محمد عزيز الوكيلي: إلى الذين يقولون بوجود تناقض بين "الحكم الذاتي" و"حق تقرير المصير": ما أغباكم!!

محمد عزيز الوكيلي: إلى الذين يقولون بوجود تناقض بين "الحكم الذاتي" و"حق تقرير المصير": ما أغباكم!! محمد عزيز الوكيلي
ما أسهل الاصطياد في الماء العَكِر ولكن أيضاً، ما أصعب اللعب على مفاهيم أقامها العقل الجمعي الإنساني، والدولي، فجعلها مسلماتٍ بكل دلالات الكلمة!!
 
الموضوع يتعلق تحديداً بمُسمَّيات قانونية دولية تتكامل وتتناغم فيما بينها، لأن أسُسَها الأولى قائمة على كونها مجرد "وسائل" قانونية، نظرية وعملية، تخدم نفس الغاية، ولذلك فالقول بوجود اختلاف أو تناقض فيما بينها يبدو قولا باطلا، ولا فائدة منه، لأن الاختلاف في الوسائل طبيعي ومطلوب لذاته، ولولا ذلك لتحولت الوسائل إلى أهداف، وهنا وقع كثيرون في الخلط، وهذا الخلط منشَأُه أنهم يعتبرون الوسيلة غاية، وقد وقع هذا في أمور كثيرة من أمور الحياة الإنسانية، حتى أنه طال المجال العقدي والديني فأحدث فيه فساداً رهيباً من المرجَّح أننا سنظل نشكو من تبعاته وعواقبه أبدَ الدهر!!
 
الموضوع، إزاء هذه الظاهرة الملتبِسة، يتعلق بالقرار 2797 الصادر يوم 31 أكتوبر المنصرم عن مجلس الأمن الدولي، "القاضي باتخاذ المقترح المغربي للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية بمثابة الأرضية الوحيدة للمفاوضات المطلوب إجراؤها بين أطراف النزاع الأربعة، الجزائر وصنيعتها وموريتانيا والمغرب"،  في إطار احترام مبادئ الأمم المتحدة ومن بينها حق تقرير المصير... و"هنا طاح الريال" الذي بدأ الكثيرون يحاولون اللعب عليه، كما يقول المثل المغربي الدارج والشهير ("هنا طاح الريال.. وهنا نلعبو عليه")... فكيف ذلك؟!
 
إن هذا الأمر لم يأت فقط على ألسنة الذباب الإلكتروني الجزائري، الشهير بزحلقاته وبهلوانياته الفاضحة والمضحِكة، وبجهله المدقع لأبجدبات السياسة والقانون الدوليَيْن، بل تكلّم به منشّطون إعلاميون محترفون ومنشطات إعلاميات بقنوات فضائية ومواقع ألكترونية غير قليلة، منها الرسمي ومنها الخاص، طُرِحَ فيها السؤال التالي بصِيَغ مختلفة ولكنها تصب في نفس المسألة: "لماذا أصر القرار الأممي 2797، الصادر عن مجلس الأمن، على التطرق إلى اعتماد المقترح المغربي للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، أساساً وحيداً للتفاوض على مخرجات فك النزاع القائم، مع التنصيص في الوقت ذاته على وجوب احترام مبدأ تقرير المصير للشعب الصحراوي ضمن هذه الرباعية"؟!
 
سوف أجبب على هذا التساؤل، رغم أنه غير بريء بالمرّة، لأن طارحيه يبدون كما لو كانوا يبحثون عن "جْوَا مَنْجَلْ"، أو بتعبير مختلف، يبحثون عن إمكانية وضع المزيد من الحصى في أحذية أطراف قضية وحدة المغرب الترابية، وخاصةً منها الحذاء المغربي، لأن هؤلاء لم يكلفوا أنفسهم عناءَ البحث في دلالات كل من اصطلاحي "الحكم الذاتي" و"تقرير المصير"، بل لأنهم كما قالت منشطة قناة كانت تحاور السفير المغربي عمر هلال مباشرة، لا يعتبرون تقرير المصير ممكناً سوى من خلال اللجوء إلى آلية الاستفتاء !!
 
هذا، مع العلم بأن تقرير المصير مبدأ وهدف يُراد تحقيقُه، بينما الاستفتاء مجرد وسيلة، والوسائل كما سبقت الإشارة مطلوبٌ فيها التعدد والاختلاف مهما كان الهدف مُنفرداً وثابتاً لا يتغير...
 
مِن هنا يطرح السؤال نفسه: "فما هي الوسائل الأخرى لتقرير المصير"؟
الجواب متعدد هو الآخر ومتنوّع: فالاستشارات الشعبية الوطنية والجهوية والإقليمية، المرتبطة بالاستحقاقات المحلية والإقليمية والجهوية وكذا الوطنية تعتبر شكلاً ووسيلةً من أشكال ووسائل تقرير مصير السكان المعنيين بتلك الاستحقاقات، وبذلك يكون سكان الأقاليم الجنوبية المغربية، موضوع النزاع المُفتعَل، قد قرروا مصيرهم بالتأكيد على انتمائهم لوطنهم المغرب، عن طريق مشاركتهم الواسعة، بل القياسية بين باقي جهات المملكة، في الخيارات الجهوية والوطنية لوطنهم، المملكة المغربية.
 
