يصر جيراننا في الشرق ويُلِحّون في دفعنا دفعاً موجعاً للتطرق لموضوعات هم يعلمون علم اليقين انها من صنع قوات الاستعمار، عندما كانت تلك القوات تحتل الجزائر احتلالَ تَمَلُّكٍ وحِيازة، جاعلة من ذلك الجار حديقتها الخلفية، تحت مسمّى: "المقاطعة الفرنسية لما وراء البحار" مثلها مثل مدغشقر، وكاليدونيا، وغيرهما من الحدائق الخلفية للإيليزي، رغم بُعد الشقة، ورغم حاجز الأبيض المتوسط... في الوقت الذي كان احتلالها للمغرب احتلالا حِمائياً، فقط لا غير، يهدف بالكاد إلى تأمين سلامة مقاطعة ما وراء البحار، التي كان المغاربة الأسود الأحرار يدافعون عنها بدافع مُناصرة المسلمين لإخوانهم في الدين، والتي ستأخذ فيما بعد اسم "الجزائر"، وليتها لم تأخذ ذلك الإسم أبداً، بمقتضى ذلك المرسوم الفرنسي اللعين، الذي أصدره الجنرال ديغول بعد أسابيع من الإعلان عن تنظيم عملية تقررر مصير تلك المقاطعة الماورائية!!
لذلك فالوجود الفرنسي فوق التراب المغربي كان معلوماً منذ بدايته بأنه وجود مؤقت، ريثما تطمئن فرنسا إلى أن المغاربة سيكفّون عن مناصرة ثوار تلك المقاطعة، الذين كانوا بالكاد يتعلمون أبجديات الثورة على أيدي القوى الوطنية المغربية، مع شيء من الدعم اليسير من تونس بورقيبة ومصر عامر وناصر، أيام كانت تسود تقليعات جديدة في إبانها، ومغرية بشعاراتها، مثل الحركة الماوتسية، والخمير الجمر، وثورات أمريكا اللاتينية، وخاصة في بوليفيا غيغارا، وكوبا كاسترو... وكلها مجرد انعكاسات باهتة وآفلة من مرآة الحرب الباردة!!
المصيبة الأعظم في كل هذا المسار غير المشرّف لجيراننا، أنهم بمجرد حصولهم على مرسوم تقرير المصير، وليس الاستقلال، طَفِقوا يتمسكون بالأظافر والنواجد بأيديولوجيات الزمن السوفياتي الآفل، ويتشبثون لفرط غبائهم بما يسمونه، إلى غاية يومنا هذا، بالحدود الموروثة عن الاستعمار، حتى وهم يطلقون في الهواء شعاراتهم المعادية للاستعمار... "الحلوف ما ناكلو ومرقتو نسقّي بيها" (!!!).
بيد أنّ الذي يتناساه الجزائريون وهم يشيرون بأصبعهم الوسطى للصحراء، الغربية من منظورهم، الشرقية من منظورنا نحن، أنّ أهالي تلك البقاع رفضوا، صراحةً، المشاركة في استحقاقات تقرير المصير، وقالوا للإدارة الفرنسية التي أشرفت على تلك العملية الملغومة "إننا لن نشارك لأننا غيرُ معنيبن... وإننا غيرُ معنيين لأننا مغاربة"!!
أذكر هذه الحقائق التاريخية التي لا يُنكرها إلا جاهل أو مسطول أو معتوه، لأنني سمعت خلال هذين اليومين بعض "المسقّفين" المحسوبين افتراءً على المعارضة، من أمراء المهجر، أمثال المنافق زعطوط، الذي أمطرنا بدموع نفاقه التمساحية بكاءً عبر الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، على مآسي وآثار "المسيرة الكحلة" التي طرد فيها بوخروبة أكثر من ثلاثمائة وخمسين ألف مغربي ومغربية، بعد أن سحلوهم صبيحة يوم العيد الأضحى، وأخرجوهم حفاةً عراةً إلا مما كانوا يسترون به عوراتهم وهم يباشرون معالجة أضحياتهم، فأخذوا منهم ممتلكاتهم، وأموالهم، وحتى لحوم أُضحياتهم... في عملية شيطانية لم يشهد لها التاريخ الحديث نظيراً، وبكل المقاييس، باستثناء ما كان يمارسه الباغية هتلر في غيتوهات النازية!!
