أثار التصريح الأخير لحمدي ولد الرشيد، رئيس جهة العيون الساقية الحمراء، لإحدى الإذاعات، نقاشاً واسعاً داخل الوسط السياسي الصحراوي. هذا الجدل، على حدّته، يعكس في جوهره حيوية المجتمع الصحراوي في واد نون وباقي جهات الصحراء المغربية، ويؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الفئة الاجتماعية تشكل رقماً صعباً لا يمكن القفز عليه في أي تسوية مستقبلية لقضية الصحراء. وعليه، فإن أي نقاش سياسي جدي حول الحكم الذاتي ينبغي أن يستحضر مصالح جميع الصحراويين، بلا إقصاء أو تهميش، باعتبار أنهم جميعاً معنيون بهذا الورش الوطني، و يشكلون الحضور الواسع في كل مفاصل سكان وساكنة الصحراء وفي جميع المؤسسات المدنية والإدارية وكذلك العسكرية.
من المسلم به أن قبائل واد نون، دون استثناء، قدّمت الكثير للوطن، وظلّت على الدوام في الصفوف الأمامية للدفاع عن الصحراء المغربية والمساهمة في إعمارها وتنميتها. كما أن من المهم التذكير بأن المناطق الواقعة جنوب الطاح، المعروفة سابقاً بـ"الكروشي"، أي المجال الجغرافي لواد نون عموماً، لا تدخل ضمن رقعة الأراضي المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو، وهو ما ردّده حمدي ولد الرشيد في تصريحه.
هذا النقاش يعيد إلى الأذهان سجالاً مشابهاً عرفته جبهة البوليساريو نفسها بخصوص البعد القبلي، وما عُرف آنذاك بـ"القبائل الأربع". فقد أدركت الجبهة، مع نهاية ثمانينيات القرن الماضي، أن إثارة هذا الموضوع لا يخدم مشروعها الانفصالي، وهو ما دفعها إلى وقف موجة الاعتقالات وممارسات التعذيب المرتبطة بتلك المرحلة. وفي سنة 1991، غيّرت الجبهة خطابها الدعائي، فوسّعت مطالبها السياسية لتشمل، إلى جانب مطلب "الاستقلال"، مناطق من الصحراء سمتها ب "جنوب المغرب"، وفتحت مناصب سياسية ووزارية أمام مختلف القبائل الصحراوية، رغم أنها عادت لاحقاً لتُجرِّم الخطاب القبلي وتدين العودة إليه.
كما يحيل هذا الجدل القائم اليوم إلى النموذج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية، الذي تم تقديمه أمام أنظار صاحب الجلالة الملك محمد السادس في نونبر 2015، بحضور رؤساء الجهات الجنوبية الثلاث رئيس مجلس جهة كلميم واد نون عبد الرحيم بن بوعيدة، ورئيس مجلس جهة العيون الساقية الحمراء حمدي ولد الرشيد، ورئيس مجلس جهة الداخلة واد الذهب ينجا الخطاط. وقد شكّل هذا الحضور المشترك إشارة قوية من أعلى سلطة في البلاد على أن الجهات الجنوبية الثلاث تتقدم في صف واحد ضمن رؤية متكاملة. ولا يمكن في هذا السياق إغفال الدور الطلائعي لقبائل واد نون في الدفاع عن الوحدة الترابية وفي مسار بناء الصحراء المغربية.
وبما أن تصريح ولد الحاج إبراهيم يفيد بأن منطقة واد نون غير معنية بالحكم الذاتي، أو لا تدخل ضمن نطاق الأراضي المتنازع عليها، فإن من الضروري التذكير بأنه كان ضمن الوفد المغربي المفاوض مع جبهة البوليساريو في مفاوضات جنيف (دجنبر 2018) ممثلاً لجهة العيون الساقية الحمراء، إلى جانب رئيس جهة الداخلة واد الذهب. وعليه، يمكن قراءة تصريحه باعتباره نقلاً لمعطيات مرتبطة بسير المفاوضات ومحدداتها الجغرافية والسياسية، وليس مجرد رأي شخصي معزول.
ولو كانت منطقة واد نون جزءاً من المجال الترابي موضوع النزاع، لكان من المنطقي أن يحضر رئيس جهة كلميم واد نون، عبد الرحيم بن بوعيدة، ضمن الوفد المغربي المشارك في تلك المفاوضات وهو الرجل المشهود له بالدفاع بكل استماتة عن الوحدة الترابية وقضايا الوطن الأساسية.
فالبعد القبلي حاضر بشكل أساسي في تشكيل مبادرة الحكم الذاتي لكن الأساس الجغرافي يبقى فقط على أساس الأراضي المتنازع عليها دون إقصاء لأي مكون قبلي في إطار مغرب موحد لافرق فيه بين المغاربة في جنوب المملكة ولا في شمالها كما جاء ذلك في الخطاب الملكي بمناسبة المصادقة على القرار الأممي 2797 حتى أن المغرب في حالة رفض 18 في المئة المشاركة في تنزيل الحكم الذاتي المغرب ملزم بتطبيق الحكم الذاتي ينصف 82 في المئة من الصحراويين الوحدويين المتواجدين في الإقليم موضوع القرار الأممي 2797 في زمن أقصاه 31 أكتوبر 2026.