أشطوط: معرض الكتاب الجهوي بالطنطان.. لحظة فكرية وأكاديمية مع عبد الخالق حسين

أشطوط: معرض الكتاب الجهوي بالطنطان.. لحظة فكرية وأكاديمية مع عبد الخالق حسين أسلامة أشطوط
تعد محاضرة "الأخلاق النبوية تتجلى في المسيرة الخضراء" التي قدمها الأخ والصديق الدكتور عبد الخالق حسين بقاعة العروض بالمعرض الجهوي للكتاب بالطنطان، لحظة معرفية وروحية متميزة، استعاد فيها الحضور عمق القيم التي شكلت جوهر حدث المسيرة الخضراء، وربط من خلالها بين الهدي النبوي في السلوك والتدبير، وبين فلسفة هذا الحدث الوطني الذي صاغ ملامح مرحلة جديدة في تاريخ المغرب المعاصر.
 
كان اللقاء مناسبة لإحياء صلة الرحم العلمية والإنسانية، فقد جمعني بالدكتور عبد الخالق منذ أن كنا نقتسم المقاعد في ثانوية محمد الخامس، حيث لمسنا فيه، منذ مراحل الدراسة الأولى، نبوغا مبكرا وحرصا شديدا على التحصيل، خاصة في ميادين العلوم الإسلامية التي كان متمكنا من مفاهيمها ومتونها وأبعادها الأخلاقية. وقد بدا هذا التميز واضحا في محاضرته التي قدمها بروح الباحث الجاد والمنهجي، وبأسلوب حماسي وعميق استوعب أبعاد الموضوع واستحضاراته الدينية والتاريخية والفكرية.
 
المحاضرة قدمت قراءة رصينة في الأخلاق النبوية باعتبارها إطارا جامعا لقيم الحوار، السلم، الحكمة، والتدبير الهادئ للأحداث، مبينة كيف استندت فلسفة المسيرة الخضراء على هذه القيم في تنظيم الحشود، وفي ضبط السلوك الجماعي، وفي استحضار روح المسؤولية الوطنية الجامعة. كما عالجت الندوة الجوانب الروحية التي رافقت هذا الحدث، وكيف أسهمت الأخلاق في تحويل المسيرة من مجرد فعل سياسي إلى مشروع قيمي تتجدد دلالاته في الوعي الجماعي للمغاربة.
 
أما على المستوى الأكاديمي، فقد كانت المحاضرة نموذجا في احترام منهج البحث، عبر ربط النصوص الدينية بالسياقات التاريخية، واستجلاء دلالاتها على مستوى التدبير الاجتماعي والسياسي في زمن الرسول ﷺ، ثم إسقاط هذه القيم على حدث المسيرة باعتباره نموذجا في القيادة الحكيمة والرؤية البعيدة.
 
كان اللقاء، بكل تفاصيله، لحظة ممتعة ماتعة، امتزج فيها الحنين لرفقة الدراسة بعمق المعرفة التي حملها الأستاذ عبد الخالق، وبتجديد صلة الروح بالحدث الوطني الذي لا يزال يضيء الذاكرة المغربية. لقد شكلت الندوة إضافة نوعية في فضاء المعرض الجهوي للكتاب، وأكدت الدور الذي تلعبه الثقافة في ترسيخ قيم المواطنة واستحضار الذاكرة في بعدها الأخلاقي والإنساني.

كانت هذه الندوة أيضا مناسبة خاصة حملت في طياتها لحظة رمزية بالغة الدلالة، إذ قام السيد العامل المحترم صحبة السيد الكاتب العام المحترم بجولة داخل أروقة المعرض الجهوي للكتاب، وهي جولة لم تكن مجرد عبور بروتوكولي عابر، بل حملت رسائل متعددة تعكس اهتمام السلطات الإقليمية بالشأن الثقافي، ووعيها العميق بالدور الذي يلعبه الكتاب في صيانة الذاكرة وتثمين المعرفة.
 
لقد بدت الجولة بمثابة إعلان واضح بأن الثقافة ليست هامشا يُزار في المناسبات، بل رافعة أساسية للتنمية ورمز لحيوية المجتمع. فالسيد العامل، وهو يتنقل بين الأجنحة، كان يطلع على الإصدارات ويستمع إلى شروحات المنظمين والفاعلين، مما أعطى انطباعا إيجابيا لدى الحاضرين وجعلهم يشعرون بأن الكتاب يحظى بالاهتمام الرسمي الذي يستحقه.
 
ولعل أبرز ما حملته هذه الجولة من دلالات:
- دعم المؤسسة الرسمية للمبادرة الثقافية
- تثمين الجهد المحلي في الإبداع والبحث
- تعزيز صورة المعرض كواجهة ثقافية للمدينة
- إشعار الحاضرين بأهمية الثقافة في بناء الوعي الجماعي

كل خطوة داخل أروقة المعرض كانت بمثابة رسالة بأن الثقافة حاضرة في قلب الاهتمام العمومي، وأن الكتاب يظل ركيزة في تنزيل قيم المواطنة والمعرفة.
 
بهذه الدلالات مجتمعة، تحولت الجولة من مجرد حدث بروتوكولي إلى إشارة قوية تؤكد أن الثقافة في الطنطان تصنع بتكامل الجهود، الرسمية منها والمدنية، وأن الكتاب سيظل دائما في صدارة المشهد المعرفي للمدينة.