عمر المصادي: المغرب بين الحاجة إلى حكومة متواضعة .. وأحزاب تؤمن بالشباب..  

عمر المصادي: المغرب بين الحاجة إلى حكومة متواضعة .. وأحزاب تؤمن بالشباب..   عمر المصادي 
في ظل التحديات الإقتصادية والإجتماعية التي يواجهها المغرب اليوم، يبرز سؤال محوري يشغل بال المواطن المغربي: هل تمتلك بلادنا حكومة مسؤولة، وأحزابا سياسية قادرة على لعب أدوارها الدستورية، خاصة في تأطير الشباب؟
لقد أضحى المواطن المغربي، لاسيما الشباب، يعيش حالة من النفور السياسي وفقدان الثقة في المؤسسات، نتيجة غياب التواصل الفعلي والفعال من قبل المسؤولين، واستمرار بعض الممارسات التي تجعل من العمل السياسي وسيلة لتحقيق المصالح الخاصة، بدل أن يكون أداة لخدمة الوطن والمواطن.
في هذا السياق، يحتاج المغرب اليوم إلى حكومة تتحلى بروح المسؤولية والواقعية والتواضع، حكومة لا تكتفي بإصدار القرارات من خلف المكاتب، بل تخرج إلى الميدان، تتابع، تنصت، وتصحح المسار إن تطلب الأمر، تتواصل مع المواطنين، لأنه ليس ترفا سياسيا، بل ضرورة ديمقراطية وأخلاقية.
فحكومة لا تحسن التواصل، ولا تقر بوقوع الأخطاء، تساهم بشكل مباشر في تعميق الفجوة بينها وبين الشعب.
ومن جهة أخرى، لا يمكن الحديث عن تجديد الحياة السياسية دون مساءلة الأحزاب، التي يفترض أن تلعب دورا مركزيا في تأطير المواطنين وتكوين النخب السياسية، وتوسيع دائرة المشاركة، خاصة في صفوف الشباب، غير أن الواقع يكشف أن عددا من الأحزاب ما تزال رهينة الزعامات التقليدية، وتفتقر إلى الرؤية والجرأة في فتح الأبواب أمام الكفاءات الشابة، مما يعمق أزمة العزوف وفقدان الأمل.
وفي هذا المشهد السياسي والإجتماعي، يبرز دور الإعلام الجاد كفاعل أساسي في ترسيخ النقاش العمومي النزيه والمسؤول، من خلال تسليط الضوء على القضايا التي تهم المواطن، ومراقبة أداء الحكومة والمؤسسات، وفضح الإختلالات، وتوجيه الرأي العام نحو أولويات المرحلة، فإعلام ملتزم بقضايا الوطن، مستقل في خطه التحريري، وملتزم بأخلاقيات المهنة، يشكل إحدى ضمانات الإصلاح الديمقراطي الحقيقي.
كما أن الإعلام اليوم، بوسائله التقليدية والرقمية، مطالب أكثر من أي وقت مضى بمنح مساحة حقيقية لأصوات الشباب والمجتمع المدني، وخلق فضاءات للنقاش السياسي البناء.
إن المغرب، وهو يخطو نحو المستقبل، بحاجة إلى أحزاب سياسية قوية، ديمقراطية داخليا، تؤمن بدور الشباب، وتمنحهم الفضاءات للتعبير والمساهمة في القرار، فالشباب المغربي ليس غائبا عن السياسة لأنه لا يهتم، بل لأنه لا يجد في معظم العروض الحزبية ما يلامس تطلعاته وهمومه.
وفي الأخير يجب التأكيد 
على أن المغرب اليوم ليس بحاجة إلى حكومة جديدة، بل إلى عقلية جديدة في التدبير، عقلية تؤمن بالشفافية، بالنجاعة، وبأن خدمة المواطن هي أولوية لا شعار، تغيير الوجوه لا يكفي إذا استمرت نفس الأساليب القديمة في التسيير واتخاذ القرار.
المطلوب هو تجديد في الرؤية، وفي طريقة التفكير، قبل تجديد المناصب.
إن الإصلاح الحقيقي لن يتحقق إلا حين تمتلك الحكومة شجاعة التواضع والإقتراب من الناس، وحين تؤمن الأحزاب بدورها التأطيري، وحين يواصل الإعلام الجاد القيام بمهامه في كشف الحقيقة، ومرافقة النقاش العمومي، وتوجيه الرأي العام نحو القضايا ذات الأولوية.
فلا تنمية بدون ثقة، ولا ديمقراطية بدون مشاركة، ولا مشاركة بدون إعلام حر، وأحزاب مسؤولة، وحكومة تنصت وتحاسب.