في لحظة تاريخية حاسمة شهدت اعتماد القرار رقم 2797 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن قضية الصحراء، يقدم المؤرخ وعالم السياسة الدكتور محمد نبيل ملين، الباحث بالمركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا، عملا وثائقيا رقميا طموحا يمتدّ على مدى سبعٍ وثلاثين دقيقة، يتتبّع من خلاله تاريخ الصحراء على المدى الطويل، من القرن الحادي عشر حتى يومنا هذا.
ويأتي هذا الفيلم الوثائقي، الذي صمّمه وحرّره الدكتور محمد نبيل ملين، في إطار مسار فكري وتربوي طويل يهدف إلى جعل التاريخ في متناول الجمهور الواسع دون المساس بصرامته الأكاديمية. فهو ثمرةُ بحث معمّق في المصادر المحلية والأوروبية ويستجيبُ لحاجة مُلحّة تتمثّل في تمكين المواطن من المفاتيح التاريخية التي تُساعده على فهم رهانات الحاضر الجيوسياسية.
ولا يمكن فهم ما حدث في 31 أكتوبر 2025، دون العودة إلى القرن الحادي عشر، حين أسّس المرابطون أولَ إمبراطوريةٍ مغربية موحّدة. ولا يمكن إدراك هذا الحدث دون معرفة الطرق التجارية العابرة للصحراء التي ربطت سجلماسة بتمبكتو ودون فهم التوسع الزيداني في السودان الغربي في القرن السادس عشر أو تحليل نظام البيعة العلوي الذي نظّم العلاقة بين السلطان والقبائل من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر.
كما لا يمكن قياسه دون استحضار التقسيم الاستعماري الذي تقرّر في مؤتمر برلين سنة 1884 وما تبعه من تفتيتٍ للأراضي المغربية بين القوى الأوروبية ومقاومة القبائل الصحراوية وتأسيس جبهة البوليساريو والمسيرة الخضراء والحرب بين 1975 و1991 وبناء الجدار الأمني وفشل الاستفتاء الأممي ثم الهجوم الدبلوماسي المغربي منذ سنة 2007 الذي تُوِّج بالقرار رقم 2797 الصادر في 31 أكتوبر 2025.
ويقدم محمد نبيل ملين في هذا العمل خلاصة علمية رفيعة لألف عام من التاريخ المغربي مقسّمة إلى سبعة فصولٍ موضوعية وزمنية تُعالج بأسلوبٍ تربوي واضح وسردٍ جذّاب وأمانةٍ فكرية كاملة.
وليس الهدف من الفيلم الترويج الدعائي بل عرض التعقيد التاريخي في صيغة بصرية حديثة وممتعة تُخاطب جميع الفئات.
التزامٌ من أجل نقل المعرفة التاريخية
يندرج هذا الفيلم ضمن مشروعٍ فكري أوسع يعمل عليه الدكتور محمد نبيل ملين منذ سنوات، يرمي إلى جعل التاريخ علما حيا وحاضرا في الحياة اليومية. ففي عالم يطغى عليه سيلُ الأخبار المبتورة والمغالطات والروايات السطحية، تُصبح المعرفة التاريخية الدقيقة فعلا من أفعال المواطنة.
ولا يقتصر دور المؤرخ، في نظر ملين، على إنتاج الدراسات الأكاديمية المتخصصة، بل يمتدّ إلى التبسيط العلمي الراقي، انطلاقا من قناعةٍ راسخة بأن التاريخ ملك للجميع، وأن من حقّ كل فرد أن يصل إلى المعرفة الأصيلة شرط أن تُقدَّم بأسلوب واضحٍ وشغف صادق.
ومن هذا المنطلق، تنوّعت مبادراته لتشمل المحاضرات والكتب المرجعية والمقالات، والبرامج الإعلامية والمحتوى الرقمي المبتكر مثل هذا الفيلم الوثائقي الذي يهدف إلى الوصول إلى الأجيال الجديدة التي تستهلك المعرفة عبر المنصّات الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي.
تعاونٌ مثمر لتعزيز التأثير
من أجل تعظيم أثر هذا العمل، تعاون محمد نبيل ملين مع مصطفى سوينغا، المؤثر وصانع المحتوى الرقمي المعروف، في امتداد لنجاحاتٍ سابقة جمعتهما أبرزها برنامجا آجي تفهم وبصمة التراث.
وتولّى مصطفى سوينغا إخراج الفيلم وروايته الصوتية، مُقدّماً خبرته التقنية ومعرفته العميقة بلغة العصر الرقمية.
بفضل هذا التكامل، أصبح الفيلم الوثائقي، الممتد على سبعٍ وثلاثين دقيقة والمُتاح مجاناً على منصّة يوتيوب، قادراً على الوصول إلى مئات الآلاف من المشاهدين من مختلف الفئات والخلفيات.