قوانين المالية.. هل هي أرقام جافة أم أرقام تترجم توجهات وأجوبة على انتظارات؟!

قوانين المالية.. هل هي أرقام جافة أم أرقام تترجم توجهات وأجوبة على انتظارات؟!
في‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬تدعي‭ ‬فيها‭ ‬الحكومة‭ ‬أنها‭ ‬بصدد‭ ‬إحداث‭ ‬«طفرة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة»‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬لسنة‭ ‬2026،‭ ‬تؤكد‭ ‬المعارضة‭ ‬أنه‭ ‬قانون‭ ‬منفصل‭ ‬عن‭ ‬حرارة‭ ‬الانتظارات‭ ‬الاجتماعية‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الوثيقة‭ ‬المالية،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬العريقة‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬تشكل‭ ‬امتدادا‭ ‬للوعود‭ ‬الانتخابية،‭ ‬وتجسيدا‭ ‬واضحا‭ ‬لانتظارات‭ ‬الناخبين‭ ‬الذين‭ ‬صوتوا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأغلبية‭ ‬أو‭ ‬تلك،‭ ‬عوض‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬صيغة‭ ‬تقنية‭ ‬وجافة‭ ‬تشتغل‭ ‬أساسا‭ ‬بمنطق‭ ‬الأرقام‭ ‬والمؤشرات‭ ‬والاستبيانات،‭ ‬لا‭ ‬بمنطق‭ ‬الأثر‭ ‬الفعلي‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬المواطنين،‭ ‬ولا‭ ‬بمنطق‭ ‬إيجاد‭ ‬الحلول‭ ‬للمشاكل‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭.‬

فالنقاش‭ ‬الذي‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عموميا‭ ‬واسعا،‭ ‬وأن‭ ‬يمتد‭ ‬خارج‭ ‬مبنى‭ ‬البرلمان،‭ ‬انزاح‭ ‬نحو‭ ‬فضاء‭ ‬ضيق،‭ ‬مغلق‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬والبرلمان،‭ ‬وكأن‭ ‬الأمر‭ ‬مجرد‭ ‬تمرين‭ ‬بيرقراطي‭ ‬محاسبي‭ ‬داخلي‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬المواطنين‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬بل‭ ‬يعني‭ ‬الحكومة‭ ‬والنواب‭ ‬والمستشارين،‭ ‬أغلبيةً‭ ‬ومعارضةً‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الوطنية‭ ‬نفسها،‭ ‬سواء‭ ‬تلك‭ ‬التابعة‭ ‬للقطب‭ ‬العمومي‭ ‬أو‭ ‬الخاصة،‭ ‬والتي‭ ‬يُفترض‭ ‬أن‭ ‬تخلق‭ ‬صدى‭ ‬ونقاشا‭ ‬عاما‭ ‬حول‭ ‬رهانات‭ ‬السنة‭ ‬المالية‭ ‬وأن‭ ‬تفتح‭ ‬قنواتها‭ ‬وإذاعتها‭ ‬ومواقعها‭ ‬لاحتضان‭ ‬هذا‭ ‬النقاش‭ ‬وتبسيطه‭ ‬وتفسيره‭ ‬والدفاع‭ ‬عنه‭ ‬وفسح‭ ‬المجال‭ ‬للمعارضة‭ ‬والخبراء‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نقده‭ ‬وإظهار‭ ‬مكامن‭ ‬قوته‭ ‬وضعفه‭ ‬وتأثيرات‭ ‬بنوده‭ ‬وإجراءاته‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬العامة،‭ ‬تكاد‭ ‬تغيب‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي،‭ ‬مكتفية‭ ‬بمتابعة‭ ‬باردة‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬إعادة‭ ‬ما‭ ‬يُعلن‭ ‬رسميا،‭ ‬وأحيانا‭ ‬تغطيه‭ ‬بإيقاع‭ ‬حاد‭ ‬من‭ ‬التصفيق،‭ ‬أو‭ ‬«البروباغندا»‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ترقى‭ ‬إلى‭ ‬تحليل‭ ‬الخيارات‭ ‬الكبرى‭ ‬ولا‭ ‬مساءلة‭ ‬منطق‭ ‬الأولويات،‭ ‬مما‭ ‬حول‭ ‬قانون‭ ‬المالية،‭ ‬إلى‭ ‬حصان‭ ‬خاسر‭ ‬يتحرك‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬تقنية‭ ‬مغلقة،‭ ‬بينما‭ ‬ينتظر‭ ‬المجتمع‭ ‬وثيقة‭ ‬مالية‭ ‬تُعيد‭ ‬الثقة،‭ ‬وتستجيب‭ ‬للتحولات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬البلاد‭. ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يعثر‭ ‬المواطن‭ ‬بين‭ ‬الأرقام‭ ‬على‭ ‬أثر‭ ‬واضح‭ ‬لتحولات‭ ‬هيكلية‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والحماية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وهي‭ ‬المجالات‭ ‬التي‭ ‬شكّلت‭ ‬جوهر‭ ‬الوعود‭ ‬الحكومية،‭ ‬وأساس‭ ‬النموذج‭ ‬التنموي‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬تعاقد‭ ‬حوله‭ ‬المغاربة‭. ‬

