طارق الشعرة : الاعتماد على الأحزاب الجهوية والمحلية كفيل بإدماج الشباب في المؤسسات المنتخبة وبضمان الاستقرار السياسي بالمغرب

طارق الشعرة : الاعتماد على الأحزاب الجهوية والمحلية كفيل بإدماج الشباب في المؤسسات المنتخبة وبضمان الاستقرار السياسي بالمغرب طارق الشعرة 
لقد‭ ‬برز‭ ‬بشكل‭ ‬واضح،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحراك‭ ‬الشبابي‭ ‬لجيل‭ ‬Z،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الأحزاب‭ ‬المغربية‭ ‬الحالية‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬التحولات‭ ‬المجتمعية،‭ ‬والتي‭ ‬يلعب‭ ‬فيها‭ ‬الشباب‭ ‬دورا‭ ‬أساسيا‭ ‬كقوة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬والذي‭ ‬يمثل‭ ‬حوالي‭ ‬ثلث‭ ‬الساكنة،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬البنية‭ ‬التنظيمية‭ ‬التقليدية‭ ‬المركزية‭ ‬واعتمادها‭ ‬على‭ ‬الأعيان‭ ‬في‭ ‬الإستحقاقات‭ ‬الانتخابية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬شكل‭ ‬عائقا‭ ‬لإحتواء‭ ‬مطالب‭ ‬الشباب‭ ‬وتحقيق‭ ‬تطلعاتهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬السياسي،‭ ‬وبرز‭ ‬ذلك‭ ‬جليا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مواقفهم‭ ‬من‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أدائها‭ ‬وأساليب‭ ‬عملها‭.‬

لكن‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬التنظيمات‭ ‬السياسية‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬وعاجزة‭ ‬عن‭ ‬استيعاب‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬وتأطيرهم،‭ ‬فإن‭ ‬الحقل‭ ‬السياسي‭ ‬بالمغرب‭ ‬ليبس‭ ‬جامدا‭ ‬ومغلقا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬يتطور‭ ‬ويواكب‭ ‬كل‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فقد‭ ‬أصبحت‭ ‬الحاجة‭ ‬ملحة‭ ‬لبلورة‭ ‬أليات‭ ‬مؤسساتية‭ ‬سياسية‭ ‬تتيح‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬مطالبهم‭ ‬وتطلعاتهم‭. ‬وبالتالي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬أي‭ ‬معنى‭ ‬لمنع‭ ‬تأسيس‭ ‬الأحزاب‭ ‬الجهوية‭ ‬وفق‭ ‬الفصل‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬دستور‭ ‬2011،‭ ‬بينما‭  ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العريقة‭ ‬في‭ ‬الديموقراطية‭ ‬مثل‭ ‬إسبانيا‭ ‬تسمح‭ ‬بتأسيس‭ ‬أحزاب‭ ‬محلية‭ ‬وجهوية،‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬هما‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬والحزبي‭.  ‬

إن‭ ‬تعديل‭ ‬الفصل‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السماح‭ ‬بتأسيس‭ ‬أحزاب‭ ‬جهوية‭ ‬ومحلية‭ ‬تحترم‭ ‬ثوابت‭ ‬البلاد،‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬يتيح‭ ‬للشباب‭ ‬العمل‭ ‬ضمن‭ ‬مؤسسات‭ ‬يعملون‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬لتحقيق‭ ‬برامجهم‭ ‬التي‭ ‬يناضلون‭ ‬من‭ ‬أجلها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬المؤسسات‭ ‬المنتخبة‭ ‬لتحقيق‭ ‬مطالبهم‭ ‬وتطلعاتهم،‭ ‬بدل‭ ‬العمل‭ ‬الغير‭ ‬المنظم‭ ‬والعشوائي‭ ‬والغير‭ ‬المؤسس‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬العمل‭ ‬السياسي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬قد‭ ‬يشكلون‭ ‬قوة‭ ‬مضافة‭ ‬للعمل‭ ‬السياسي‭ ‬بالمغرب،‭ ‬وخلق‭ ‬منافسة‭ ‬قوية‭ ‬بين‭ ‬الأحزاب‭ ‬المركزية‭ ‬والجهوية‭ ‬والمحلية،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬المنافسة‭ ‬تتطور‭ ‬الممارسة‭ ‬السياسية،‭ ‬بدل‭ ‬حالة‭ ‬الجمود‭ ‬والخمول‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬منه‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬والحزبي‭ ‬حاليا‭.‬

إن‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الأحزاب‭ ‬الجهوية‭ ‬والمحلية‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬وتطوير‭ ‬الحقل‭ ‬السياسي‭ ‬ببلادنا‭ ‬لضمان‭ ‬تمثيلية‭ ‬حقيقية‭ ‬للمواطنين،‭ ‬لها‭ ‬أهميتها‭ ‬الراهنة،‭ ‬في‭ ‬استيعاب‭ ‬الحركات‭ ‬الإحتجاجية‭ ‬الشبابية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الجهات‭ ‬والأٌقاليم‭ ‬والمدن‭ ‬كقوة‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع،‭ ‬والتي‭ ‬ينبغي‭ ‬الإعتماد‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭.‬

‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬يشكل‭ ‬هذا‭ ‬التميز‭ ‬نفسا‭ ‬جديدا‭ ‬للعمل‭ ‬السياسي‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬وللعمل‭ ‬الحزبي‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬والذي‭ ‬أصبح‭ ‬ينفر‭ ‬منه‭ ‬الشباب‭ ‬الذي‭ ‬خرج‭ ‬في‭ ‬حراك‭ ‬احتجاجي‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬البلاد،‭ ‬بسبب‭ ‬فشل‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية‭ ‬للحكومة‭ ‬الحالية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭.‬
 
