يتناول هذا الجزء من المقال (الجزء الأول نشر في " أنفاس بريس" 02 نونبر 2025) التزامات إسرائيل بصفتها عضوا في منظمة الأمم المتحدة، وتحديدا الالتزامات التي من المفروض على إسرائيل احترامها بخصوص وجود وأنشطة هذه المنظمة والكيانات الأخرى التابعة لها والدول الأخرى في الأرض الفلسطينية المحتلة. وحرصا من محكمة العدل الدولية على الإجابة الدقيقة عن السؤال الذي وجّهته لها الجمعية العامة، أثارت الانتباه إلى أنها لن تتطرق إلى جميع التزامات إسرائيل وفقا لميثاق الأمم المتحدة والمتعلقة بالقضية الفلسطينية وأن تحليلها سيقتصر على الالتزامات المترتبة مباشرة على عاتق إسرائيل تجاه وجود ومهام وأنشطة الأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وتفاديا للإغراق في الجوانب القانونية / التقنية التي أثارتها المحكمة في رأيها الاستشاري وتحليلاتها المسهبة لأسس وطبيعة ومصادر ونطاق التزامات إسرائيل كعضو في الأمم المتحدة، وعلاقة بكون إسرائيل قوة احتلال للأرض الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية، سوف أجمل قدر الإمكان، العناصر المتشعبة والغزيرة للإطار المرجعي الاتفاقي الدولي ونصوص القرارات الأممية المتواترة التي ارتكزت عليها المحكمة لبلورة وتأسيس الخلاصات النهائية لرأيها الاستشاري في ثلاث قضايا رئيسية:
1)المسؤولية المستمرة والدائمة للأمم المتحدة تجاه قضية فلسطين
ذكّرت المحكمة أن مسؤولية منظمة الأمم المتحدة فيما يتعلق بقضية فلسطين تجد في الأصل مصدرها في الانتداب على أرض فلسطين ومشروع التقسيم الذي اعتمدته الجمعية العامة في قرارها رقم 181- اا - لسنة 1947. وقد تحملت الأمم المتحدة هذه المسؤولية ومارستها من خلال مجموعة من المؤسسات واللجن التي أحدثتها لهذا الغرض وتعيينها لوسطاء أمميين، كما أن هذه الآليات المؤسساتية قد عرفت توسعا وتعديلات متعاقبة بغية ملاءمتها للتطور الذي كان يحصل في القضية الفلسطينية، ولا سيما بعد الاحتلال الإسرائيلي في سنة 1967 لجميع الأراضي الفلسطينية إبان مرحلة الانتداب البريطاني، ولأقاليم تجاوزت الخطوط التي حددتها اتفاقية الهدنة للفصل بين القوات الإسرائيلية والقوات العربية في1949.
وقد وصفت الجمعية العامة المسؤولية التي تتحملها في القضية الفلسطينية وكيّفتها قانونيا بأنها "دائمة" (القرار 107 / 57، 3 دجنبر 2002) ومن واجبها أن تستمر في الاضطلاع بها الى حين تسوية قضية فلسطين بشكل مرض وفي احترام للشرعية الدولية. ومنذ شروع وكالة " الأونروا" في مهامها سنة 1950، وضعت برامج شاملة وواسعة النطاق في مجالات التعليم والتكوين والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية. ومع مرور الزمن تزايد عدد الكيانات التابعة للأمم المتحدة التي كان لها وجود مادي في الأراضي الفلسطينية المحتلة ليبلغ 12 هيئة. ولاحظت المحكمة أنه حسب الجمعية العامة أصبحت " الأونروا" منذ 07 أكتوبر 2023 العمود الفقري لجميع التدخلات الإنسانية في قطاع غزة، من خلال توفيرها للمساعدات الإنسانية اللازمة والعاجلة التي تتوقف عليها حياة اللاجئين والسكان المدنيين الفلسطينيين. واستندت المحكمة على" التقرير حول الوضع " الذي أنجزته "الأونروا" في 5 شتنبر 2025 وثقت فيه بشكل دقيق الخسائر والأضرار والهجمات التي تعرضت لها مقراتها ومبانيها منذ السابع أكتوبر2023، وأيضا أعداد الضحايا والمصابين من العاملين بالوكالة والأشخاص الذين احتموا بالمباني التابعة لها، وإغلاق مكتب الوكالة بالقدس الشرقية ومنع الموظفين الدوليين العاملين في "الأونروا" من الدخول الى الأرض الفلسطينية المحتلة وتعريضهم للطرد.
