محمد لمين ديدة: نزاع الصحراء لن ينتهي إلا بغالب أو مغلوب

محمد لمين ديدة: نزاع الصحراء لن ينتهي إلا بغالب أو مغلوب محمد لمين ديدة
في ثنايا ومنطوق قرار مجلس الأمن الأخير، وما تبعه من خطاب جلالة الملك، وكلمة زعيم البوليساريو، وحوار وزيري خارجية المغرب والجزائر، يتبيّن أن هناك انتصارا تاريخيا غير مسبوق للمغرب في طريق إنهاء هذا النزاع تدريجيا. 
وفي العرف الدبلوماسي يُعدّ انتصارا بالنقاط، فهو لم يُنهِ النزاعَ نهائيا، أي لم يكن ضربة قاضية، لكنه كرّس المرجعية الأممية الداعمة للطرح المغربي الواقعي المبني على الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، حيث اعتبره القرار الحلَّ الأكثر جدوى وأساسا لأي مفاوضات مستقبلية بين أطراف النزاع، وبالتالي أنهى فكرة الاستفتاء. كما ساهم هذا القرار في تثبيت السردية الدبلوماسية للمغرب على الصعيد الدولي من خلال تحالفاته المتوازنة مع الدول الكبرى: الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، إضافة إلى الدول الأوروبية والعربية والإفريقية.
غير أن هذا القرار حمل كذلك نقاطاً إيجابية للبوليساريو والجزائر، وإن كانت قليلة وغير ذات مدلول دبلوماسي، ومكرّرة في قرارات سابقة، وجاءت لحفظ ماء الوجه، مثل تشجيع القرار الأطراف على تقديم أفكار لدعم حلّ نهائي مقبول للطرفين، وتأكيده مجدداً التزام مجلس الأمن بمساعدة الطرفين على التوصل إلى حلّ سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، قائم على التوافق ويتماشى مع مبادئ ومقاصد الأمم المتحدة، بما في ذلك مبدأ تقرير المصير. وهذا يعني استمرار الاعتراف بجبهة البوليساريو بوصفها الممثل الصحراوي في هذا الملف، وأنها المعنية الوحيدة بالتفاوض مع المغرب.
وقد نحتاج إلى سنوات طويلة قادمة لترسيخ نقاط فوز المغرب، خاصة ونحن نعيش أجواء مضطربة وغير مستقرة في العلاقات الدولية، وضبابية كبيرة في المشهد العالمي، تجعلنا نجهل المستقبل الذي سيؤول إليه العالم، وقد تعيد الملف إلى نقطة البداية.
وحتى وإن سلّمنا بثبات إرادة المجتمع الدولي في ترسيخ الحكم الذاتي كحلّ للنزاع، فإن التصريحات الواردة من جبهة البوليساريو والجزائر لا تدعو إلى التفاؤل. 
وفي اعتقادي، يستحيل إقناع جبهة البوليساريو والجزائر، وهما في ضعف دبلوماسي غير مسبوق تجاه المغرب، بالتسليم والتفاوض بحسن نية حول الحكم الذاتي، وهو شرط أساسي في قرارات مجلس الأمن، وهما اللتان بنتا أطروحاتهما على الانفصال والعداء للمغرب قرابة خمسين سنة.
الضربة القاضية الهادئة تحسم وتنهي النزاعفي اعتقادي، ونظراً لطبيعة نزاع الصحراء وطول أمده، واعتباراً أنه بلغ مداه وحان وقت إنهائه وتصفيته، يلزم المغرب الاشتغال على تحقيق الانتصار بالضربة القاضية الهادئة لإنهاء هذا النزاع إلى الأبد، وذلك من خلال الحفاظ أولاً على هذه المكاسب وهذا الفوز بالنقاط، وذلك بالاستمرار في ترسيخ الواقع الإيجابي في أقاليم الصحراء، وهو ما يُصطلح عليه بالشرعية الواقعية التي تسبق أحياناً الشرعية القانونية، من خلال الاستمرار في تكريس وإنجاز التنمية المستدامة المنتجة لفرص الشغل، والقائمة على المشاريع المهيكلة كبناء الطرق والميناء الأطلسي والجامعات وكليات الطب والطاقات المتجددة، وتشجيع الاستثمارات المحلية والوطنية والدولية لإظهار ثقة المجتمع الدولي بهذا المسار، مع تقوية المؤسسات المنتخبة من خلال تكريس الخيار الديمقراطي، وإفراز هيئات ونخب محلية حقيقية قادرة على الصمود والتعبير عن تطلعات ساكنة هذه الأقاليم.
 
وثانيا، من خلال عودة المغرب إلى منطق القرارات الانفرادية السيادية والحاسمة، التي كان لها التأثير الفعلي والعملي سابقا في تاريخه، مثل قرار المسيرة الخضراء وقرار إنهاء مشكل الكركرات بالشكل الذي أشاد به العالم، حيث تم حسم الملف نهائياً. والمغرب اليوم بحاجة إلى اتخاذ قرار مماثل في اتجاه ثلاث قضايا أعتبرها تشكل الضربة القاضية الهادئة لإنهاء النزاع.
القضية الأولى: اتخاذ قرار عسكري وسياسي، بعد توفير الظروف الدبلوماسية لذلك، بحيازة فعلية – بعد الحيازة الجوية الموجودة حالياً – للأراضي الواقعة شرق الجدار، والتي تسمى بالمناطق العازلة شرق الجدار الرملي، وتشكل 20٪ من أرض الصحراء. وسيشكل هذا القرار منعطفاً حقيقياً لإنهاء الصراع، مع مصاحبته بقرار العفو العام، والدعوة إلى دخول ساكنة المخيمات إلى هذه المناطق بعد تأمينها، في انتظار نقلهم إلى حواضر أقاليم الصحراء وبدء تنفيذ خطة الحكم الذاتي بشكلٍ انفرادي من طرف المغرب.
القضية الثانية: العمل على إخراج قضية الصحراء من جدول أعمال اللجنة الرابعة، باعتبار أن هذه المناطق أصبحت متمتعة بالحكم الذاتي، وهذا يتطلب جهداً دبلوماسياً كبيراً، والمغرب قادر عليه.
القضية الثالثة: إنهاء بعثة المينورسو باعتبار انتهاء النزاع.
محمد لمين ديدة، باحث في العلوم السياسية