تكريم الفنان التشكيلي المغربي عبد الكريم الوزاني في "أصيلة 46"

تكريم الفنان التشكيلي المغربي عبد الكريم الوزاني في "أصيلة 46" محمد الأشعري يتحدث في الندوة جانب من الجمهور الحاضر

جاءت كلمات المشاركين في ندوة تكريم الفنان التشكيلي المغربي عبد الكريم الوزاني، ضمن فعاليات الدورة الخريفية من موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ46، لتضيء ملامح التميز في تجربته التشكيلية، باعتباره فنانا، وأستاذا وأحد الذين دبروا الشأن الفني، أخلص لرؤيته، واختار دربًا فنّيًا يقوم على التحول في بناء تكويناته البصرية، طليعي لا تخلو أعماله من "خرق لأفق التوقُّع، ومن ارتياد آفاق "ما بعد" الكتلة والموضوع والمساحة والشكل، وهو معطى يبرهن عليه رسوخ اختياره مع مرور السنوات والعقود".

 

أبعاد عميقة

انطلاقًا من عنوان اللقاء، أوضح شرف الدين ماجدولين، الناقد وأستاذ التعليم العالي ومنسق الندوة، أن صفة "ناحت الملهاة" تظهر أن للملهاة عمقا مأساويا وجديا، مشيرا إلى أن الوزاني يصنع التوازن في كائنات عبر مختلف المواقع بمدن مغربية وأجنبية، كما يضع أقدار الكائنات على محك التوازنات، كأنه سيرك ممتد لهذا البعد الجدي.

وأضاف أن الوزاني يعبّر عن مفاهيم مركبة بلغته الدارجة البسيطة، التي لا تخلو من فرح ومن نزعة الملهاة، مشيدًا بطليعيته، بتركيباته، وشخصيته، ومزاجه ولغته الخاصة.

 

مسار متفرد

قال حاتم البطيوي، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، إن الوزاني "من أبرز الأسماء في المشهد التشكيلي المغربي المعاصر، استطاع أن ينسج لنفسه مسارًا فنيًا متفرّدًا يجمع بين النحت والصباغة والحفر، وبين الحسّ الجمالي العميق والبحث الدائم في تجلّيات الطبيعة والكائنات".

وأشار البطيوي إلى أن الوزاني من الجيل الثاني لمدرسة تطوان التشكيلية، "تلك المدينة التي شكّلت عبر تاريخها فضاءً خصبًا للفنون التشكيلية. نهل منها الفنان مبادئه الأولى، وتشرّب ألوانها وضوءها المتوسطي، قبل أن يُصقِل موهبته بالدراسة الأكاديمية خارج المغرب، واحتكاكه بتجارب فنية عالمية"، كما "شارك في العديد من المعارض الوطنية والدولية، ونالت أعماله تقدير النقاد والجمهور على السواء. كما ساهم، من خلال تجربته التربوية والتعليمية، في تكوين أجيال جديدة من الفنانين، مؤكدًا أن الفن ليس مجرد تعبيرٍ فردي، بل هو رسالة ثقافية وحضارية".

وأضاف البطيوي أن ما يميز تجربة الوزاني "ارتكازها على الحوار بين التشخيص والتجريد؛ إذ يتعرّف المتلقي في أعماله على ملامح وجودٍ لذواتٍ تقلّصت إلى بنيات أولى، وكأنّ الأمر يتعلق باختبارٍ للمواد والخامات، قبل أن تتحوّل تلك الكائنات إلى كتلٍ ذات عمق فكري، يُدمجها الفنان ضمن قاعدة تشكيلية معاصرة تعتمد على التقطيع واللعب بالفضاءات والألوان".

 

جانب من الندوة التكريمية للفنان التشكيلي عبد الكريم ناحت الملهاة

صيغ بصرية جديدة

قال البطيوي إن الوزاني "لا ينقل الظاهر كما هو، بل يُعيد صياغته بأشكال بصرية جديدة تمنحه حياةً أخرى، مما يجعل لوحاته ومنحوتاته جسورًا بين الظاهر والمحتمل، وبين المحلي والكوني". وأضاف أن هذا الفنان "يُعرف باشتغاله المتواصل على البنية اللونية، حيث تتناغم في أعماله البياضات المضيئة والألوان المتعددة في توازنٍ دقيق يعكس حسّه الجمالي وقدرته على خلق الانسجام البصري"، فيما "تبرز لوحاته، رغم طابعها التجريدي أحيانًا، بعدًا روحيًا وتأمليًا يجعل المتلقي في حالة انغماسٍ بصري وشعوري في آنٍ واحد".

