تعيش جهة الدار البيضاء سطات، خلال الأسابيع الأخيرة، على إيقاع حركية نقابية متصاعدة تقودها النقابة الوطنية للتعليم، العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل، في سياق يتسم بتراكم أعطاب تدبيرية واختلالات متفاقمة تمس الشأن التربوي والإداري بعدد من المديريات الإقليمية التابعة للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين.
لقد عبر المناضلون والمناضلات في النقابة، عبر بيانات وبلاغات ووقفات ومسيرات احتجاجية منذ الدخول المدرسي للموسم الحالي 2026/2025، عن قلق مشروع من تدهور الأوضاع الإدارية والتربوية، وعن انشغال حقيقي بمستقبل المدرسة العمومية وكرامة نساء ورجال التعليم.
فقد شهدت الجهة خلال الفترة الأخيرة سلسلة من الوقفات والمسيرات الاحتجاجية بسيدي بنور، والجديدة، والمحمدية، وسطات، وصولا إلى الاعتصام الإنذاري المقرر تنظيمه بمقر الأكاديمية يوم 12 نونبر 2025، بعد أن تمادت الأكاديمية في نهج مقاربة تقوم على التملص من المسؤولية والاستخفاف بالتواصل المؤسساتي مع المكتب الجهوي للنقابة.
ويأتي هذا التصعيد النضالي في سياق عام يسائل بعمق مدى استحضار الوزارة والأكاديمية للأولويات الوطنية الحقيقية، فبعد الانتصار الدبلوماسي الكبير الذي حققته المملكة في ملف وحدتنا الترابية، كان المنتظر أن يترجم ذلك الزخم الوطني إلى إرادة فعلية للنهوض بثاني أولوية بعد قضية الوحدة الترابية، وهي ورش التربية والتكوين.
غير أن واقع الحال يكشف غياب مقاربة تشاركية حقيقية تشرك النقابات التعليمية بجدية في تتبع وتقييم تنزيل المشاريع الإصلاحية، وعلى رأسها مشروع “المدارس الرائدة”، الذي ما زال يعاني من إكراهات بنيوية وهيكلية: خصاص مهول في الموارد البشرية، هشاشة البنيات التحتية، تغييب صوت الفاعل الميداني الذي يعيش الإكراه اليومي داخل المؤسسات.
وفي هذا الإطار، نظم المكتب الجهوي للنقابة الوطنية للتعليم (فدش) ندوة صحفية يوم الخميس 30 أكتوبر 2025 بمدينة الجديدة، سلط فيها الضوء على مجموع القضايا والاختلالات التي تعرفها بعض المديريات التابعة للأكاديمية الجهوية، في محاولة لتحريك النقاش العمومي وإطلاع الرأي العام على واقع تدبير الشأن التربوي بالجهة، من منطلق مسؤولية نقابية ومجتمعية.
إن النقابة الوطنية للتعليم (فدش)، وهي تدق ناقوس الخطر، تفعل ذلك من موقع المسؤولية الوطنية والنقابية، منبهة إلى تفشي مظاهر سوء التدبير وغياب المحاسبة، ومطالبة بوقفة تقييمية صريحة تعيد الاعتبار للتدبير الرشيد وللحوار الاجتماعي الحقيقي داخل الأكاديمية ومختلف المديريات.
إن الحركية الاحتجاجية الجهوية ليست خيارا عبثيا، بل هي رد فعل مسؤول أمام سياسة صم الآذان والتدبير الأحادي، بإصرار النقابة على استعادة روح التشارك والتشاور بما يضمن مصلحة المدرسة العمومية وجودة التعليم واستقرار العاملين فيه.
وفي الأخير، يبقى صوت النقابة الوطنية للتعليم فدش بجهة الدار البيضاء سطات صوتا وطنيا يقظا يذكر الجميع بأن البناء الداخلي للوطن لا ينفصل عن انتصاراته الدبلوماسية، وأن النهوض بالمدرسة المغربية هو المعركة الوطنية الثانية التي تستحق كل أشكال التعبئة والانخراط الجاد والمسؤول.