التنوع في إطار الوحدة (، بمعنى أن مبادرة الحكم الذاتي لا ينبغي أن تفضي إلى تشكيل إعلام جهوي سمعي ـ بصري منغلق فقط على ذاته، يكرس مهامه في إبراز الخصوصيات الجهوية على حساب ما هو وطني ودولي، وبالتالي فإن النتيجة هي صناعة رأي عام منعزل و غير مطلع على ما يجري من حوله في باقي الجهات والمناطق الخارجة عن دائرة الحكم الذاتي.
 
إن تأثير الإعلام باعتباره صانعا للرأي الرأي العام، تظهر أثاره إلا على المدى البعيد وعلى سلوك الأجيال القادمة، وبالنظر إلى التجارب المقارنة فإن تأثير إعلام المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي كان له تأثير على المواطنين، مثلا في "كطالونيا" من خلال دعم الفكر الإنفصالي خلال الأحداث التي عرفتها سنة 2017 ، وبالتالي ينبغي الإستفادة من هذه التجارب، ولا يجب الإنتظار مرور 25 سنة لتقييم تأثير الإعلام في منطقة الحكم الذاتي على الوحدة الوطنية، ولهذا يجب التفكير من الآن حول دراسة ماهي السيناريوهات الممكنة التي يمكن اعتمادها في تدبير الإعلام في مشروع الحكم الذاتي تضمن تعزيز الوحدة الترابية وتبرز الشأن المحلي وتقضي على الفكر الإنفصالي، على اعتبار أن الإعلام شأن عام وطني يهم جميع المغاربة والسيادة المغربية وليس شأن منطقة أو جهة معينة.
 
وبالتالي فإن التحدي الرئيسي لمهام الإعلام بغض النظر عن كيفية تدبيره في ظل مشروع الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية، وهو أنه ينبغي أن يساهم في تعزيز الوحدة الوطنية وإبراز التنوع الثقافي والخصوصيات المحلية.
 
وبموازاة مهام تعزيز الوحدة الترابية، فإن مبادرة الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية تفرض على الإعلام المغربي القيام بدور حيوي في الحفاظ على التنوع الثقافي بالمناطق الصحراوية من خلال توثيق التراث والثقافة الحسانية باعتباره كجزء من الهوية الوطنية للمملكة المغربية، وتوفير مساحات للحوار الثقافي، وهو ما راكمه المغرب في تجارب مختلفة، وبالتالي فإن أدوار الإعلام في الحفاظ على التنوع الثقافي في غاية الأهمية، فالإعلام يعزز التواصل والتبادل الثقافي مع الثقافات الأخرى بطريقة إيجابية، مما يقدم الهوية الوطنية بصورة جيدة ويعزز مكانتها دوليا، حيث يسعى الإعلام إلى ترسيخ المسؤولية الاجتماعية لحماية الحقوق الثقافية وتنمية الحوار المجتمعي، من أجل دعم المواطنة الثقافية للمواطنين.
 
إن اعتماد الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية يفرض تحديات على الإعلام المغربي بمختلف أنواعه وأشكاله، فالصحافة المغربية خاصة الإعلام الجهوي تبقى على عاتقه مهمة مواكبة تنزيل كل تفاصيل هذه المبادرة، في حين أن الإعلام الوطني سيكون في تحدي مهم أمام الصحافة الجهوية لكسب رهان المنافسة التي ستعرفها الساحة الإعلامية، حيث أن التجارب الإسبانية في مناطق الحكم الذاتي أثبتت أن الصحافة الجهوية سواء المكتوبة والإلكترونية والسمعية ـ البصرية هي الأكثر رواجا واستهلاكا من قبل مواطني هذه المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي، وهو ما يعني أن تفعيل الحكم الذاتي يشكل دفعة قوية وانتعاش للصحافة الجهوية التي تجد مناخ سياسي و اقتصادي مشجع للإعلام، حيث أن الاستثمارات الإعلامية قد تعرف نموا متزايدا في ظل تنظيم الحكم الذاتي، وقد يجد الإعلام الجهوي فضاءا واسعا للرواج، باعتباره أكثر قربا من المواطن، وبالتالي على الصحافة الوطنية أن تضاعف من مجهوداتها في إطار المواكبة لتكون أكثر قربا من المواطن لكسب رهان هذه التحديات، وذلك في إطار التعاون والتكامل بين ما يقدمه الإعلام الجهوي والوطني، على اعتبار أن إنجاح وتفعيل وترسيخ الحكم الذاتي ليس مهمة الإعلام الجهوي فقط بل هو من المهام الأساسية للإعلام الوطني، باعتبارها مبادرة وطنية نابعة من السياسة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس وتحضى بدعم من مجلس الأمن ومن المجتمع الدولي لحل مشكل النزاع المفتعل بالأقاليم الجنوبية.
 
