يشكل الحقل القبلي في الصحراء المغربية أحد المفاتيح الأساسية لفهم ديناميات السلطة والإنتماء والهويات في المنطقة. فالعلاقات القبلية، بما تنطوي عليه من حمولة تاريخية وشرعية اجتماعية، ظلت – منذ قرون – عنصرا فاعلا في تشكل المجال السياسي وآلية من آليات إنتاج الشرعية وضبط التوازنات الداخلية. ولم تكن يوما مجرد معطى اجتماعي أو بنية تقليدية ساكنة.
ومن هذا المنطلق، فإن أي مقاربة للحكم الذاتي كإطار سياسي مقترح لحل النزاع حول الصحراء، لا تكتمل دون استحضار دور القبيلة، كجهاز معرفي وثقافي أنتج أشكالا متميزة من التنظيم والضبط والتمثيل.
لقد ظلت القبائل الصحراوية على امتداد التاريخ، سواء في علاقتها بالسلطة المركزية (المخزن) أو في مواجهتها للاحتلال الإسباني، تشكل عنصر تماسك وتعبئة، مما يمنحها راهنية خاصة في زمن إعادة التفكير في مستقبل الجهوية المتقدمة ومقترح الحكم الذاتي. إذ جاء المقترح المغربي، كتحول نوعي في تدبير ملف الصحراء، حيث انتقل من منطق المواجهة الدبلوماسية والدفاع القانوني عن مغربية الصحراء، إلى منطق المبادرة السياسية الواقعية ذات الأفق التفاوضي. غير أن نجاح هذا المقترح ، يتطلب بالأساس بناء مشروع مجتمعي تشاركي ينخرط فيه الفاعلون المحليون، وعلى رأسهم القبائل باعتبارهم خزانا للشرعية المحلية، ومنتجين للتماسك الاجتماعي وضامنين لأفق استقرار طويل الأمد.
إن الدعوة إلى بناء حوار بناء حول الحكم الذاتي، لا تفهم هنا في بعدها السياسي الضيق وإنما تشمل أيضا البعد الثقافي والهوياتي، انطلاقا من إدراك مركب بأن القبيلة ليست نقيضا للدولة، وأنها يمكن أن تكون شريكا موثوقا لها في إنتاج نموذج خاص من الحكم الترابي، يزاوج بين الخصوصية المحلية والمشترك الوطني.