شهد الاقتصاد المغربي خلال السنوات الأخيرة تحوّلاً هيكلياً عميقاً. فبعد عقودٍ من الارتباط الوثيق بالدورة الفلاحية وبمستوى التساقطات المطرية، يبدو أن الاقتصاد الوطني دخل مرحلة جديدة تتسم بقدر أكبر من الاستقرار وتراجع في تقلبات النمو. فمنذ سنة 2021، بدأت محركات التوسع الاقتصادي تتحول تدريجياً نحو القطاعين الثانوي والثالث، اللذين يمثلان اليوم أكثر من 85 في المائة من القيمة المضافة الوطنية.
القطاع الصناعي رسّخ موقعه كمرتكز أساسي للدورة الاقتصادية. فقد حققت قطاعات السيارات والطيران والكيماويات ومواد البناء مكاسب متزامنة في الإنتاجية والاندماج المحلي. ونمت القيمة المضافة الصناعية بمعدل يفوق 10 في المائة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، مدعومة بتزايد الاستثمارات الخاصة والعمومية. هذا التحول يعكس تطور النسيج الإنتاجي، من خلال تبني التكنولوجيا الحديثة والمعايير الدولية وارتفاع مساهمة رأس المال المغربي في تمويل المشاريع.
أما القطاع الخدمي، فقد عزّز بدوره صلابة الاقتصاد الداخلي. إذ أصبحت الأنشطة القابلة للتصدير مثل السياحة، وخدمات المرحلة ، والخدمات المالية، واللوجستية بمثابة عازل اقتصادي أمام الصدمات الخارجية. توسع هذه القطاعات مكّن من تخفيف أثر تقلبات المناخ على الناتج الداخلي الإجمالي، خاصة في فترات الجفاف. وتجمع هذه الأنشطة بين طلب خارجي متواصل وضعف ارتباطها بالدورات المناخية، مما يعزز استقرار النمو.
ورغم استمرار تأثير الجفاف على القيمة المضافة الزراعية، فإن الأثر المضاعف للاستثمار الصناعي والخدمي يعوّض جزئياً الانكماش في القطاع الأولي. وهكذا يعاد تمركز نموذج النمو حول الإنتاجية والابتكار والتصدير. وعلى المدى المتوسط، يتطلب الحفاظ على هذه الدينامية تسريع نقل التكنولوجيا إلى المقاولات الصغرى والمتوسطة، وضمان الأمن المائي والطاقي، وتعزيز الكفاءات البشرية.
إن ما يتشكل اليوم هو منعطف استراتيجي في مسار الاقتصاد المغربي: انتقال من اقتصاد يعتمد على المطر إلى اقتصاد يعتمد على التنافسية والابتكار. هذه هي ملامح مغربٍ جديد، أقل هشاشة وأكثر قدرة على تحقيق نمو مستدام في مواجهة تقلبات المناخ العالمي.