من الأشكال الأخرى المؤدية إلى تحقيق هدف أو مبدأ  تقرير المصير، آلية الحكم الذاتي، الذي يُقِرُّ فيه من يقعُ اختيارُهم عليه بقبولهم التكفل المستقِل بمسؤوليات تدبير شؤونهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقضائية في إطار يحكمه مبدأ "التعدد والتنوّع داخل الوحدة"، وهذا المبدأ متأصل في الذات المغربية المعروفة، من أكثر من اثني عشر قرناً، بتركيبتها الإثنية والعرقية والثقافية المتعددة والمتنوعة ولكن أيضاً، المُحتكِمة إلى وحدة الوطن والثوابت وعقيدة الانتماء إلى نفس الانشغال والمصير المشتركَيْن.
 
الحكم الذاتي، إذَن، صيغة من الصبغ التي يتحقق بها هدف ومبدأ تقرير المصير، ومن هنا أخطأ كل الذين اعتقدوا أن الحكم الذاتي غاية في حد ذاته، وأن تقرير المصير مجرد وسيلة لها هي الأخرى وسيلتها الأحادية وهي الاستفتاء، وهذا لَعُمْري خطأٌ مركّب، وبالتالي معقَّد، بل شديد التعقيد، بسبب قيامه على خطأ في الأساس، وهو الاعتبار الباطل بأن الاستفتاء، تحديداً، هو بمثابة الوسيلة الوحيدة والفريدة لتكريس مبدأ تقرير المصير!!
 
 القرار 2797 لمجلس الأمن وقع تحريره بقلمٍ مِن الأكيد أن مُمْسِكَهُ خبيرٌ في القانون الدولي من جهة، وفي تدبير النزاعات والصراعات بين الدول بكل تعقيداتها وحساسياتها من جهة ثانية، ولذلك حرص، عن قصد، على التنصيص في آن واحد على "حق تقرير مصير" أهالي الصحراء المتنازع عليها، افتعالاً، ثم على "آلية الحكم الذاتي" بالذات، لكونها في نظره، وبالتالي في نظر المجتمع الدولي برمته بمجرد صدور ذلك القرار، تشكّل أمثلَ آليةٍ لتحقيق ذلك المبدأ والهدف، الذي هو تقرير مصير أهالي تلك المناطق.
 
هذا، مع الانتباه إلى أن القرار الأممي أخذ في ذلك المنحى بعين الاعتبار والرعي، كونَ أهالي الصحراء المعنيين لا يوجد منهم في مخيمات تيندوف سوى الأقلية المحتجَزة، أما الغالبية العظمى فقد قررت مصيرها عن طريق مشاركتها في الاستحقاقات التشريعية السابقة داخل المملكة المغربية بنسبة تفوق اثنتين وستين في المائة، وهي نسبة قياسية لم تَطَلْها أيُّ جهة ترابية أو إدارية أخرى من جهات المملكة الإثنتيْ عشرة!!
نفهم من هذا أيضاً، أن القرار 2797 وضع في الحسبان أن ما يسمى بالبوليساريو لا يمثل أهالي الأقاليم المعنية بالنزاع، بل لا يمثل حتى الأقلية القابعة منهم داخل دائرة الرهن والاحتجاز، لأنّ المجتمعَ الدوليَّ، مُصَدِّرَ ذلك القرار، يعلم علم اليقين بأن البوليساريو شيء، والمحتجَزين الصحراويين المغاربة شيءٌ آخرُ مختلفٌ تمام الاختلاف!! 
 
إنّ هذا معناه أنّ على البوليساريو وصُنّاعُه أن يَكُفّوا عن استغباء المجتمع الدولي، وأن يجلسوا إلى طاولة المفاوضات لبحث سبل تحقيق "مبدأ تقرير المصير" داخل إطار الوسيلة الوحيدة الممكنة والمتاحة أُمَمِيّاً، ألاَ وهي "آلية الحكم الذاتي"، الموضوعة على مائدة مجلس الأمن وكافة هيئاته منذ ما يقرب من تسع عشرة سنة.
 
تُرى، إلى متى سيستمر نظام الجزائر، وصَنائعُه، والمواقعُ والقنواتُ التي يُموّل ذلك النظام كَذِبَها وبُهتانَها ويُنشّطُ بذلك أسئلتَها المُغرضةَ والملغومةَ، بينما المغرب ماضٍ في تنزيل مشروعه التزيلَ الفعليَّ والملموسَ على أرض الواقع، بمجرد تَوَصُّلِه بالنسخة الرسمية للقرار 2797... إلى متى سيظلون يَكذبون ويَفتَرون ويُراوِغون؟.. عَجَبي!!!
محمد عزيز الوكيلي،  إطار تربوي متقاعد.