قال مصطفى يخلف المحامي بهيئة أكادير وعضو جمعية عدالة، أن مهنة المحاماة تشكل في الأقاليم الجنوبية اليوم أحد تجليات النضج المؤسساتي الذي يبرز جاهزية هذه الأقاليم لتفعيل نموذج الحكم الذاتي في شموليته.
وأضاف المحامي يخلف، أنه وسط التحولات السياسية والدبلوماسية التي أفرزها القرار 2797 الصادر عن مجلس الأمن، ومع الانتظار الدولي لتحديث المبادرة المغربية للحكم الذاتي، تبدو العدالة المحلية عاملا حاسما في إنجاح هذا المسار الوطني.
وأضاف المتحدث، أن المنظومة القضائية في العيون الساقية الحمراء والداخلة وادي الذهب راكمت تجربة عملية متقدمة، تجسدت في انتظام عمل محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية ومحاكم الأسرة، إلى جانب المحاكم التجارية والإدارية المتنقلة، وهو ما مكّن المتقاضين من الولوج إلى العدالة دون مغادرة أقاليمهم.
هذا الامتداد القضائي يعزز مبدأ قرب الخدمة العمومية، ويكرس ثقة المواطن في العدالة كأحد أسس الحكم الذاتي الرشيد.
ويذكر الأستاذ مصطفى يخلف أن ما تحقق من تراكم مهني في هذه الأقاليم لم يكن صدفة، بل ثمرة جهد لهيئة محامين متماسكة تجمع بين الخبرة والتجديد. فاليوم يمارس 116 محاميا ومحامية مهنتهم داخل الأقاليم الجنوبية، منهم أبناء المنطقة ومحامون متمرسون، إلى جانب جيل من المتمرنين الذين التحقوا بالمسار المهني المحلي في انسجام تام مع خصوصية المحيط القانوني والاجتماعي.
ويرى الأستاذ يخلف أن مهنة المحاماة تشكل ركيزة أساسية لأي نموذج للحكم الذاتي، إذ لا يمكن تصوّر تجربة جهوية متقدمة دون دفاع مستقل ومؤهل يسهم في ضمان العدالة والدفاع عن الحقوق والحريات.
ومن هنا، يبرز النقاش حول إمكانية إحداث هيئة جهوية موحدة للمحامين بالأقاليم الجنوبية باعتباره خطوة مؤسساتية طبيعية نحو ترسيخ نموذج القضاء الجهوي الفاعل وتطوير ممارسة مهنية منسجمة مع روح الدستور ووحدة الوطن.
ويشدد الأستاذ مصطفى يخلف على أن تنزيل الحكم الذاتي لا ينجح بالشعارات السياسية وحدها، بل من خلال قدرة الجهات على إدارة مؤسساتها الحيوية بكفاءة ومسؤولية، وفي مقدمتها مرفق العدالة. فوجود مهنة محاماة قوية ومؤهلة في هذه الأقاليم يمثل ضمانة رئيسية لإنجاح أي تجربة تدبير ذاتي قائمة على ثقة الدولة في أبنائها ومهنييها.
ويخلص الأستاذ يخلف إلى أن ما تعرفه الأقاليم الجنوبية من حركية مهنية وقانونية هادئة يعكس مرحلة جديدة من النضج والوعي المؤسساتي.
إنها لحظة بناء وطني مشترك بين الدولة ومجتمعها المهني، تؤكد أن أقاليمنا الجنوبية لا تواكب فقط التحولات، بل تقودها بخطى واثقة نحو مستقبل يعزّز العدالة ويعمّق الاندماج الوطني.