مصطفى عنترة: رمزية الإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال وقضية الصحراء المغربية

مصطفى عنترة: رمزية الإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال وقضية الصحراء المغربية مصطفى عنترة
لا يمكن فهم الإفراج عن بوعلام صنصال بمعزل عن التحولات الاستراتيجية التي يعرفها ملف الصحراء المغربية خلال الأشهر الأخيرة. فالعفو عن كاتب اعتقل بسبب تصريح متعلق بالحدود الغربية للجزائر المصطنعة من قبل الاستعمار الفرنسي، يأتي في لحظة دولية دقيقة، أعادت رسم ميزان القوى الإقليمي، وتزامنت مع تبني مجلس الأمن للقرار 2797 الذي رسّخ مقاربة الحكم الذاتي بوصفها الحل الواقعي والعملي، وفتح الباب أمام اصطفافات جديدة داخل مجلس الأمن بعد امتناع روسيا والصين عن الاعتراض.

بوعلام صنصال، الكاتب المشاغب فكريا والمعجب بألبير كامو وجورج أورويل، ظلّ إسما بارزا في المشهد الثقافي الفرنسي والجزائري. رجل لا يجيد التلوّن ولا يجامل السلطة، فدفع ثمن جرأته عاما من السجن في وطنه الأم قبل أن يُفرج عنه في خطوة حملت دلالات أعمق مما ورد في البيانات الرسمية. وقد تحوّل اسمه من كاتب متمرد إلى رمز جديد للانقسام السياسي بين باريس والجزائر.

يحمل الإفراج عنه دلالات متعددة، أبرزها محاولة الجزائر تخفيف الضغط الدولي بعد تراجع قدرتها على تعبئة حلفائها التقليديين داخل مجلس الأمن. فالواقع الجديد يشير بوضوح إلى أن العالم يتجه نحو تسوية سياسية لا مكان فيها لأطروحة الانفصال ولا لخطاب التصعيد الذي اعتادت عليه الدبلوماسية الجزائرية.

ورمزية الإفراج لا تكمن في إنهاء الاحتجاز فحسب، بل في الاعتراف الضمني بعجز الدولة الجزائرية عن تحمّل الكلفة السياسية لاستمرار هذا الاعتقال. فصنصال شخصية تحظى بتقدير واسع داخل أوساط اليمين الفرنسي، وتحولت قضيته إلى ورقة تستخدمها باريس للضغط في ملفات حساسة، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية التي تمثل أحد محاور التوتر البنيوي بين البلدين منذ سنوات.

اعتقل صنصال لأنه تحدث عن حدود تاريخية تعود إلى المجال الترابي للمغرب. واليوم، وفي ذروة النقاش الدولي حول سيادة المغرب على الصحراء، يصبح الإفراج عنه اختبارا جديدا للجزائر: هل ستواصل نهج قمع الخطاب الداخلي، أم ستتجه نحو براغماتية أكبر في تعاملها مع المجتمع الدولي؟

لقد كان موقف صنصال من قضية الصحراء أحد الأسباب المركزية التي جرت عليه غضب النظام الذي يعتبر هذا الملف عماد سياسته الخارجية ودبلوماسيته، ودخل بسببه في خلافات مع عدة دول، من بينها فرنسا. وعليه، لم يكن سجنه سوى عقاب سياسي مباشر على تصريحاته وعلى المواقف الفرنسية المؤيدة لمخطط الحكم الذاتي. وعندما اضطر النظام إلى الإفراج عنه بعد فشل محاولاته التأثير على باريس أو تغيير موقفها، بدا الأمر أشبه بانتكاسة جديدة تضاف إلى سلسلة الإخفاقات التي تواجهها الدبلوماسية الجزائرية.

ويحمل الإفراج عن صنصال رسالة موجهة إلى الرباط، مضمونها الانفتاح التكتيكي بدل التصعيد. فمن خلال قرار العفو، تحاول الجزائر الإيحاء بأنها ما تزال تتحكم في إيقاع الأزمة، لكنها في الواقع تساير تحولات جيوسياسية لم تعد لصالحها.

فالقرار الأممي الأخير منح المغرب زخما دبلوماسيا غير مسبوق، وكرس الحكم الذاتي كمرجعية دولية. والجزائر، بتخفيفها الضغوط حول ملف صنصال، تبعث بإشارة إلى رغبتها في الإبقاء على حد أدنى من قنوات الحوار، في ظل تقلّص هامش المناورة.

ومع تزايد دعم المجتمع الدولي للمقاربة المغربية، تعمّقت عزلة الجزائر. لذلك كان لزاما عليها إظهار قدر من البراغماتية لإعادة ترميم صورتها لدى العواصم الأوروبية.

وهكذا، فالإفراج عن بوعلام صنصال ليس خطوة إنسانية ولا إجراء قانونيا عاديا، بل لحظة سياسية تكشف هشاشة الرواية الرسمية حول الصحراء، وتظهر أن اعتقال كاتب لن يغيّر موازين القوى الدولية. فالقرار الأممي الأخير، إلى جانب التحول الأوروبي المتسارع نحو دعم المقترح المغربي، جعلا من صنصال رمزا غير متوقع لصراع أكبر: صراع بين خطاب رسمي مغلق وخطاب دولي يتجه بثبات نحو دعم الواقعية السياسية.

إن الإفراج عن بوعلام صنصال مؤشر على لجوء الجزائر إلى تعديل خطواتها بعدما أدركت أن الرياح الدولية تهبّ في اتجاه يعزز موقع المغرب في الصحراء ويقلص من فاعلية أساليبها التقليدية داخل المؤسسات الدولية.

وبذلك يصبح إطلاق سراح صنصال، الذي قال يوماً عندما سئل عن المغرب: "فرنسا لم تستعمر المغرب، لماذا؟ لأنه دولة عظيمة. من السهل استعمار أشياء صغيرة ليس لها تاريخ"، حدثا يتجاوز تحرير فرد واحد؛ إنه إشارة إلى حدود القدرة الجزائرية على التحكم في الأصوات المعارضة، وإلى تآكل الرواية الرسمية التي استُعملت لعقود في مواجهة المغرب.

إنها اللحظة التي يدرك فيها النظام أن إسكات كاتب لن يغير مسار التاريخ، وأن معركة الصحراء تحسم اليوم في نيويورك وباريس وبرلين، لا في المحاكمات المغلقة.
 

  د. مصطفى عنترة، باحث جامعي