المجلس الوطني لحقوق الإنسان يستكشف مسارات تعزيز العدالة المجالية

المجلس الوطني لحقوق الإنسان يستكشف مسارات تعزيز العدالة المجالية مشاهد من اللقاء
نظم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، اليوم الأربعاء 19 نونبر 2025 ورشة استكشافية
حول العدالة المجالية فرص وممكنات من خلال ترصيد خصوصيات المجال (الجبل، الواحات الساحل)".
 
وأفادت الورقة التأطيرية لهذه الورشة أن المغرب راكم المغرب تجربة مهمة في مجال تدبير التراب وتأهيله وتنميته باعتماد سياسات عمومية تستهدف تجاوز الصعوبات الهيكلية التي تعيق الدور التنموي للتراب / المجال، سواء منها تلك المرتبطة بجغرافيته الطبيعية أو تلك المتعلقة بثقل الإرث الكولونيالي في تدبيره، فضلا عن التحديات المرتبطة بضعف التكامل والالتقائية في تدبير السياسات العمومية. 
 
غير أن التزايد الكبير للحاجيات مقابل محدودية الموارد بفعل التحولات السوسيو ديمغرافية وتقلبات الظرفية الاقتصادية أدى إلى تعميق التفاوتات الاجتماعية والمجالية وضيق هامش قدرة الفعل العمومي على تقليصها والحد من تفاقمها.
 
ويفعل تفاقم الاختلالات المرتبطة بسياسة إعداد التراب أصبحت التفاوتات المجالية والترابية تشكل عوائق للتنمية الإنسانية، سواء بين مكونات المجال الواحد الأحياء المختلفة في المدينة الواحدة، الجماعات الترابية المكونة لجهة واحدة أو بين المناطق ذات الخصائص المجالية المختلفة (الجيل الساحل، والواحات)، وتعطل إمكانيات إنتاج الثروة المادية واللامادية وتهده التماسك الاجتماعي وتعرقل تطوير فرص تمكين النساء لتدخلات الفعل العمومي الوطني والمحلي، ليس على مستوى السياسات العمومية فحسب، بل كذلك كجزء لا يتجزأ من عملية إعادة التوجيه الاستراتيجي للسياسة العامة للدولة واختياراتها الكبرى في مجال التنمية.
 
فالعدالة المجالية من منظور حقوق الإنسان ليست العدالة بين المجالات كأماكن بالمعنى الجغرافي، بل إنها تحيل على البعد المجالي للعدالة بين الناس، بحيث يكون التوزيع المجالي للموارد والخدمات والفرص محددا أساسيا لقدرة المواطنين على الولوج إلى حقوقهم الأساسية. 
 
وبذلك فهي بمثابة عنصر مكمل للعدالة الاجتماعية وبمثابة الأساس الذي تقوم عليه المقاربة القائمة على حقوق الإنسان في بناء وهندسة السياسات العمومية، ومعيارا لتقييمها في الوقت ذاته. وقد تحولت العدالة المجالية، بهذا المعنى، إلى مقاربة قائمة بذاتها ليس فقط في مجال بناء السياسات العمومية بل كذلك كمرتكز ناظم للاختيارات / التوجهات الكبرى في مجال التنمية، تقوم على التفكير المجالي Spatial thinking في العدالة، باعتباره تفكيرا بالمجال وفي المجال، وتكمن أهمية هذه المقاربة في كشفها الطابع المجالي للتفاوتات بين الناس / الساكنة حيث يصبح بذلك المجال بعدا أساسيا من أبعاد دراسة وتقييم مسارات التنمية. ويشكل المنعطف المجالي spatial turn في دراسات التنمية الأساس الصلب لفكرة العدالة المجالية. فهو لا يكتفي بإظهار الأسباب المجالية للتفاوتات بل يساهم كذلك في استكشاف فرص وممكنات معالجة هذه التفاوتات من خلال نهج يعتمد رؤى مبتكرة لتحويل الخصوصيات المجالية، بصرف النظر عن طبيعة مواردها ومقدراتها، إلى فرص وإمكانات لتنويع وتجديد مصادر إنتاج الثروة، سواء في بعدها المادي أو اللامادي.
 
واقتناعا من المجلس الوطني لحقوق الإنسان بأن الانكباب على قضايا العدالة المجالية يمثل تحديا أساسيا لضمان حقوق الانسان، فقد جعل المجلس الوطني لحقوق الإنسان من العدالة المجالية جوهر استراتيجيته القائمة على فعلية الحقوق، حيث دأب المجلس منذ سنة 2019 على تنظيم عدة فعاليات وطنيا وجهويا لتدارس قضايا التنمية وتعزيز القدرة على الصمود في ضوء تحديات العدالة المجالية انصب خلالها النقاش حول تحليل مختلف أوجه التفاوتات على المستوى المجالي، جغرافيا، وديمغرافيا، ومناقشة التحديات التي يطرحها تراكم هذه التفاوتات على الدولة وعلى المجتمع بشكل عام، كما يشكل تحقيق العدالة المجالية الهدف الأساسي والجوهري للمذكرة التي قدمها المجلس لرئيس الحكومة قبيل تقديمه للتصريح الحكومي بالبرلمان سنة 2021، وجوهر تقريره السنوي لما بعد الجائحة وتقارير موضوعاتية أخرى (الحق في الماء والحق في الصحة). 
 
وقد أكد المجلس في مختلف هذه الوثائق أن أزمات الولوج إلى الخدمات العمومية والإشكالات المرتبطة بالثقافة والبيئة أصبحت تشكل أحد عناصر القوة المحركة التي تنطلق منها التعابير العمومية الاجتماعية الجديدة.