زيارة تعيد رسم الشرق الأوسط: قراءة استراتيجية في التقارب السعودي–الأمريكي

زيارة تعيد رسم الشرق الأوسط: قراءة استراتيجية في التقارب السعودي–الأمريكي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب
الزيارة التي يقوم بها حاليا ولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة، والاستقبال اللافت الذي خصّه به الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لم تكن حدثاً بروتوكولياً عادياً، بل خطوة تحمل أبعاداً استراتيجية عميقة تعكس تحوّلاً في مسار العلاقات بين الطرفين وفي ملامح المرحلة المقبلة في الشرق الأوسط. واشنطن – خصوصاً مع عودة ترامب – تبحث عن إعادة تثبيت موقع السعودية داخل محورها الاستراتيجي، لأن السنوات الأخيرة أظهرت انفتاح الرياض على الصين وروسيا وتطويرها لسياسة خارجية أكثر استقلالاً. الولايات المتحدة تدرك أن ترك السعودية تتحرك بعيداً عن نفوذها سيمنح بكين وموسكو مكاسب هامة في الطاقة، والتكنولوجيا، والتموقع الجيوسياسي. لذلك جاءت الزيارة لتأكيد استعداد واشنطن لفتح مسارات جديدة في التعاون الدفاعي المتقدم، والاتفاقات النووية المدنية، واستيعاب استثمارات سعودية ضخمة في التكنولوجيا الأمريكية وقطاع الذكاء الاصطناعي.
 
من جانب السعودية، الزيارة ليست مجرد إعادة تنسيق للعلاقات، بل إعادة تموضع كبرى. القيادة السعودية تدرك حجم التحوّل العالمي الجاري: انتقال في موازين القوة، سباق تكنولوجيات متقدمة، وصراع بين القوى الكبرى على النفوذ. في هذا السياق، تحتاج المملكة إلى علاقة مستقرة وقوية مع واشنطن، ليس فقط لضمان التكنولوجيا والسلاح والغطاء السياسي، بل أيضاً لتثبيت موقعها كقوة إقليمية أولى وقائد رئيسي في الملفات العربية والإسلامية. الاستقبال الحار الذي خصّ به ترامب ولي العهد لم يكن مجاملة دبلوماسية بقدر ما كان اعترافاً بدور الرياض المتصاعد في المعادلة الدولية وبدخولها مرحلة جديدة من الثقل السياسي والاقتصادي.
 
التقاطع بين مصالح ترامب والرياض كان واضحاً. ترامب يبحث عن المكاسب الاقتصادية والسياسية التي يمكن أن يسوقها داخلياً: استثمارات بمليارات الدولارات، صفقات دفاعية، وتعزيز صورته كرجل صفقات كبرى. وفي المقابل، تمنح القيادة الأمريكية لولي العهد مساحة واسعة للتحرك في ملفات حساسة: التعاون العسكري المتقدم، الاتفاق النووي المدني، وتعزيز دور السعودية في تحديد مستقبل المنطقة، خصوصاً في ملف غزة. هكذا تتحول الزيارة إلى صفقة استراتيجية شاملة تخدم الطرفين، كلٌّ حسب أولوياته.
 
أثر هذه الزيارة يتجاوز واشنطن والرياض إلى بقية الإقليم. إيران تنظر بقلق طبيعي إلى أي تعزيز للتعاون الأمني بين الولايات المتحدة والسعودية، خصوصاً إذا تضمن تكنولوجيا عسكرية متقدمة. إسرائيل من جهتها قد تستفيد على المدى القريب من بقاء السعودية في المدار الأمريكي، لكنها ستجد نفسها أمام واقع جديد على المدى المتوسط، حيث تتحول الرياض إلى قوة عسكرية وسياسية متقدمة يصعب تجاوزها في أي ترتيبات مستقبلية، خصوصاً بوجود ملف الطائرات المتقدمة والبرنامج النووي المدني. أما الدول العربية الأخرى – تركيا، الإمارات، قطر، مصر – فستتعامل مع واقع إقليمي جديد تتقدم فيه السعودية إلى موقع اللاعب الأهم في رسم التوازنات.
 
المرحلة المقبلة مرشحة لظهور شراكة استراتيجية طويلة المدى بين الرياض وواشنطن تشمل تعاوناً دفاعياً وتكنولوجياً وطاقياً غير مسبوق، ودوراً سعودياً متنامياً في تشكيل التسوية السياسية المقبلة في غزة، مقابل دعم أمريكي واضح في قضايا الأمن والاقتصاد والتحول التكنولوجي. ورغم ذلك، تبقى عوامل هشاشة قائمة مثل حساسية ملف حقوق الإنسان داخل الكونغرس، تقلّبات أسعار النفط، وإمكانية تغيير الإدارة الأمريكية في الانتخابات المقبلة.