ولأن‭ ‬الانتظارات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬اليوم‭ ‬أصبحت‭ ‬مفصلية‭ ‬بفعل‭ ‬تراكم‭ ‬الإحباط‭ ‬وغلاء‭ ‬المعيشة‭ ‬وتآكل‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬وتفاقم‭ ‬البطالة،‭ ‬بدا‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬الجديد‭ ‬كأنه‭ ‬لا‭ ‬يسمع‭ ‬دقات‭ ‬الواقع‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأرقام،‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬بها‭ ‬الحكومة،‭ ‬تُبنى‭ ‬على‭ ‬فرضيات‭ ‬متفائلة،‭ ‬بينما‭ ‬يشعر‭ ‬المواطن‭ ‬بأن‭ ‬تلك‭ ‬الفرضيات‭ ‬لا‭ ‬تعكس‭ ‬ما‭ ‬يعيشه‭ ‬يوميا،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تنعكس‭ ‬على‭ ‬ثقل‭ ‬المصاريف‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬كلما‭ ‬توجه‭ ‬لشراء‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬الأساسية‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬النموذج‭ ‬التنموي‭ ‬الجديد‭ ‬قد‭ ‬وضع‭ ‬تصورا‭ ‬متكاملا‭ ‬للقطائع‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬إحداثها،‭ ‬من‭ ‬إصلاح‭ ‬ضريبي‭ ‬شجاع،‭ ‬وإعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬سلم‭ ‬الأولويات‭ ‬القطاعية،‭ ‬وإعادة‭ ‬تعريف‭ ‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬التوزيع‭ ‬العادل‭ ‬للثروة،‭ ‬فإن‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬2026‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬مستوعبًا‭ ‬لهذه‭ ‬الروح،‭ ‬إذ‭ ‬يميل‭ ‬كل‭ ‬الميل‭ ‬إلى‭ ‬الاستمرارية‭ ‬في‭ ‬الحلول‭ ‬الظرفية‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬ينحو‭ ‬نحو‭ ‬التحول‭.‬

هنا‭ ‬يطرح‭ ‬السؤال‭ ‬نفسه‭ ‬بإلحاح:‭ ‬
هل‭ ‬يمكن‭ ‬لدولة‭ ‬تعلن‭ ‬مشروعا‭ ‬اجتماعيا‭ ‬كبيرا‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬قوانين‭ ‬مالية‭ ‬ذات‭ ‬منطق‭ ‬تحفظي،‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬التكيّف‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬البناء؟‭ ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬للمواطن‭ ‬أن‭ ‬يثق‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬إصلاحي‭ ‬لا‭ ‬ينعكس‭ ‬في‭ ‬الوثيقة‭ ‬الأكثر‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬إرادة‭ ‬الدولة،‭ ‬أي‭ ‬الوثيقة‭ ‬المالية‭ ‬السنوية؟

إن‭ ‬الأزمة‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬مضمون‭ ‬الأرقام،‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬بقدر‭ ‬غياب‭ ‬الإحساس‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬الأرقام‭ ‬تعني‭ ‬أحدا‭ ‬خارج‭ ‬قبة‭ ‬البرلمان،‭ ‬فإن‭ ‬تضييق‭ ‬الخناق‭ ‬على‭ ‬النقاش‭ ‬السياسي‭ ‬لقانون‭ ‬المالية‭ ‬يكشف‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الأعطاب،‭ ‬نجملها‭ ‬في‭ ‬يلي:
أولا‭ :‬ ‬انفصال‭ ‬القانون‭ ‬عن‭ ‬المواطن‭ ‬«المعني‭ ‬الأول‭ ‬بهذا‭ ‬القانون»‭. ‬فالأرقام‭ ‬تُقَدَّم‭ ‬وكأنها‭ ‬مكتفية‭ ‬بذاتها‭ ‬ولا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬شرح‭ ‬وتبسيط،‭ ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬ربط‭ ‬بأثرها‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أو‭ ‬بقدرتها‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬للناس‭. ‬وما‭ ‬يزيد‭ ‬الطين‭ ‬بلة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬النقاش‭ ‬الإعلامي‭ ‬باهت‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬النقاش‭ ‬البرلماني‭ ‬محصور‭ ‬بين‭ ‬لجان‭ ‬تقنية،‭ ‬ويكاد‭ ‬يغيب‭ ‬حتى‭ ‬داخل‭ ‬الأحزاب‭ ‬المشكلة‭ ‬للحكومة‭ ‬أو‭ ‬الأغلبية‭.‬
 