وشددت المحكمة على أن الالتزامات التي تقع على كاهل إسرائيل باعتبارها عضوا في الأمم المتحدة، يجب أن يتم النظر إليها وفحصها ضمن السياق العام الذي وضحه التقرير المذكور لوكالة "الأونروا".
2- الالتزام بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة
انطلقت محكمة العدل الدولية من التذكير بأحكام الميثاق التأسيسي لمنظمة الأمم المتحدة التي تنص بشكل مباشر أو غير مباشر على وجوب وفاء الدول الأعضاء بحسن نية بالالتزامات التي تعهدوا بها، وتقديم كل ما في وسعهم من عون إلى الأمم المتحدة. واعتبرت المحكمة ان المادة 2/ فقرة 5 من الميثاق، المتعلقة بمبدأ التعاون مع الأمم المتحدة يجب قراءتها في علاقة مع الأحكام الأخرى للميثاق المتعلقة باختصاصات مختلف أجهزة الأمم المتحدة.
واعتبرت المحكمة أن واجب إسرائيل وجميع الدول الأعضاء الأخرى بالتعاون مع المنظمة الأممية بخصوص القضية الفلسطينية، يكتسي أهمية أساسية بهدف وضع حد للحالة الحرجة على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ أكتوبر 2023، ولاسيما أن الأمم المتحدة وعددا من المتدخلين يوفرون المساعدات الإنسانية وينسقون عمليات توزيعها عبر وكالة " الأونروا" في قطاع غزة.
وما يجب أن يشدّ الانتباه بشأن هذه النقطة هو تأكيد المحكمة بصيغة لا لبس فيها ، أن إسرائيل باعتبارها قوة احتلال ليس لها أي حق في ممارسة سيادتها على أي جزء من الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية ، مشدّدة بذلك على اجتهاد المحكمة السابق في الرأي الاستشاري لسنة 2024 ،وقد أضافت المحكمة أن إسرائيل باعتمادها وتنفيذها للنصين القانونيين" للكنيسيت" في أكتوبر 2024 قد أنهت من طرف واحد تعاونها مع وكالة "الأونروا" و ومنعت أنشطتها في القدس الشرقية ، الأمر الذي يجعلها تمارس اختصاصات السيادة الفعلية في هذه المدينة ، فضلا على أن تنفيذ هذه القوانين أدى إلى الإعاقة المباشرة لمهام "الأونروا" في الأرض الفلسطينية المحتلة وفي علاقة بها ، وخاصة في قطاع غزة.
وخلصت المحكمة الى أن إسرائيل ليس لها الحق في إنهاء تعاونها مع منظمة الأمم المتحدة باتخاذ قرار أحادي يتعلق بوجود وأنشطة الكيانات التابعة للأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة، مضيفة أن إسرائيل ملزمة بالوفاء بتعهداتها تجاه المنظمة الأممية بحسن نية، وفي حالة وجود اختلاف في وجهات النظر مع الأمم المتحدة فإن واجب التعاون يفرض على إسرائيل الاستمرار في التشاور والتفاوض مع المنظمة.
3- الالتزام باحترام امتيازات وحصانات منظمة الأمم المتحدة
استندت المحكمة في مسألة الحصانات والامتيازات المعترف بها لمنظمة الأمم المتحدة على أحكام المادة 105 من الميثاق التأسيسي للمنظمة، وعلى مقتضيات الاتفاقية الدولية التي اعتمدتها الجمعية العامة في سنة 1946، التي تحدد وتفصل طبيعة ونطاق هذه الحصانات، مشيرة الى أن إسرائيل قد انضمت الى هذه الاتفاقية في سنة 1949.
