رشيد مسلم: وزير الداخلية يتوعد.. هل هي بداية محاسبة المفسدين؟

رشيد مسلم: وزير الداخلية يتوعد.. هل هي بداية محاسبة المفسدين؟ رشيد مسلم
العبارة‭ ‬التي‭ ‬نطق‭ ‬بها‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬عبد‭ ‬الوافي‭ ‬لفتيت — «اللّي‭ ‬دا‭ ‬شي‭ ‬أرض‭ ‬أو‭ ‬شي‭ ‬درهم‭ ‬ماشي‭ ‬ديالو،‭ ‬أحسن‭ ‬ليه‭ ‬يردّها،‭ ‬سوا‭ ‬بالخاطر‭ ‬سوا‭ ‬بزّز»
‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرد‭ ‬تعليق‭ ‬عابر‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬رسمي،‭ ‬بل‭ ‬بدت‭ ‬وكأنها‭ ‬إعلان‭ ‬صريح‭ ‬عن‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬والإداري‭ ‬في‭ ‬المغرب‭.‬
مرحلة‭ ‬تضع‭ ‬الإصبع‭ ‬على‭ ‬جوهر‭ ‬الداء:‭ ‬الفساد‭ ‬الذي‭ ‬نخَر‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع،‭ ‬وأعاق‭ ‬مشاريع‭ ‬التنمية،‭ ‬وترك‭ ‬آثارًا‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬المواطنين‭.‬
لقد‭ ‬سئم‭ ‬المغاربة‭ ‬من‭ ‬الشعارات‭ ‬المكرورة‭ ‬عن‭ ‬تخليق‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬ومحاربة‭ ‬الريع،‭ ‬وهم‭ ‬يدركون‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬إصلاح‭ ‬اقتصادي‭ ‬أو‭ ‬اجتماعي‭ ‬ممكن‭ ‬دون‭ ‬إصلاح‭ ‬سياسي‭ ‬حقيقي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الشفافية‭ ‬والمحاسبة‭ ‬وربط‭ ‬المسؤولية‭ ‬بالنتائج‭.‬
لذلك،‭ ‬فإن‭ ‬تصريح‭ ‬الوزير‭ ‬يكتسب‭ ‬دلالته‭ ‬من‭ ‬كونه‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬عام‭ ‬يتّسم‭ ‬بتزايد‭ ‬المطالب‭ ‬بترسيخ‭ ‬دولة‭ ‬القانون،‭ ‬واسترجاع‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬المؤسسات،‭ ‬وتصفية‭ ‬الإرث‭ ‬الثقيل‭ ‬من‭ ‬الاختلالات‭ ‬التي‭ ‬راكمها‭ ‬زمن‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭.‬
إذا‭ ‬ما‭ ‬أُخذ‭ ‬هذا‭ ‬التصريح‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجدّ،‭ ‬فهو‭ ‬قد‭ ‬يشكّل‭ ‬بداية‭ ‬مسار‭ ‬نحو‭ ‬انفراج‭ ‬سياسي‭ ‬شامل،‭ ‬لأن‭ ‬العدالة‭ ‬والمحاسبة‭ ‬ليستا‭ ‬فقط‭ ‬إجراءات‭ ‬إدارية،‭ ‬بل‭ ‬هما‭ ‬أساس‭ ‬لأي‭ ‬مصالحة‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭.‬
محاسبة‭ ‬المفسدين،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬مواقعهم،‭ ‬تعني‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬للسياسة،‭ ‬وردّ‭ ‬الاعتبار‭ ‬للمواطن‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬دولة‭ ‬تحمي‭ ‬مصالحه‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬تتغاضى‭ ‬عن‭ ‬من‭ ‬ينهبها‭.‬
لكن‭ ‬التحول‭ ‬الحقيقي‭ ‬لن‭ ‬يتحقق‭ ‬بالتصريحات‭ ‬وحدها،‭ ‬بل‭ ‬بتفعيل‭ ‬إرادة‭ ‬الإصلاح‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسات،‭ ‬وبمنح‭ ‬القضاء‭ ‬الاستقلال‭ ‬الكامل‭ ‬ليقول‭ ‬كلمته‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الملفات‭ ‬دون‭ ‬خطوط‭ ‬حمراء‭.‬
كما‭ ‬يتطلب‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬والمجتمعية‭ ‬الجادة،‭ ‬واستعادة‭ ‬فضاء‭ ‬الحوار‭ ‬الوطني‭ ‬حول‭ ‬النموذج‭ ‬التنموي‭ ‬والديمقراطي‭ ‬للمغرب‭.‬
فمحاربة‭ ‬الفساد‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مجرد‭ ‬حملة‭ ‬إدارية،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مشروع‭ ‬مجتمعي‭ ‬يعيد‭ ‬بناء‭ ‬الثقة‭ ‬ويؤسس‭ ‬لتوازن‭ ‬جديد‭ ‬بين‭ ‬السلطة‭ ‬والمجتمع‭.‬
إن‭ ‬بداية‭ ‬محاسبة‭ ‬المفسدين،‭ ‬إذا‭ ‬كُتبت‭ ‬لها‭ ‬الجدية‭ ‬والاستمرارية،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬المدخل‭ ‬الحقيقي‭ ‬لانفراج‭ ‬سياسي‭ ‬طال‭ ‬انتظاره،‭ ‬ولتحول‭ ‬تدريجي‭ ‬نحو‭ ‬دولة‭ ‬قوية‭ ‬بمؤسساتها،‭ ‬عادلة‭ ‬في‭ ‬قراراتها،‭ ‬ومتصالحة‭ ‬مع‭ ‬شعبها‭.‬
فهل‭ ‬يكون‭ ‬تصريح‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬فعلاً‭ ‬الشرارة‭ ‬الأولى‭ ‬لهذا‭ ‬التحول؟
أم‭ ‬أننا‭ ‬سنظل‭ ‬نسمع‭ ‬صدى‭ ‬الوعيد‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬فعلا‭ ‬يترجمه‭ ‬على‭ ‬الأرض؟
 
 
رشيد مسلم، كاتب صحفي. مدير نشر موقع "سياسي"