ثانيا‭:‬‭‬ غياب‭ ‬الفلسفة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬داخل‭ ‬بنية‭ ‬القانون؛‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬الحديث‭ ‬المستمر‭ ‬عن‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬فالإصلاح‭ ‬الضريبي،‭ ‬الذي‭ ‬يُفترض‭ ‬أنه‭ ‬قلب‭ ‬هذه‭ ‬الدولة،‭ ‬بقي‭ ‬رهينًا‭ ‬للمنطق‭ ‬القديم:‭ ‬عدم‭ ‬فرض‭ ‬ضريبة‭ ‬على‭ ‬الثروة،‭ ‬استمرار‭ ‬جعل‭ ‬الأجراء‭ ‬يمولون‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬الضريبة‭ ‬على‭ ‬الدخل،‭ ‬ارتفاع‭ ‬الضرائب‭ ‬غير‭ ‬المباشرة،‭ ‬استمرار‭ ‬الرسوم‭ ‬العالية‭ ‬على‭ ‬المحروقات،‭ ‬وترك‭ ‬التهرب‭ ‬الضريبي‭ ‬يبتلع‭ ‬مليارات‭ ‬الدراهم‭ ‬دون‭ ‬معالجة‭ ‬مؤسساتية‭ ‬صارمة‭. ‬
 
ثالثا‭ :‬‭‬ضعف‭ ‬أثر‭ ‬القانون‭ ‬المالي‭ ‬على‭ ‬سوق‭ ‬الشغل‭. ‬فبين‭ ‬2022‭ ‬و2024،‭ ‬فقد‭ ‬المغرب‭ ‬99‭ ‬ألف‭ ‬منصب‭ ‬صاف،‭ ‬وخسر‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬وحده‭ ‬554‭ ‬ألف‭ ‬منصب،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬ارتفعت‭ ‬البطالة‭ ‬إلى‭ ‬13.3%‭ ‬وتجاوزت‭ ‬38%‭ ‬بين‭ ‬الشباب‭. ‬هذه‭ ‬المؤشرات‭ ‬تعاكس‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬واضح‭ ‬الخطاب‭ ‬الرسمي‭ ‬حول‭ ‬الدينامية‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وتفضح‭ ‬فشل‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬جذب‭ ‬550‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬من‭ ‬الاستثمارات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تخلق‭ ‬500‭ ‬ألف‭ ‬منصب‭ ‬شغل‭. ‬
 
رابعا:‭ ‬أزمة‭ ‬الفلاحة،‭ ‬حيث‭ ‬كشفت‭ ‬النقاشات‭ ‬البرلمانية‭ ‬الأخيرة‭ ‬حجم‭ ‬اختلالاتها‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تعليق‭ ‬الفشل‭ ‬على‭ ‬الجفاف‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مجديا‭ ‬أو‭ ‬مقنع‭ ‬لأي‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬الجفاف‭ ‬أصبح‭ ‬معطى‭ ‬هيكليا‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬«كما‭ ‬سبق‭ ‬للمندوبية‭ ‬السامية‭ ‬أن‭ ‬أكدت‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التقارير»،‭ ‬ولذلك‭ ‬كان‭ ‬ينبغي‭ ‬للسياسات‭ ‬الفلاحية‭ ‬أن‭ ‬تتغير‭ ‬بدل‭ ‬تكرار‭ ‬النموذج‭ ‬نفسه‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬الواقع‭ ‬الميداني:‭ ‬سدود‭ ‬بنسبة‭ ‬ملء‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬30.8%،‭ ‬أسعار‭ ‬بذور‭ ‬وأعلاف‭ ‬ملتهبة،‭ ‬فوضى‭ ‬سعرية‭ ‬غير‭ ‬مفهومة،‭ ‬فلاحون‭ ‬باعوا‭ ‬بذورهم‭ ‬لصوناكوس‭ ‬ولم‭ ‬يتسلموا‭ ‬مستحقاتهم‭ ‬منذ‭ ‬سنة،‭ ‬دعم‭ ‬لا‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬الفلاح‭ ‬الصغير،‭ ‬ولوبيات‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬السلاسل‭ ‬البيمهنية،‭ ‬و«فراقشية»‭ ‬يقررون‭ ‬سعر‭ ‬السوق،‭ ‬ويسجلون‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬هزيمة‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬بدعم‭ ‬«مادي‭ ‬معتبر»‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭.‬
 
