بنعليلو: الوقاية من الفساد في قطاع التأمين تتطلب مبادرات مؤسسة لا إجراءات شكلية

بنعليلو: الوقاية من الفساد في قطاع التأمين تتطلب مبادرات مؤسسة لا إجراءات شكلية جانب من اللقاء
أكدت دراسة حول "مخاطر الفساد في قطاع التأمين"، أن موضوع الفساد في قطاع التأمين ليس مجرد موضوع نظري، بل موضوع محاط بمنظومة مخاطر متعددة الأبعاد،يمكن أن تتسلل في كل لحظة عبر ثغرات قانونية وتنظيمية، كما يمكنها أن تتسرب من خلال ضعف آليات الحكامة، أو هشاشة ثقافة الامتثال داخل بعض حلقات السلسلة التأمينية.

جاء ذلك في كلمة لـ"محمد بنعليلو" رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، خلال اللقاء الذي احتضنته مدينة الدار البيضاء اليوم الخميس 23 أكتوبر  2025 لتقديم هذا الدراسة التي تعتبر نتاج تعاون مؤسساتي مثمر بين الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي وبمساهمة منتجة لممثلي الشركات العامة في القطاع.

وأفاد بنعليلو أن هذا اللقاء محطة مؤسساتية ذكية لتجديد النقاش حول منظومة النزاهة والشفافية في قطاع التأمين، في تفاعل مباشر مع المعايير الدولية والممارسات الجيدة في مجال الحكامة.لقاؤنا اليوم، هو محطة تحليل وتأمل ومسؤولية، تضع بين أيدينا مرآة دقيقة لما يحدث من ديناميات وتحديات بنيوية ظاهرة أو خفية، في أحد القطاعات الاقتصادية الحيوية في بلادنا، قطاع يرتبط مباشرة بحماية الأفراد والمقاولات والمجتمع من المخاطر، قطاع تشكل نزاهته ركيزة أساسية في بناء الثقة في الاقتصاد الوطني.

وزاد قائلا:" فمن مخاطر تضارب المصالح واستغلال أموال الشركات، إلى التلاعب في العقود والتقارير الفنية، إلى الغموض في شروط صرف التعويضات، وصولا إلى الممارسات المعقدة في إعادة التأمين التي قد تخفي انحرافات مالية دقيقة يصعب كشفها، وانطلاقا من هذا وذاك، نعتقد أن الوقاية من الفساد في قطاع التأمين تتطلب فهما منظوميا لا تجزيئيا، ومبادرات مؤسسة لا إجراءات شكلية".

وفي هذا السياق، أكد المتحدث ذاته أن الدراسة تميزت بتوظيف منهجية مزدوجة تجمع بين مقاربة مكتب الأمم المتحدة المعني  بالمخدرات والجريمة، لحالة النزاهة، ومقاربة الميثاق العالمي للأمم المتحدة حول المخاطر في القطاع الخاص، مما مكن من إعداد خارطة دقيقةلمخاطر الفساد في قطاع التأمين، مخاطر مرتبة وفق شدتها واحتمالية وقوعها.

وقال في هذا الصدد:" صحيح أن هذه الخريطة ليست غاية في ذاتها، بل أداة توجيهية لبناء سياسات استباقية تمكن من تعزيز النزاهة داخل القطاع قبل وقوع الانحرافات، وهو ما يعكس تحولا نوعيا في فلسفة مكافحة الفساد، من منطق ردة الفعل إلى منطق التحصين، ومن منطق معالجة النتائج إلى منطق تحليل الأسباب".

كما أبرز أن الانخراط الطوعي لقطاع التأمين وهيئة الإشراف في هذه الدراسة، يمثل تعبيرا عن شجاعة مؤسساتية، وعن وعي مرتفعفي إدراك أن الشفافية ليست عبئا على الفاعلين الاقتصاديين، بل رأسمال ثقة وقدرة على التحصين الذاتي.
وقال:" فمواجهة الفساد ليست شأنا قانونيا فحسب، بل خيارا استراتيجيا لبناء مناعة مؤسساتية واقتصادية، وفق ما تدعو إليه المعايير الدولية، وعلى رأسها المعيارالمتعلق بأنظمة إدارة مكافحة الفسادISO 37001 ، الذي يجعل من النزاهة ثقافة داخلية قبل أن تكون التزاما خارجيا.

وإذا كانت الدراسة التي نحن بصدد تقديم مخرجاتها اليوم، قد أبرزت المخاطر التي تهدد القطاع، فإنهاتفتح أمامنا،في نفس الوقت،مسالك للوقاية ولإصلاح ما ينبغي إصلاحه وتصحيح ما يتعين تصحيحه، عبر الدعوة إلى تبني العديد من التدابير من قبيل:
•تعزيز الإطار القانوني والتنظيمي للوقاية من الفساد في القطاع.
•تعزيز الرقابة والإشراف التنظيمي.
•إدماج الذكاء الاصطناعي لتحليل أنماط المطالبات ورصد حالات التلاعب.
•تكثيف التكوين وبناء القدرات.
•إدراج بنود صريحة لمكافحة الفساد في العقود التأمينية.
•تطوير شراكات فاعلة بين القطاعين العام والخاص في هذا المجال.

وشدد بنعليلو أن هذه الدعوة ليست دعوة تقنية بل أفق سياسي بامتياز، ببساطة، لأن النزاهة ليست خيارا مؤسساتيا فحسب، بل شرطا لبناء الثقة بين المواطن والإدارة، وبين السوق والمجتمع، والثقة، لا تمنح بقرار مؤقت، بل تبنى بالمصداقية، وبالشفافية، وبالقدرة على الاعتراف بالمخاطر والعمل الجماعي لتقليصها.
وأفاد بأن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها تعتبر هذه الدراسة نموذجا يحتذى به في مقاربة المخاطر القطاعية، ودعوة إلى تعميم هذا النوع من المقاربات في باقي القطاعات ذات الأثر الاقتصادي والاجتماعي الذي يلامس حياة المواطن عن كثب، مشددا على أن "المعركة ضد الفساد لا تخاض من موقع المراقبة فقط، بل أيضا من موقع التعبئة الجماعية والمسؤولية المشتركة".

واعتبر اللقاء، بداية حوار مؤسساتي منتج بين الفاعلين في قطاع التأمين والهيئات الرقابية والسلطات العمومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، حوار يفضي إلى مأسسة النزاهة كمبدأ للتسيير، لا كشعار للتواصل، وإلى تحويل نتائج الدراسة إلى خطط عمل ملموسة وآجال تنفيذ واضحة، مجددا دعوته إلى اعتبار هذه المبادرة خطوة عملية ضمن مسار وطني طموح على درب تحصين اقتصادنا الوطني من مخاطر الفساد، وتعزيز قدرته على جذب الاستثمار، وضمان استدامة نمو قطاع التأمين في مناخ من الشفافية والمساءلة.فالنزاهة كما هي قيمة أخلاقية، يجب أن تكون أيضاسياسة عمومية ومصلحة وطنية" يضيف بنعليلو.