وبعد تحليل قانوني دقيق لطبيعة حصانات وامتيازات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، والتذكير بعدد من اجتهادات محكمة العدل الدولية بهذا الخصوص، اعتبرت المحكمة أنه إذا كان وجود وانشطة المنظمة في إقليم إسرائيل مشروط بموافقة الدولة ذات السيادة على الإقليم – وفي هذه الحالة إسرائيل- فإن وجود المنظمة في إقليم واقع تحت الاحتلال لا يمنح الحق لإسرائيل باتخاذ قرار أحادي يهم وجود وأنشطة الأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة وفي علاقة بها.
وأوضحت المحكمة أنه في سياق وواقع إقليم خاضع للاحتلال، إن قوة الاحتلال تمارس ولايتها (الاختصاصات) ومراقبتها على هذا الإقليم، وهي ملزمة بحكم هذا الواقع بأن تحترم في هذا الإقليم جميع الامتيازات والحصانات الممنوحة للأمم المتحدة بموجب المادة 105 من الميثاق التأسيسي واتفاقية 1946، مؤكدة أن هذا الالتزام مفروض بطبيعته على كل دولة عضو في الأمم المتحدة وطرف في الاتفاقية العامة المذكورة.
وبعد أن حددت المحكمة الإطار الاتفاقي المرجعي العام لمسألة الحصانات والامتيازات التي تتمتع بها الأمم المتحدة، انتقلت إلى تحليل التزامات إسرائيل تحديدا تجاه «الأونروا" في الأرض الفلسطينية المحتلة، وذلك بالتركيز أساسا على إبراز العناصر الرئيسية التي اعتبرتها ضرورية للإجابة المباشرة والمفصلة عن السؤال المعروض عليها. و في هذا الاتجاه تناولت بالتحليل المقتضيات الواجبة التطبيق بشأن التزامات إسرائيل في ثلاث مجالات تتعلق ب :
- التزام إسرائيل باحترام الامتيازات والحصانات الممنوحة لمنظمة الأمم المتحدة وبحماية مقراتها وممتلكاتها وأصولها.
- التزام إسرائيل باحترام الامتيازات والحصانات المعترف بها للموظفين الدوليين العاملين في الأمم المتحدة.
- التزام الاستجابة مع بواعث القلق المتعلقة بالامتيازات والحصانات وفقا للإطار القانوني والاتفاقي الموجود.
واستنتجت المحكمة بناء على تكييفها وتأويلها لمجموع الأسس والمصادر الاتفاقية التي تؤطر علاقات إسرائيل مع منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها، فيما يرجع لوجودها وأنشطتها ومقراتها وموظفيها، أن إسرائيل ملزمة بالاحترام الكامل للامتيازات والحصانات الممنوحة لهذه المنظمة وهيئاتها، والامتناع عن أي تدخل في ممارسة هذه الكيانات الأممية لمهامها ومسؤولياتها في الأرض الفلسطينية المحتلة.