خامسا‭:‬‭‬ الاختناق‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬المقاولات‭ ‬الصغيرة‭ ‬جدا،‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬للنسيج‭ ‬الإنتاجي‭. ‬إذ‭ ‬يتم‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المقاولات‭ ‬باعتباره‭ ‬«خطرا‭ ‬قائما»‭ ‬يهدد‭ ‬ربحية‭ ‬الأبناك‭ ‬التي‭ ‬تفرض‭ ‬ضمانات‭ ‬تفوق‭ ‬ثلاثة‭ ‬أضعاف‭ ‬قيمة‭ ‬القرض،‭ ‬ثم‭ ‬تضيف‭ ‬فائدة‭ ‬مرتفعة،‭ ‬وتزيد‭ ‬الدولة‭ ‬الضغط‭ ‬عليها‭ ‬برفع‭ ‬الضريبة‭ ‬من‭ ‬10%‭ ‬إلى‭ ‬17.5% وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬20%‭ ‬في‭ ‬2026‭.‬وما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬يجهض‭ ‬دينامية‭ ‬النمو،‭ ‬ويجعله‭ ‬دائما‭ ‬معرضا‭ ‬للتراجع‭.‬
 
سادسا‭ :‬‭‬تراجع‭ ‬قدرة‭ ‬الأسر‭ ‬على‭ ‬الصمود،‭ ‬إذ‭ ‬ارتفع‭ ‬مؤشر‭ ‬أسعار‭ ‬الاستهلاك‭ ‬من‭ ‬103.9‭ ‬سنة‭ ‬2021‭ ‬إلى‭ ‬118.7‭ ‬سنة‭ ‬2024،‭ ‬بينما‭ ‬بلغت‭ ‬مديونية‭ ‬الأسر‭ ‬427‭ ‬مليار‭ ‬درهم،‭ ‬وارتفعت‭ ‬القروض‭ ‬المتعثرة‭ ‬إلى‭ ‬44.5‭ ‬مليار‭ ‬درهم،‭ ‬يمثل‭ ‬الموظفون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40%‭ ‬منها‭. ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يكتب‭ ‬قصة‭ ‬مجتمع‭ ‬يعيش‭ ‬على‭ ‬الهامش‭ ‬المالي‭ ‬ويواجه‭ ‬الغلاء‭ ‬بالقروض‭ ‬التي‭ ‬حولته‭ ‬إلى‭ ‬رهينة‭ ‬من‭ ‬المهد‭ ‬إلى‭ ‬اللحد‭.‬
 
سابعا‭:‬‭‬ ضعف‭ ‬الاستثمار‭ ‬العمومي‭ ‬وتجمّد‭ ‬المشاريع‭ ‬الاستراتيجية‭. ‬فمشاريع‭ ‬كالتكرير‭ ‬وإنتاج‭ ‬اللقاحات،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يُفترض‭ ‬أن‭ ‬تمنح‭ ‬المغرب‭ ‬استقلالية‭ ‬استراتيجية،‭ ‬ظلت‭ ‬خارج‭ ‬التنفيذ‭. ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬ينجز‭ ‬الإصلاح‭ ‬الهيكلي‭ ‬للمؤسسات‭ ‬العمومية،‭ ‬ولم‭ ‬ترفع‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الإنتاج،‭ ‬بينما‭ ‬بقي‭ ‬المخزون‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬للقمح‭ ‬متوقفا‭ ‬عند‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬فقط‭ ‬رغم‭ ‬الإنفاق‭ ‬الضخم‭. ‬
 