وعلى الرغم من أن معدل توزيع ورواج الصحافة الجهوية بالمغرب ضعيف جدا، إلا أن اعتماد نظام الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية، من شأنه أن يعطي لهذه الصحافة دفعة قوية وسيساهم بكل تأكيد في نموها، وبالتالي ستصبح منافسا قويا للصحافة الوطنية التي ينبغي عليها أن تبحث عن استراتيجيات مناسبة لتعزز مكانتها بهذه المناطق التي تتمتع بإمكانيات كبيرة لنمو وازدهار الإعلام بشكل عام.
 
إن الإعلام بشكل عام سواء المحلي أو الجهوي أو الوطني بمنطقة الحكم الذاتي، يمكن أن يشكل وسيلة أساسية لتعزيز الثقة في المسلسل الديموقراطي التي ستعرفه المنطقة وتحفيز مشاركة المواطنين في الحياة السياسية خلال مرحلة تنفيذ هذا المشروع، على اعتبار أن الصحافة تشكل الحارس الأمين على ضمان نجاح هذه المبادرة من خلال التتبع والمواكبة والمراقبة.
 
إن أهم تحدي للإعلام المغربي في ظل مبادرة الحكم الذاتي، هو تعزيز التواصل المجتمعي، من أجل تحقيق التنمية المستدامة في المناطق الصحراوية المتمتعة بنظام الحكم الذاتي، على اعتبار أن المجتمع هو حجر الأساس في تحقيق التنمية المحلية وله دور هام وكبير في التأثير على مستوى التنمية المحلية والجهوية.
 
غير أن تفعيل التواصل المجتمعي من قبل الإعلام المغربي، يقتضي توضيح العديد من القضايا التي يحتاج فيها المتلقي إلى معرفة المزيد من الإيضاحات حولها مثل صلاحيات واختصاصات سلطات الحكم الذاتي، حيث يبقى الإعلام أهم وسيلة لمعرفة تفسير وشرح ما يدور حولهم وتحسين فهم المتلقين لمختلف القضايا المتعلقة بالحكم الذاتي، ومن هنا يأتي اهمية دوره في رصد دور وسائل الإعلام في تحقيق التواصل المجتمعي.
 
إن مرحلة تنفيذ الحكم الذاتي تحتاج إلى المزيد من التواصل بين الفاعل الترابي سواء محليا وجهويا وبين وسائل الإعلام، والتغلب على مختلف معيقات العملية التواصلية، فالعلاقة بين الطرفين يجب أن تتميز بالتفاهم والتعاون والحوار المتبادل، فهي علاقة مشتركة ولكل من طرفيها له دور من أجل خدمة مصالح المجتمع وحسن تنزيل مبادرة الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية، فالفاعل الإعلامي يحتاج إلى المسؤول الترابي في إنتاج مواده الإعلامية المختلفة، انطلاقا من مسؤوليته الاجتماعية تجاه أفراد المجتمع، فهم ينظرون إليه باعتباره فاعل بوسيلة إعلامية تمكنهم من خلالها الوصول إلى المسؤول المعين والقادر عن الإجابة عن تساؤلاتهم، في حين أن المسؤول الترابي يبقى في حاجة دائما لأن يكون على علاقة مستمرة مع الإعلام لأنه وسيلته في التواصل مع المواطنين وتوضيح مواقفه باستمرار حول القضايا التي تشغل الرأي العام.