وختم البطيوي كلمته بالقول إن تجربة الوزاني تُعد "نموذجًا للفنان المغربي الذي ينفتح على الحداثة دون أن يفقد جذوره، ويؤكد أن الفن المغربي قادرٌ على أن يكون صوتًا عالميًا يحمل بصمته الخاصة ويُعبّر عن هوية منفتحة ومتجددة".

 

حاتم البطيوي امين عام مؤسسة منتدى أصيلة يسلم الوزاني شهادة تقديرية 
 

الوزاني شاعرا

وجّه الشاعر والروائي محمد الأشعري، عضو أكاديمية المملكة المغربية، تحية خاصة للوزاني، الذي "يفكر باستمرار في الأثر الذي سيحدثه عمله على المشاهد من أول نظرة. يتعلق الأمر، هنا، بميثاق قديم سعى الفنان إلى تدقيقه في كل التجربة. إنه يؤلف عناصر عمله الفني من مرميات الخارج التي تتشكل من أشياء وكائنات وأشكال مستقرة في المألوف والمتكرر، ومن مرئيات الداخل التي تتكون من رؤى وأحلام واستيهامات ومشاعر، ويركب من العالمين عالما ثالثا مرئيا وغير مرئي، واقعيا ومتخيلا".

وأكد الأشعري أن الوزاني "يعقد مع مشاهد عمله ميثاق افتتان"، من دون أن يتعلق الأمر بعلاقة انبهار ودهشة مما يحدثه الأثر الفوري للألوان والتراكيب واللعب والسخرية واللا متوقع، بل بالتفاعل المتأني الذي يتيح افتتانا حرا، مشتبكا بالعمل الفني ومستقلا عنه في آن، الشيء الذي يفسر لماذا براهن الوزاني دائما على "الحصول لعمله الفني على حياة أخرى، ليس فقط عن طريق الافتتان، بل أيضا عن طريق حرية التأويل".

وأشار الأشعري إلى أن هناك من النقاد من يرى أن "الوزاني يشتغل كشاعر". ورأى، في هذا السياق، أن "أن "هناك أكثر من مدخل للتأكد من هذا الأمر: منهجية التركيب أولا، ورؤية العالم ثانيا، ثم اللغة أخيرا، من خلال نحت لغة خاصة، تتجلي في أبجدية حركاته وبلاغة جملته التشكيلية". وفي قلب هذه المقاربة الشعرية، يضيف الأشعري، تتحدد علاقة الوزاني بالشكل. الوزاني الذي "يقوم، على مدى تجربته الطويلة، بإعادة إنتاج مستمرة لمرئياته الخاصة، لتقف كيفما اتفق. مرئيات تتسم بواقعية لا ريب فيها". ثم أضاف، موضحا: "نحن لا نشكك في واقعية السمكة التي يقترحها الوزاني، ولكننا بمقتضى ميثاق الافتتان الدي أبرمناه معه نحب أن تكون السمكة، كما في اللوحة أو المنحوتة، داخل كأس نبيذ أو فوق دراجة. لا نرى في ذلك أي اختراق للواقعية، ولو أن النقد يمكن أن يقول لنا إن الوزاني قد ابتكر نوعا من الواقعية السحرية".

 

عبد الكريم الوزاني لدى تسلمه درعا من امين عام مؤسسة منتدى أصيلة

ساعة بدون أرقام

أشار الأشعري إلى أن "الوزاني، يقول إنه ليس نحاتا. هذا اعتقاده. إنه رسام. حتى منحوتاته يقول إنه يرسمها، وربما ينحت لوحاته، أيضا. هذا صحيح من دون شك، وهناك بالتأكيد إقامة حتى في الما بين بالنسبة له، تسمح له بإعطاء الأسبقية لنوع من الرياضة الروحية، عوض البقاء سجين المادة والشكل واللون".

