أنور الشرقاوي: زراعة الأعضاء والأنسجة في المغرب.. زمن المجالس الاستشارية ولىّ.. وحان وقت وكالة وطنية فاعلة 

أنور الشرقاوي: زراعة الأعضاء والأنسجة في المغرب.. زمن المجالس الاستشارية ولىّ.. وحان وقت وكالة وطنية فاعلة  الدكتور أنور الشرقاوي، خبير في التواصل الطبي والصحافة الصحية 
في مغرب سنة 2025، لا يزال المرضى يموتون وهم ينتظرون كِلية أو قلبًا أو كبد. 
هناك من ينتظر قرنيّة لاستعادة نعمة البصر. 
لا لأن الطبّ المغربي عاجز، بل لأن القرار السياسي متأخّر، والرؤية غائبة، والهيكلة المعمول بها أصبحت متجاوزة.
 
 واقع مُؤلم: جهاز استشاري بلا سلطة ولا نتائج 
منذ سنوات، يُفترض أن يتولى المجلس الاستشاري لزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية مهمة وضع الإستراتيجية الوطنية، وتتبع التراخيص، وضمان التنسيق بين مختلف الفاعلين.
لكن الحقيقة الصادمة أن هذا المجلس تحوّل من فضاء للتخطيط إلى فضاء للانتظار.
الاجتماعات تتباعد، والتوصيات تتكدّس في الأدراج، والمرضى يتزايد عددهم على لوائح الانتظار.
 
 أما عمليات زرع الاعضاء والأنسجة ، فتبقى نادرة وشبه رمزية. 
السبب بسيط: المجلس بلا ميزانية، بلا سلطة تنفيذية، وبلا أدوات حقيقية للعمل.
أعضاؤه ـ وهم من خيرة الأطر الطبية والمؤسساتية ـ وجدوا أنفسهم مكبّلين أمام بيروقراطية قاتلة، وتمويل غائب، وإرادة سياسية ضعيفة.
فغادر بعضهم في صمت، مُحبطين من فراغ القرار ومن غياب أي دينامية ملموسة.
 
 حصيلة مُخجلة في بلد يتقدّم في مجالات أخرى 
في الوقت الذي حقّق فيه المغرب إنجازات علمية وطبية كبيرة في التصوير الإشعاعي، وطب العيون، والقلب والشرايين، والجراحة الروبوتية، بقي مجال زراعة الأعضاء هو الحلقة الأضعف.
لا بنك وطني للأعضاء يعمل فعلياً، ولا قاعدة بيانات محدثة للمتبرعين والمتلقين، ولا حملات تحسيس وطنية مستدامة.
كيف يمكن لبلد يسعى إلى السيادة الصحية أن يقبل بأن تُدفن الأعضاء الصالحة في المقابر، بينما تُدفن معها حياة أشخاص ينتظرون الأمل؟
 
 دروس من العالم: حيث تعمل الوكالات... تنجح الزرعات 
في فرنسا، تتولى الوكالة الوطنية لعلم الأحياء قيادة عمليات الزرع وتوزيع الأعضاء بشفافية.
وفي إسبانيا، تُعتبر المنظمة الوطنية لزرع الأعضاء (ONT) نموذجًا عالميًا يُدرّس في الجامعات.
حتى في تونس ومصر، أسّست الدولة وكالات مماثلة رفعت عدد الزرعات ونظّمت مسار التبرع.
هذه المؤسسات لا تكتفي بالتوصية؛ بل تُنفّذ، وتُموّل، وتُحاسِب، وتُقيم النتائج.
 
 المغرب عند مفترق الطرق 
الإطار القانوني موجود، والكفاءات الجراحية والطبية جاهزة، والمستشفيات الجامعية والمؤسسات الطبية المتخصصة في القطاعين مستعدة. 
لكن غياب مؤسسة تنفيذية مركزية يجعل المنظومة عاجزة.
 
 آن الأوان لتحويل المجلس الاستشاري إلى وكالة وطنية لزراعة الأعضاء والأنسجة، تتمتع بـ:
استقلال إداري ومالي تحت وصاية وزارة الصحة،
ميزانية مخصصة،
إدارة طبية وعلمية دائمة،
سجل وطني رقمي للمتبرعين والمتلقين،
شبكة تنسيق جهوية داخل المستشفيات.واامؤسسات الطبية المتخصصة في القطاعين 
وحدة تواصل وإعلام طبي ومجتمعي.
 
 قضية حياة وكرامة 
كل يوم، يموت مرضى بسبب عجز في الكِلى أو الكبد أو القلب..... 7000 شخص سنويا ينتظرون استعادة نعمة  دالبصر بزرع القرنية. 
وكل يوم، تُدفن معهم أعضاء كان يمكن أن تُنقذ حياة آخرين وتعيد البصر للآخرين. 
زرع الاعضاء والانسجة ليس ترفًا تقنيًا، بل فعل إنسانيّ وأخلاقيّ، عنوان للتكافل والتقدم.
إنه طبّ الحياة بعد الحياة.
السكوت لم يعد مقبولًا.
والاكتفاء باللجان والاجتماعات لم يعد يجدي.
 
 كل تأخير في إحداث وكالة وطنية لزرع الاعضاء والانسجةهو عدم مساعدة لأشخاص في خطر. 
 الخلاصة: من الاستشارة إلى التنفيذ 
لم يعد المغرب بحاجة إلى مجلسٍ يُفكر، بل إلى وكالةٍ تُنفذ.
الأطباء، والمرضى، والجمعيات، والبرلمانيون، والمسؤولون السياسيون، جميعهم مدعوون إلى تحمّل المسؤولية.
لأن الزرع ليس مجرد قضية طبية، بل مشروع وطني للحياة.
فالمجتمع الذي يعطي... هو مجتمع يعيش.
ولأن كل عضو يُمنح، هو حياة تُستعاد