4- وجود وأنشطة منظمة الأمم المتحدة دعما لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير
وعيا من المحكمة أن طلب الجمعية العامة للرأي الاستشاري لم يقدم خارج أي سياق، وإنما يندرج ضمن وضع الاحتلال الطويل والممتد في الزمن للأرض الفلسطينية منذ 58 سنة، ونتيجة للإنكار المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير. ذكرت المحكمة أن مجلس الأمن قد قرر منذ مدة طويلة أن المطالب الترابية لإسرائيل على القدس الشرقية لاغية وباطلة (قرار رقم 478 لسنة 1980 – الرأي الاستشاري للمحكمة لسنة 2004 حول الجدار الفاصل -). ولاحظت أيضا، أن إسرائيل تعتزم تمديد قانونها المتعلق بإنهاء أنشطة "الأونروا"
في إسرائيل وتطبيقه في القدس الشرقية التي تعتبرها جزءا من إقليمها. وأكدت المحكمة بهذا الخصوص أنه يجب على إسرائيل باعتبارها قوة احتلال، أن تمتنع عن تمديد قوانينها الداخلية وتطبيقها في الأرض المحتلة، بأي شكل لا يتلاءم مع الالتزام الذي يقع على عاتقها بعدم عرقلة ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير، بما في ذلك حقه غير القابل للتصرف في الوحدة الترابية لمجموع الأرض الفلسطينية المحتلة (الرأي الاستشاري للمحكمة في سنة 2024). وعلاوة على ذلك، صرحت المحكمة أن الأزمة الإنسانية في قطاع غزة تهدد بشكل مباشر وخطير شروط حياة الشعب الفلسطيني. ذلك أن حرمان شعب معين من الوسائل الضرورية لعيشه يهدد الشروط الأساسية واللازمة لممارسة هذا الشعب لحقه في تقرير المصير. وأضافت المحكمة أن احترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، يحتم على إسرائيل عدم عرقلتها لتوفير احتياجاته الحيوية في قطاع غزة وخاصة من طرف منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها وهيئاتها ومن طرف المنظمات والدول الأخرى.
واعتبرت الحكمة أنه في النهاية، تتمثل المهام الوحيدة المنوطة بوكالة " الأونروا" في توفير الشروط الأساسية لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير (عمليات الإسعاف المباشر والعاجل-تقديم المساعدة الإنسانية – برامج دعم التنمية التي تشمل مجالات التعليم والتكوين والعلاجات الطبية والخدمات الاجتماعية الأساسية ...)، وتجسد هذه العمليات في رأي المحكمة إرادة منظمة الأمم المتحدة في تحمل مسؤوليتها بخصوص حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
وأعادت المحكمة تأكيدها في ختام رأيها الاستشاري أن تحقيق الشعب الفلسطيني لتقرير مصيره، بما فيه حقه في دولة مستقلة وذات سيادة تتعايش سلميا مع دولة إسرائيل ضمن حدود آمنة ومعترف بها للدولتين، وفقا لما تنص عليه قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، هو الذي سيساهم في ضمان الاستقرار والأمن لجميع دول الشرق الأوسط (الرأي الاستشاري للمحكمة بتاريخ 19 يوليوز 2024).
5- منطوق الرأي الاستشاري
أكدت المحكمة في منطوق هذا الرأي الاستشاري الذي طلبته منها الجمعية العامة أنها بتت بالإجماع في كونها هيئة مختصة لإصدار الرأي المطلوب وقررت بالإجماع أيضا الموافقة على الإجابة عن السؤال المطروح عليها.
ويستند جواب المحكمة على مجمل الأسباب والأسس القانونية التي عرضتها في متن رأيها الاستشاري وبناء عليها:
- ترى أن دولة إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، يجب عليها الامتثال للالتزامات التي تقع على عاتقها بموجب القانون الدولي الإنساني، ولاسيما الالتزامات التالية:
أ) ضمان تزويد سكان الأرض الفلسطينية المحتلة بمقومات الحياة اليومية الأساسية، وخاصة الماء والغذاء والكساء والمأوى والوقود والإمدادات الطبية. (بالإجماع).
ب) أن تقبل وتيسر بأقصى ما تسمح به الوسائل المتاحة لها عمليات إغاثة وإسعاف سكان الأرض الفلسطينية المحتلة، ما دام هؤلاء يعانون من نقص في الإمدادات كما هو الحال في قطاع غزة، بما في ذلك عمليات الإغاثة التي تقوم بها منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها، ولاسيما وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، والمنظمات الدولية والدول الأخرى، وعدم إعاقة هذه العمليات. (10 أصوات مقابل واحد).
ج) احترام وحماية جميع موظفي ومرافق الإغاثة والخدمات الطبية (بالإجماع).
د) احترام وحظر النقل القسري والترحيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة (بالإجماع).