ومن‭ ‬شأن‭ ‬الإعتماد‭ ‬على‭ ‬الأحزاب‭ ‬الجهوية‭ ‬والمحلية،‭ ‬أن‭ ‬تتيح‭ ‬إنتاج‭ ‬وبروز‭ ‬نخب‭ ‬سياسية‭ ‬شابة‭ ‬جديدة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬بالبلاد،‭ ‬بدل‭ ‬الهيمنة‭ ‬المطلقة‭ ‬للمركزية‭ ‬الحزبية،‭ ‬والتي‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬أجهزة‭ ‬شكلية‭ ‬محلية‭ ‬وجهوية‭ ‬بدون‭ ‬صلاحيات‭ ‬وإمكانيات،‭ ‬وأصبحت‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬"مندوبيات‭ ‬للمركز‭ ‬أو‭ ‬الأمين‭ ‬العام"‭ ‬وبعيدة‭ ‬عن‭ ‬هموم‭ ‬المناضلين‭ ‬والمواطنين،‭ ‬همها‭ ‬الوحيد‭ ‬هو‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬التزكيات‭ ‬في‭ ‬الانتخابات،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أصبحت‭ ‬أغلبها‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬إصدار‭ ‬ولو‭ ‬بيان‭ ‬واحد‭ ‬تحدد‭ ‬موقفها‭ ‬من‭ ‬الحراك‭ ‬الشبابي‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬قضية‭ ‬تهم‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬ببلادنا‭.‬
 
إن‭ ‬أهمية‭ ‬الإعتماد‭ ‬على‭ ‬الأحزاب‭ ‬الجهوية‭ ‬والمحلية‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي،‭ ‬لا‭ ‬تكمن‭ ‬أهميتها‭ ‬فقط،‭ ‬في‭ ‬احتواء‭ ‬واستيعاب‭ ‬الحراك‭ ‬الشبابي،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬تطرح‭ ‬نفسها‭ ‬بإلحاح‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬اعتماد‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬كحل‭ ‬سياسي‭ ‬للنزاع‭ ‬المفتعل‭ ‬بأقاليمنا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تمثيلية‭ ‬الأعيان‭ ‬وشيوخ‭ ‬القبائل‭ ‬لها‭ ‬أهميتها‭ ‬ولكنها‭ ‬غير‭ ‬كافية،‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬وطموحات‭ ‬وتحولات‭ ‬جديدة،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستوعبها‭ ‬الأحزاب‭ ‬الجهوية‭ ‬والمحلية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التوازن‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تمثيلية‭ ‬الأعيان‭ ‬وجيل‭ ‬الشباب،‭ ‬وبالتالي‭ ‬قد‭ ‬يتم‭ ‬هناك‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬المنافسة‭ ‬الشريفة‭ ‬وقد‭ ‬يؤدي‭ ‬للإستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬بحكم‭ ‬ضمان‭ ‬تمثيلية‭ ‬الجميع‭.‬
 
كما‭ ‬أن‭ ‬الإعتماد‭ ‬على‭ ‬الأحزاب‭ ‬الجهوية‭ ‬والمحلية‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معمول‭ ‬في‭ ‬إسبانيا‭ ‬مثلا،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬الفوارق‭ ‬المجالية،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأحزاب‭ ‬هي‭ ‬الأقرب‭ ‬لهموم‭ ‬المواطنين،‭ ‬ومشاكل‭ ‬المغرب‭ ‬ليست‭ ‬بالعاصمة‭ ‬الرباط،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المدن‭ ‬والقرى‭ ‬البعيدة‭ ‬والتي‭ ‬تفتقد‭ ‬لأبسط‭ ‬مقومات‭ ‬العيش‭ ‬الكريم،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهذه‭ ‬الأحزاب‭ ‬الجهوية‭ ‬والمحلية‭ ‬بحكم‭ ‬قربها‭ ‬من‭ ‬المواطن‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬الشباب،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬الفوارق‭ ‬المجالية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بروز‭ ‬نخب‭ ‬سياسية‭ ‬جديدة،‭ ‬بدل‭ ‬الهيمنة‭ ‬المطلقة‭  ‬للأعيان‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬الإنتخابي‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الجماعية‭ ‬والجهوية‭ ‬والتشريعية،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الأعيان‭ ‬لعبوا‭ ‬دورا‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬لضمان‭ ‬تمثيلية‭ ‬القبائل‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬العالم‭ ‬والمجتمع‭ ‬المغربي،‭ ‬أصبحنا‭ ‬أمام‭  ‬قوة‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الجديدة‭ ‬"قبائل‭ ‬رقمية"‭ ‬مؤثرة‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬ولهذا‭ ‬باث‭ ‬الأمر‭ ‬يستدعي‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬أليات‭ ‬وأساليب‭ ‬وحلول‭ ‬سياسية‭ ‬أخرى‭ ‬لضمان‭ ‬تمثيلية‭ ‬حقيقية‭ ‬لجيل‭ ‬شاب‭ ‬Z،‭ ‬والذي‭ ‬أصبح‭ ‬يشكل‭ ‬قوة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬
 
ومن‭ ‬شأن‭ ‬تبسيط‭ ‬تأسيس‭ ‬الأحزاب‭ ‬المحلية‭ ‬والجهوية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إجراء‭ ‬تعديل‭ ‬دستوري،‭ ‬ربما‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬كفيلا‭ ‬بضمان‭ ‬أوسع‭ ‬لهذا‭ ‬الجيل،‭ ‬ومن‭ ‬شأن‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والسلم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بالمغرب‭. ‬