العبارة التي نطق بها وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت — «اللّي دا شي أرض أو شي درهم ماشي ديالو، أحسن ليه يردّها، سوا بالخاطر سوا بزّز»
لم تكن مجرد تعليق عابر في لقاء رسمي، بل بدت وكأنها إعلان صريح عن مرحلة جديدة من الخطاب السياسي والإداري في المغرب.
مرحلة تضع الإصبع على جوهر الداء: الفساد الذي نخَر الثقة بين الدولة والمجتمع، وأعاق مشاريع التنمية، وترك آثارًا عميقة في وجدان المواطنين.
لقد سئم المغاربة من الشعارات المكرورة عن تخليق الحياة العامة ومحاربة الريع، وهم يدركون أن لا إصلاح اقتصادي أو اجتماعي ممكن دون إصلاح سياسي حقيقي يقوم على الشفافية والمحاسبة وربط المسؤولية بالنتائج.
لذلك، فإن تصريح الوزير يكتسب دلالته من كونه يأتي في سياق عام يتّسم بتزايد المطالب بترسيخ دولة القانون، واسترجاع الثقة في المؤسسات، وتصفية الإرث الثقيل من الاختلالات التي راكمها زمن طويل من الإفلات من العقاب.
إذا ما أُخذ هذا التصريح على محمل الجدّ، فهو قد يشكّل بداية مسار نحو انفراج سياسي شامل، لأن العدالة والمحاسبة ليستا فقط إجراءات إدارية، بل هما أساس لأي مصالحة بين الدولة والمجتمع.
محاسبة المفسدين، مهما كانت مواقعهم، تعني في العمق إعادة الاعتبار للسياسة، وردّ الاعتبار للمواطن الذي يريد أن يرى دولة تحمي مصالحه لا أن تتغاضى عن من ينهبها.
لكن التحول الحقيقي لن يتحقق بالتصريحات وحدها، بل بتفعيل إرادة الإصلاح من داخل المؤسسات، وبمنح القضاء الاستقلال الكامل ليقول كلمته في كل الملفات دون خطوط حمراء.
كما يتطلب الانفتاح على القوى السياسية والمجتمعية الجادة، واستعادة فضاء الحوار الوطني حول النموذج التنموي والديمقراطي للمغرب.
فمحاربة الفساد لا يمكن أن تكون مجرد حملة إدارية، بل هي مشروع مجتمعي يعيد بناء الثقة ويؤسس لتوازن جديد بين السلطة والمجتمع.
إن بداية محاسبة المفسدين، إذا كُتبت لها الجدية والاستمرارية، قد تكون المدخل الحقيقي لانفراج سياسي طال انتظاره، ولتحول تدريجي نحو دولة قوية بمؤسساتها، عادلة في قراراتها، ومتصالحة مع شعبها.
فهل يكون تصريح وزير الداخلية فعلاً الشرارة الأولى لهذا التحول؟
أم أننا سنظل نسمع صدى الوعيد دون أن نرى فعلا يترجمه على الأرض؟
رشيد مسلم، كاتب صحفي. مدير نشر موقع "سياسي"