وبالنسبة للأشعري فـالوزاني "لا يكف من التشويش على جدية الآخرين وعلى استكانة محيطه لنوع من اللا حدث ومن الرتابة المزمنة"، فيما "تتعمد أعماله أن تنفلت من الأزمنة على غرار ما تفعله عقارب الساعة في بعض لوحاته ومنحوتاته، عندما يخرج أحد العقارب من سلطة الدائرة أو المربع الذي يربط الوقت أو عندما يرسم ساعة بدون أرقام، أو عندما يذهب أبعد من ذلك، فيجعل الساعة رأسا لشخص بدون وقت".

 

عمق وصبر

قال الأكاديمي والناقد الفني محمد المطالسي إن الوزاني "وجه أساسي ومركزي في المشهد التشكيلي المغربي المعاصر خلال العقود الأخيرة، استطاع أن يرسم مساره الشخصي، مؤكدا صوته الخاص بعيدا عن الموضة، أعماله عميقة، متمهلة، متطلبة وصبورة، تقاوم صخب الزمن الذي يلهث مسرعا".

وأضاف أن "أعمال الوزاني تحتفظ بلغة واحدة، بينما عمله شكل من أشكال الحضور، وذلك على النقيض من فن الفرجة الذي يعمل على إثارة الانتباه في حينه، بينما يتطلب عمل الوزاني وقفة، مهلة من الوقت لإقامة حوار".

ورأى أن الأمر يتعلق، هنا، ببورتريه لرجل "ينحت أعماله بانتباه، تماما كما نفعل حين نصلي، نفكر أو نحب".

وخلص إلى أنه يتعين علينا، لمقاربة عمل الوزاني، أن "ننطلق من ثلاثة عناصر، تشمل مسار الرجل، والأثر من خلال موضوعاته ولغته، وكيف يقول هذا الأثر زمننا".

 

في قلب اللعب

قال عزيز الداكي، مدير مؤسسة عروض فنية بالدار البيضاء، إن "اللعب مكون أساسي في الفعل الفني لأعمال الوزاني". وأضاف، في مداخلة تحت عنوان "في قلب اللعب"، أننا "حين نقول إن الفن لعب لا يعني أننا بصدد نشاط مجاني، بلا مخاطر. لعِب الوزاني ليس بلا مخاطر. المخاطرة حاضرة في أعماله، وخصوصا ما تعلق بخطر السقوط في السهولة".

ورأى الداكي أننا ""حين نغرق في السهولة لا نكون بصدد الابتكار. فحين يكون الأمر سهلا، ذلك يعني أنه ليس هناك مخاطرة بالنسبة للفنان".

نبض الذات

قدم أحمد مجيدو، الأكاديمي والباحث في الفنون البصرية، ورقة ركز فيها على ما ينبي لتميز تجربة الوزاني، الذي "تميز كفنان، تمكن من إيجاد وسيلة لتكون المادة الأولية للمنحوتة والرسم تعبر عن النبض العابر لذات الفرد".

وربط مجيدو بين الشكل والمضمون في تجربة الوزاني، مشددا على أنه "حامل أمل، في تجربته، تميز بأصالة أسلوبه الفني، وتمركزه ما بين ما بعد الحداثة الغربية ومتطلبات الهوية، في محاولة منه لفرض سلطة القلب".

 

طفل عاقل

ركز الفنان التشكيلي بوزيد بوعبيد على إبراز جوانب من علاقة الصداقة المتواصلة التي جمعته بالوزاني منذ 53 سنة، متوقفا عند أبرز المحطات التي طبعت مسيرته الفنية.

وقال بوعبيد في شهادة حملت تحت عنوان "حكايات جدتي"، إن الوزاني "ينتج كطفل ويفكر كعاقل"، مشددا على أنه "كان بارعا، منذ طفولته، في صناعة لعبه بمختلف الأشكال والخامات"، فيما "كان اللعب بالنسبة إليه وسيلة للتفكير باليد قبل التفكير بالعقل، ما أهله لاحقا لإعادة صنعها كطفل عاقل بقطع تشكيلية تروم السهل الممتنع، بشكل جعل أصابعه ويديه مؤهلة لإبداع الأشكال النحتية بتعابير خرافية، كما لو أنه يعيد صياغة حكايات الجدة في فنه المعاصر".