ثامنا‭ :‬التفاوتات‭ ‬الجهوية‭. ‬إذ‭ ‬تؤكد‭ ‬المؤشرات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أن‭ ‬ثلاث‭ ‬جهات‭ ‬تستحوذ‭ ‬على‭ ‬58%‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬الداخلي‭ ‬الخام،‭ ‬بينما‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬تُمنح‭ ‬22.5‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬2026،‭ ‬مما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أننا‭ ‬سنظل،‭ ‬خلال‭ ‬السنة‭ ‬القادمة،‭ ‬داخل‭ ‬نموذج‭ ‬مركزي‭ ‬يُعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬اللامساواة‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬يعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬جدلية‭ ‬«المغرب‭ ‬النافع‭ ‬والمغرب‭ ‬غير‭ ‬النافع»،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬مقبل‭ ‬على‭ ‬تحولات‭ ‬مجالية‭ ‬وسياسية‭ ‬ودستورية‭ ‬تدعم‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬مما‭ ‬يفرض‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬تقسيم‭ ‬جهوي‭ ‬متوازن‭ ‬ومتعاون‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬رابح-‭ ‬رابح‭.‬
 
تاسعا:‭ ‬هشاشة‭ ‬العرض‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬قطاعي‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم‭. ‬فوزارة‭ ‬الصحة‭ ‬لم‭ ‬تستغل‭ ‬سوى‭ ‬42%‭ ‬من‭ ‬المناصب‭ ‬المحدثة‭ ‬بين‭ ‬2022‭ ‬و2024،‭ ‬والمدارس‭ ‬والمستشفيات‭ ‬تعاني‭ ‬خصاصا‭ ‬مزمنا‭ ‬في‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية،‭ ‬فيما‭ ‬الأرقام‭ ‬المعلنة‭ ‬عن‭ ‬التوظيف‭ ‬تبقى‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬الدوائية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬فوضى‭ ‬كبيرة،‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬للتكلفة‭ ‬واعتماد‭ ‬شبه‭ ‬مطلق‭ ‬على‭ ‬الاستيراد‭ ‬وضعف‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬الجودة‭ ‬وتعقيد‭ ‬نظام‭ ‬التسعير‭ ‬وقلة‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬المحلي‭ ‬واللامساواة‭ ‬الجغرافية‭ ‬في‭ ‬التوزيع،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬تمرير‭ ‬الصفقات‭.‬
 
عاشرا: غياب‭ ‬البعد‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬عن‭ ‬القانون‭ ‬المالي‭. ‬فالنموذج‭ ‬التنموي‭ ‬الجديد،‭ ‬الذي‭ ‬وُصف‭ ‬بأنه‭ ‬«أفق‭ ‬المغرب‭‬2035»،‭ ‬بقي‭ ‬حبرا‭ ‬على‭ ‬ورق‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬معدل‭ ‬الخصوبة‭ ‬يتراجع‭ ‬إلى‭ ‬1.97‭ ‬طفل‭ ‬لكل‭ ‬امرأة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يهدد‭ ‬التوازن‭ ‬الديموغرافي،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المقاولات‭ ‬الصغرى‭ ‬تختنق،‭ ‬والسيادة‭ ‬الغذائية‭ ‬مهددة،‭ ‬والاستثمار‭ ‬الخاص‭ ‬جامد،‭ ‬والتفاوتات‭ ‬تتعمق،‭ ‬والطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬تتآكل،‭ ‬والدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬معلقة‭.‬
 
لهذا‭ ‬كله،‭ ‬تبدو‭ ‬سنة‭ ‬2026‭ ‬لحظة‭ ‬اختبار‭ ‬حقيقي‭ ‬للحكومة،‭ ‬فإما‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬في‭ ‬تسويق‭ ‬العجز‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬«إنجاز‭ ‬تاريخي‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المغرب‭ ‬المستقل»،‭ ‬و‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تحول‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وهو‭ ‬الشعار‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬ترفعه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة،‭ ‬إلى‭ ‬بنية‭ ‬مالية‭ ‬حقيقية‭ ‬تنعكس‭ ‬آثارها‭ ‬على‭ ‬الخدمات‭ ‬العمومية‭ ‬والكرامة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للمواطنين‭ ‬والمجالات‭ ‬الترابية‭ ‬المعطوبة‭. ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬نقاشا‭ ‬حول‭ ‬معنى‭ ‬الدولة‭ ‬ذاتها‭ ‬ومدى‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬صف‭ ‬مجتمعها،‭ ‬لا‭ ‬حول‭ ‬أرقام‭ ‬بكماء‭ ‬تكاد‭ ‬لا‭ ‬تتكلم‭ ‬مع‭ ‬أحد‭.‬
 
تفاصيل أوفي تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الان"
رابط العدد هنا