ه) أن تحترم دولة إسرائيل حق الأشخاص المحميين من الأرض الفلسطينية المحتلة والمحتجزين لديها في أن تزورهم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، (بالإجماع).
و) احترام حظر استخدام تجويع المدنيين كوسيلة حرب (بالإجماع).
- ترى المحكمة أن دولة إسرائيل، بوصفها القوة المحتلة، ملزمة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان باحترام وحماية وإعمال حقوق الإنسان لسكان الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك من خلال وجود وأنشطة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والدول الأخرى في الأرض الفلسطينية المحتلة وفي علاقة بها، (10 أصوات مقابل واحد).
- ترى أن دولة إسرائيل ملزمة بالتعاون بحسن نية مع الأمم المتحدة بتقديم مساعدتها الكاملة في أي عملية تقوم بها وفقا لميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، في الأرض الفلسطينية المحتلة وفي علاقة بها، (10 أصوات مقابل واحد).
- ترى أن دولة إسرائيل ملزمة بموجب المادة 105 من ميثاق الأمم المتحدة بضمان الاحترام الكامل للامتيازات والحصانات الممنوحة لمنظمة الأمم المتحدة، بما في ذلك هيئاتها وأجهزتها وموظفيها في الأرض الفلسطينية المحتلة وفي علاقة بها، (10 أصوات مقابل واحد).
- ترى أن دولة إسرائيل ملزمة بموجب المادة الثانية من اتفاقية امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها بضمان الاحترام الكامل لحرمة مباني الأمم المتحدة، بما في ذلك مباني وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، وإعفاء ممتلكات المنظمة وأصولها من أي شكل من أشكال التدخل بالإكراه؛ (10 أصوات مقابل واحد).
- ترى أن دولة إسرائيل ملزمة، بموجب المواد الخامسة والسادسة والسابعة من اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة، بضمان الاحترام الكامل للامتيازات والحصانات الممنوحة لموظفي الأمم المتحدة وخبرائها الموفدين في مهام للمنظمة في الأرض الفلسطينية المحتلة وفي علاقة بها، (10 أصوات مقابل واحد).
خاتمة
إذا ما صرفنا النظر عن المسائل القانونية الدقيقة والتفصيلية التي تضمنها الرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في 22 أكتوبر 2025، والتي من الطبيعي والمتوقع أن تثير الخلاف أو التحفظ، أو قد تبرر بعض الانتقادات أو الملاحظات من قبل المختصين في القانون الدولي، يمكننا مع ذلك تسجيل ردود الفعل الإيجابية والمرحبة بهذا الاجتهاد القضائي المهم التي عبر عنها الأمين العام للأمم المتحدة والمفوض السامي لحقوق الإنسان والعديد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
فعلى الرغم من أن الرأي الاستشاري لا يكتسي طابعا قانونيا ملزما، إلا أنه يحظى بأهمية بالغة في تحديد وتوضيح وتكييف التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الاتفاقي والعرفي، بصفتها قوة احتلال في الأرض الفلسطينية المحتلة. ذلك أن عدم اكتساب هذا الرأي للقوة القانونية الملزمة لا يعفي إطلاقا إسرائيل من الامتثال لالتزاماتها القانونية الأساسية التي حدّدتها محكمة العدل الدولية، سواء بصفتها عضوا في الأمم المتحدة أو باعتبارها قوة محتلة لأرض فلسطينية. بيد أن الاستهتار المعهود من طرف إسرائيل بقرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية يمثل تهديدا حقيقيا لسيادة الشرعية الدولية ولسمو القانون في النظام الدولي. ولعل أحد قضاة محكمة العدل الدولية كان على حق، عندما صرح بعد صدور الرأي الاستشاري لسنة 2024 بنبرة لا تخلو من الشعور بالإحباط أن " المحكمة ليست سوى محكمة"، مؤكدا على المسؤولية التي يجب أن تتحملها الأجهزة السياسية للأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها.
( أنتهى)
محمد العمارتي / أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان (سابقا) بجامعة محمد الأول - وجدة. 08 نونبر 2025
.