في الوقت الذي ترفع فيه الجزائر راية الدفاع عن "حق الشعوب في تقرير مصيرها"، وتقدّم نفسها للعالم كحامية لحقوق الإنسان، تنكشف مفارقة صارخة بين الشعار والممارسة. فبينما تُنفق المليارات وتُسخّر الدبلوماسية والإعلام والمؤسسات الرسمية لتغذية مشروع انفصالي في الصحراء المغربية، تُمارس الصمت ذاته — وربما القمع — تجاه مطالب أكثر من 12 مليون قبائلي يطالبون سلمياً بالاعتراف بحقهم في تقرير مصيرهم داخل الجزائر نفسها.
تندوف.. مخيمات الوهم وعبث السياسة
منذ عقود، تحولت مخيمات تندوف إلى ورقة سياسية بيد النظام الجزائري، تحت عنوان دعم "الشعب الصحراوي". غير أن هذا الشعب المزعوم لا يتجاوز — وفق تقديرات منظمات دولية مستقلة — 35 ألف شخص، نصفهم تقريباً من غير أصول صحراوية، جُمِعوا من دول الساحل والصحراء لتضخيم الأرقام وصناعة كيان مصطنع يخدم أجندة الجزائر الإقليمية.
تلك المخيمات تُدار خارج السيادة الجزائرية، وتخضع بالكامل لسيطرة جبهة البوليساريو بقيادة إبراهيم غالي، حيث يعيش الناس تحت قيود الحركة والتعبير، محرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية، في تناقض صارخ مع الشعارات التي تُرفع في المنابر الأممية.
في المقابل.. مغرب التنمية والحكم الذاتي
على بُعد مئات الكيلومترات، تُقدّم الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية نموذجاً مغايراً تماماً. هناك يعيش أكثر من 300 ألف صحراوي مغربي في استقرار وتنمية، يمارسون حقوقهم السياسية والاقتصادية ضمن مشروع الحكم الذاتي الذي أقرّته الأمم المتحدة في قرارها الأخير رقم 2797 باعتباره خياراً واقعياً وذا مصداقية.
الصحراويون في العيون والداخلة والسمارة ليسوا رهائن شعارات، بل شركاء في وطن يتسع للجميع، في إطار الجهوية المتقدمة التي جعلت من الصحراء المغربية قطباً تنموياً يضاهي كبريات المدن الإفريقية.
القبائل.. سؤال السيادة المعلّق
كيف يمكن لدولة ترفع شعار تقرير المصير في الخارج أن تُسكت الأصوات التي تطالب به في الداخل؟
هذا السؤال وحده كافٍ ليكشف تناقض الخطاب الجزائري. فـ"جمهورية القبائل" التي أعلن قادتها رغبتهم في الاستقلال الذاتي، تواجه التجاهل والتهميش، رغم أنها تمثل شعباً يفوق عدده سكان عشرات الدول الإفريقية. أليس من الأولى أن تستمع الجزائر إلى أبناءها قبل أن تتحدث باسم الآخرين.
خمسين سنة فرقت بين من يحتضن الوهم ومن يبني الوطن
لقد أثبتت التجربة أن المغرب ماضٍ في بناء مشروع وطني جامع، يرتكز على الشرعية الدولية والتنمية الميدانية، بينما تظل الجزائر أسيرة مشروع وهمي فقد بوصلته منذ عقود.
إن من يريد فعلاً أن يدافع عن الشعوب، فليبدأ أولاً بتحرير صوته الداخلي، ولينهي معاناة المحتجزين في تندوف، قبل أن يوزّع دروس السيادة والتحرر على الآخرين، فالزمن اليوم لا يرحم الشعارات، بل يُنصف من يبني بالحقائق لا بالأوهام.