هذا لا يهمني اللحظة... الذي يهمني ويجرني جرّاً مبرحاً للتعليق والتعقيب، إنما هي الخرجة السينمائية لذلك الدعيّ زيطوط، الذي يعيش عيشة باذخة في لندن، حيث يسترزق من مخبزة معتبرة أقامها بأموال لا أحد يعرف منشأها ومصدرها، وهو لم يكن سوى موظف دبلوماسي أقل شأنا من مرتبة سفير، طرده نظامه بعد أن لم يعد فيىحاجة لخدماته، لأنه فعلا لم يعد لديه ما يعطيه، لأن فاقد الشيء أساساً لا يعطيه!!
خرج هذا البَكّاء الأََشِرُ يصرخ فينا نحن المغاربة مخاطِباً فينا الملك والحكومة والشعب دفعةً واحدة، وكأنه في موقع يسمح له بإطلاق هذا الضرب من المخاطبات متعدِّدة المستوى... خرج ليقول لنا إننا تجاوزنا حدود اللياقة، وتمادينا في استفزاز الجائريين الأحرار، وبلا حشمة قال: "وأنا منهم" (!!!) والطبقة "المسقّفة" منهم خاصة، والتي قال بدون حياء إنه يتحدث باسمها، ويالها من بجاحة وقلة حياء بالفعل، ثم توعّدنا جميعا بالقول إنه سيوقف نشاطاته المعارِضو للنظام، هو ومن ادعى أنه يتحدث باسمهم، وسينضمّ إلى الشرذمة الحاكمة هناك، لا لشيء سوى لأن وسائل التواصل الاجتماعي عندنا تنادي بالمرور بعد القرار الأممي 2797 إلى خوض معركة استرجاع صحرائنا الشرقية، التي كنا قد أجّلنا المطالبة بها إلى حين الإقفال النهائي لملف النزاع المفتعل حول صحرائنا الغربية، وقد حصل بالفعل!!
بل قال ريطوط بعظمة لسانه بلا أدنى ذرةٍ من حياء، إن الجزائريين، وقد بدأ يتحدّث الآن باسمهم جميعاً، مستعدون لإشعالها حرباً لا تُبقي ولا تذر، من أجل الصحراء الشرقية عندنا، الغربية عندهم، ولم يَكْفِنا هُراءُ هذا النكرة، بل انضم إليه معارض آخر هو هشام عبود، الذي صنعت له مخابرات عبلة ذات يوم مسرحية اختطاف فاضحة، لمنحه بعض المصداقية بين باقي المعارضين، وقد آلمني أن يبلع المناضل أنور متلك ذلك الطعم فيخصص له حلقات من برنامجه الموضوعي قبل أن يفطن إلى خطئه ويعود عنه بعد حين!!
ولأن الخير لا يأتي على انفراد، فقد انضم إلى هذين النكرتين نكرة ثالث، هو الوزير الأسبق نور الدين بوكروح، الذي لم يستنكف من القول، بلا حياء هو الآخر، إن الجزائر تستطيع أن تشعل فتيل حرب عالمية ثالثة (هكذا !!!) بسبب الصحراء الشرقية!!
الظاهر ان هذه النوعيات الطفيلية، التي عَمَتْ أعينُها عن قراءة التاريخ، تعتقد فعلاً أنها ترعبنا بهرطقاتها، ناسية ومتناسية في الآن ذاته، أن ثورتها التي تتشدق بها كانت في أساسها مغربية بكل المعايير، حيث كان المال مغربياً، والسلاح مغربياً، والتراب المحتضن للثوار مغربياً، وحتى آلاف الشهداء، الذين حولوهم بالكذب والبهتان، بين كل ر ئيس وآخر، إلى عدة ملايين؟ هم أيضاً في جزء غير يسير منهم مغاربة... فعن أي حرب يتحدث هؤلاء الطراطير، وإلى أي درجة هيمن عليهم الغباء السياسي والجهل بالتاريخ، فأنساهم شراسة المغاربة حين يكونون أصحاب حق، ونحن هنا أصحاب حق بلا أدنى لُبس ولا مغالاة... عجبي!!!
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي متقاعد