أنور الشرقاوي: أكديطال والخريطة الصحية للمغرب.. توسّع مشروع أم هيمنة بالساكوتي؟

أنور الشرقاوي: أكديطال والخريطة الصحية للمغرب.. توسّع مشروع أم هيمنة بالساكوتي؟ أنور الشرقاوي
الجدل الذي يعيشه الوسط الطبي المغربي اليوم يتجاوز بكثير رسالةً وُجّهت إلى أطباء القطاع الخاص من طرف المدير العام لأحد أكبر المجموعات الصحية.
نحن أمام سؤال استراتيجي جوهري: ما الدور الحقيقي الذي يجب أن تلعبه المجموعات الطبية الكبرى في إعادة تشكيل المنظومة الصحية الوطنية، في وقت يسعى المغرب إلى ردم الهوة الصحية بين الجهات وتحسين الولوج إلى العلاج؟
المدير العام لمجموعة أكديطال يؤكد في رسالته لأطباء القطاع الخاص أن مشروع “مراكز التشخيص” يأتي استجابة لحاجة مواطنية ملحّة: تعويض الفراغ الطبي في المناطق المهمّشة. 
ويشدّد على أن اختيار المدن الصغيرة، التي يقل عدد سكانها عن 60 ألف نسمة، هدفه تلبية حاجات الساكنة التي تفتقر إلى بنية تحتية صحية أساسية، مؤكداً أن هذه المراكز ليست موجّهة لمنافسة الأطباء المتخصصين ولا مراكز الأشعة القائمة.
وهي رسالة تبدو مطمئنة في ظاهرها، لكنها تحتاج إلى مواجهة مع واقع الخريطة الصحية في المغرب.
صحيح أن أكديطال استثمرت في مدن طال انتظارها لوجود بنية صحية حديثة، مثل الرشيدية وگلميم والداخلة والعيون والناظور، غير أن الجزء الأكبر من توسّعها جرى في كبريات المدن المغربية.
الدار البيضاء، الرباط، مراكش، أكادير، طنجة والمُحمدية أصبحت اليوم محاور أساسية في منظومة المجموعة، بما توفره من مصحات حديثة وتجهيزات قوية واستراتيجية توسعية تعتمد منطق “التمركز” داخل المناطق الأكثر ربحية.
هذا المسار المزدوج — الاستثمار في المناطق الهشة من جهة، وترسيخ الحضور في الأقطاب الحضرية ذات القدرة الشرائية من جهة أخرى — يعكس رؤية صناعية واضحة أكثر مما يعكس مبادرة إنسانية خالصة.
المدير العام يؤكد أيضاً أن مراكز التشخيص الجديدة ستُدار من طرف أطباء عامّين، وستقتصر خدماتها على الإسعافات الأولية والفحوصات السريعة وتوجيه المرضى. لكن كيف يمكن ضمان ذلك عملياً؟
المنطق الإداري لهذا النموذج يعتمد على السيطرة على الحلقة الأولى من رحلة المريض: استقبالُه، تقييمُ حالته، ثم توجيهُه إلى جهة يختارها المركز. 
في المناطق المحرومة، قد يمثل هذا التطور نقلة حقيقية في الولوج للعلاج، وقد يشجع فعلاً على قدوم أطباء متخصصين لم تكن البنية التحتية تسمح لهم بالاستقرار.
لكن في المدن المتوسطة، حيث توجد بالفعل عيادات خاصة ومختبرات ومراكز أشعة مستقلة، تتخذ الصورة منحى آخر. 
فالمركز التشخيصي التابع لمجموعة قوية يمتلك ثقلاً اقتصادياً وصورةً تسويقية وجاذبية يصعب على الأطباء المستقلين منافستها.
 
 
في هذه المساحات، تصبح “التكاملية” الموعودة فكرة نظرية أكثر منها واقعية، ويبرز خطر المنافسة المباشرة، بل وإقصاء الفاعلين التقليديين تدريجياً. وفي المدن الكبرى، يتحول الخطر إلى واقع ملموس.
تجربة المراكز الحضرية تؤكد ذلك: فالمؤسسات التابعة لأكديطال تستقطب نسبة مهمة من المرضى، خصوصاً المؤمنين والمنخرطين في صناديق التغطية الصحية.
المختبرات ومراكز الأشعة الخاصة تشعر بضغط متزايد، والعيادات المتخصصة تلاحظ تحوّلاً في مسار المرضى نحو المصحات الكبرى المزوّدة بتسويق رقمي قوي وحضور مؤسساتي واضح.
هنا، تصبح القضية أعمق من مجرد توسّع مجموعة واحدة. إنها اختبار لقدرة المغرب، في 2025 وفي السنوات المقبلة، على تنظيم القطاع الصحي الخاص، وضمان تنوع الفاعلين، ومنع التمركز المفرط، والحفاظ على خريطة صحية عادلة.
فغياب تنظيم صارم، وخارطة صحية مُلزِمة، ورؤية وطنية واضحة لإدماج القطاع الخاص، يترك فراغاً تستفيد منه المجموعات الأكثر قوة وتنظيماً.
هل أكديطال مجرد مشروع توسع اقتصادي؟ الحقيقة أن نموذجها ساهم بلا شك في إدخال خدمات طبية متقدمة إلى مناطق عانت طويلاً من الهشاشة، وساهم أيضاً في جلب أطباء متخصصين لم يكن بإمكانهم الاستقرار في تلك المناطق سابقاً. 
وهي مكاسب حقيقية يجب الاعتراف بها، ويمكن أن تشكل أرضية لشراكة ذكية بين الفاعلين الصحيين، العموميين والخواص.
 
 
لكن هذه الشراكة تحتاج إلى شروط واضحة: شفافية، توازن، تنظيم، ورؤية صحية وطنية لا تسمح بانحراف المسار.
فسياسة صحية مبنية على الاستثمار الخاص دون ضوابط قد تؤدي في النهاية إلى تفاقم  منظومة علاجية بسرعتين او أكثر: واحدة للربح، وأخرى للهامش، فيما تختفي أصوات الفاعلين الصغار ويختل التوازن المحلي.
رسالة المدير العام لأكديطال يمكن أن تكون مدخلاً لحوار حقيقي. 
لكن هذا الحوار يجب أن يتجاوز الرسائل الداخلية والمخاطبات المهنية، وأن يتحول إلى نقاش وطني يشارك فيه الجميع: الدولة، الأطباء، الهيئات المهنية، شركات التأمين، الجماعات المحلية، وقبل الجميع المرضى.
فالرهان ليس توسّع مجموعة واحدة.
الرهان هو مستقبل الصحة في المغرب كله.
 
الدكتور أنور الشرقاوي / خبير في التواصل الطبي والإعلام الصحي