الأحزاب السياسية المغربية تحت مجهر السؤال..
في خضم التحولات التي يعيشها المغرب سياسيا واجتماعيا، يتجدد النقاش حول سؤال جوهري: هل ما تزال الأحزاب السياسية المغربية وفية لمبدأ تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة؟ هذا السؤال لم يعد ترفا فكريا، بل أصبح ضروريا لفهم مدى قدرة الفاعل الحزبي على مواكبة انتظارات المواطنين وضمان فعالية الوساطة السياسية.
تجمع الأدبيات السياسية على أن المصلحة العامة هي الأساس الذي يفترض أن يقوم عليه العمل الحزبي، وأن الأحزاب يجب أن تكون قناة تعكس انشغالات المجتمع وتترجمها إلى سياسات عمومية.
غير أن الممارسة اليومية تكشف في بعض الأحيان عن فجوة بين الخطاب والممارسة، حيث تظهر تأثيرات المصالح الفئوية أو الحسابات القصيرة المدى، سواء داخل التنظيمات أو في تحالفاتها.
ويعتبر اختيار المرشحين وتزكيتهم أحد أهم المؤشرات التي تظهر مدى التزام الأحزاب بالمصلحة العامة، فحين تكون التزكية قائمة على الكفاءة، والنزاهة، والقدرة على تدبير الشأن المحلي أو الوطني، فإن الحزب يؤكد بذلك انحيازه للصالح العام.
لكن حين تتحكم الإعتبارات الشخصية أو الولاءات الداخلية في اختيار المرشحين، فإن المصلحة العامة تصبح مهددة، ويتعرض الحزب لفقدان الثقة داخليا وخارجيا.
الكفاءة لم تعد شعارا، بل أصبحت شرطا أساسيا لأي مرشح يرغب في تحمل المسؤولية العمومية، فالمواطن اليوم أكثر وعيا، وأكثر قدرة على تقييم قدرة المنتخب على إحداث التغيير.
ومن بين التحديات الكبرى التي تواجه الأحزاب المغربية أيضا مدى الوفاء بالوعود الإنتخابية.
فالبرامج الإنتخابية غالبا ما تكون مليئة بالوعود، غير أن جزءا كبيرا منها لا يجد طريقه إلى التنفيذ، إما بسبب ضعف التخطيط، أو غياب المتابعة، أو عدم انسجام الفرق المنتخبة.
الوفاء بالوعود ليس فقط التزاما قانونيا أو أخلاقيا، بل هو مؤشر مباشر على احترام المصلحة العامة.
فحين يلمس المواطن نتائج ملموسة لما وعد به، فإن ثقته في العمل السياسي تتعزز، ويصبح الحزب شريكا حقيقيا في التنمية.
إن التحولات الإجتماعية والإقتصادية الراهنة تفرض على الأحزاب المغربية إعادة التفكير في طرق اشتغالها، وفي علاقاتها بالمواطنين، وفي آليات صناعة القرار داخلها.
فالمرحلة تحتاج إلى نخب متمرسة، ومرشحين أكفاء، وبرامج واقعية، وتواصل دائم، بعيدا عن منطق المناسباتية والوعود غير القابلة للتطبيق.
وهكذا فإن تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة لم يعد مجرد شعار سياسي، بل أصبح شرطا أساسيا لتجديد الثقة بين المواطن والفاعل الحزبي.
وتزكية مرشحين أكفاء، والوفاء بالوعود الإنتخابية، والإلتزام بالإستحقاق الديمقراطي، كلها خطوات ضرورية لإعادة الإعتبار للأحزاب كفاعل أساسي في بناء المغرب الذي يطمح إليه الجميع.
فالمستقبل السياسي لن يكون للأحزاب التي ترفع الشعارات فقط، بل للتي تجسد هذه الشعارات في الميدان، وتعتبر الكفاءة والنتائج معيارها الأول لخدمة الصالح العام.