اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جينبينغ الأسبوع المقبل على هامش قمة APEC يمثل لحظة فارقة في المشهد الجيوسياسي العالمي، إذ يجري في ظرفٍ تتقاطع فيه الحاجة إلى التهدئة الاقتصادية مع تصاعد مناخ الشك الاستراتيجي بين القوتين العظميين. المكان نفسه، كوالالمبور، ليس اختيارًا بريئًا: عاصمة آسيوية محايدة، ترمز إلى موقع العالم النامي بين المطرقة الأمريكية والسندان الصيني.
تأتي القمة في ظل سياق يتسم بتصعيد متبادل على أكثر من جبهة. واشنطن تلوّح بتعريفات جمركية قد تصل إلى 100% على بعض الواردات الصينية، وتوسّع قيودها على التكنولوجيا والرقائق الدقيقة. بالمقابل، تضغط بكين عبر تشديد ضوابط صادرات المعادن النادرة والمواد الكيميائية الحساسة، في محاولة لتذكير واشنطن بأن “سلاح الموارد” لا يقل فاعلية عن سلاح الرسوم.
الاقتصاد العالمي يترقب: الأسواق تحتاج استقرارًا، والمستثمرون يريدون إشارة واحدة توحي بأن الحرب التجارية الطويلة يمكن أن تتنفس قليلًا قبل أن تعود في شكلٍ آخر.
على رأس اجندة هذا اللقاء تأتي التعريفات الجمركية والتجارة الزراعية. ترامب يسعى لصفقة سريعة تمنح المزارعين الأمريكيين متنفسًا، فيما تريد بكين التزامًا واضحًا بوقف التصعيد. الملف الثاني هو المعادن الحرجة وسلاسل الإمداد، حيث تطمح واشنطن إلى تأمين تدفقٍ مستقرّ من العناصر النادرة الضرورية لصناعاتها الدفاعية والتكنولوجية.
الملف الثالث الفنتانيل، الذي يحمل وزنًا انتخابيًا داخل الولايات المتحدة، فيما تميل الصين إلى منحه طابعًا رمزيًا منخفض الكلفة. وأخيرًا، الملف الأكثر توتّرًا: التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وهو ميدان الحرب الباردة الجديدة حيث لا ينتظر أحد اختراقًا حقيقيًا، بل مجرد إدارة محسوبة للاحتكاك.
السيناريو الأكثر احتمالًا لمخرجات هذا اللقاء التاريخي هو إعلان “هدنة تكتيكية”:
• تجميد مؤقت لأي تعريفات جديدة.
• إعلان عن مشتريات صينية إضافية من السلع الزراعية والطاقة.
• تفاهم رمزي بشأن مكافحة الفنتانيل.
• وعودة قنوات الاتصال العسكرية لتفادي حوادث بحر الصين الجنوبي وتايوان.
أما الحديث عن “صفقة شاملة” فهو أقرب إلى الوهم. الطرفان لا يسعيان إلى حلّ الصراع، بل إلى إدارة وقفه مؤقتًا بما يخدم مصالحهما الداخلية.
ترامب يبحث عن نصرٍ خارجي يعزز صورته كرجل صفقات، ويعيد الثقة للأسواق قبل الانتخابات المقبلة. شي، من جانبه، يريد تهدئة تسمح للاقتصاد الصيني بالتقاط أنفاسه وسط تباطؤ النمو وضغوط العقار والتوظيف.
كوالالمبور بهذا المعنى ليست مجرد محطة بروتوكولية، بل ساحة اختبار لقدرة الطرفين على إنتاج براغماتية جديدة: لا تطبيع ولا قطيعة، بل تعايش تنافسي تُدار فيه الأزمات بدقة الحساب، لا بحرارة الشعارات.
اللقاء لن يُنهي الصراع الأمريكي-الصيني، لكنه قد يؤسس لمرحلة “انضباط متبادل” تُخفّف تقلب الأسواق وتمنح الاقتصاد العالمي استراحة مؤقتة. فالعلاقة بين واشنطن وبكين دخلت مرحلة جديدة: ليست حربًا مفتوحة، ولا سلامًا مستقرًا، بل معادلة مستمرة من الضغط والتهدئة، حيث كل تنازل يُقاس بالميليمتر، وكل ابتسامةٍ على الطاولة تُخفي وراءها لعبةً طويلة الأمد على مستقبل النظام الاقتصادي العالمي.