فرنسا على حافة إعادة ترتيب السلطة.. الخيارات الصعبة

فرنسا على حافة إعادة ترتيب السلطة.. الخيارات الصعبة الرئيس إيمانويل ماكرون
في اليوم التالي لاستقالة رئيس الوزراء سيباستيان ليكورنو، وجدت فرنسا نفسها أمام لوحة سياسية مفتوحة على أكثر من مخرج، جميعها مكلف وجميعها غير مضمون. فالبرلمان المشرذم بين الوسط واليسار واليمين لا يمنح أي كتلة أغلبية عمل، فيما يضغط الاستحقاق المالي الأكثر إلحاحًا: ميزانية 2026 التي لا تحتمل الفراغ، مقابل اقتصاد جد منهوك ومثقل بالديون.
 
الخيار الأول أمام الإليزيه هو تكليف شخصية وسطية أو تكنوقراطية تُجارِب هندسة توافقات ظرفية حول “سُلّم أولويات” محدود: تمرير الميزانية، إدارة الملفات الاجتماعية العاجلة، وتأجيل الإصلاحات المثيرة للانقسام. هذا المسار قد يوفّر هدنة، لكنه سيبقى هشًّا إذا لم يُترجم إلى التزامات تصويتية واضحة داخل الجمعية الوطنية.
 
الخيار الثاني يتمثّل في حكومة ائتلافية واسعة، تجمع مكوّنات متباعدة أيديولوجيًا على برنامج حدٍّ أدنى. نجاحه يتطلب تنازلات متبادلة في قضايا الضرائب، سوق العمل، والمعاشات ملفات لطالما فجّرت الشارع الفرنسي. ورغم صعوبته، قد يمنح هذا المسار استقرارًا تشريعيًا مؤقتًا يمرّر الميزانية ويهدّئ الأسواق.
 
ثالث الخيارات هو حكومة أقلية “مقيّدة المهام”، تركّز على الضروريات وتتحاشى المعارك الكبرى. لكن حكومات من هذا النوع تعيش تحت تهديد دائم بحجب الثقة، وتستنزف رصيدها السياسي سريعًا مع كل تصويت حساس.
 
يبقى الحلّ الأكثر جذرية: حلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة. قد يعيد هذا الإجراء تركيب الخريطة ويمنح أحد المعسكرات تفويضًا أوضح، لكنه يحمل مقامرة عالية: صناديق غير متوقّعة قد تُفضي إلى مزيد من التعطيل أو تُصعّد قوى احتجاجية بلا خبرة حكومية، ما يضاعف كلفة الحكم.
 
القرار النهائي لا تصوغه الحسابات البرلمانية وحدها. الضغوط الاقتصادية من عجز المالية العامة إلى ثقة المستثمرين ستضغط من أجل جدول زمني سريع لتمرير الميزانية. كما سيؤثر المزاج الاجتماعي، حيث أي موجة احتجاج قد تُقفل نافذة الحلول البطيئة. إلى ذلك، يقيّد الدستور إيقاع الخطوات الرئاسية ويحدّد لحظات الإمكان أو المنع في حلّ البرلمان وتكليف الحكومات.
 
فرنسا لا تعيش فراغًا سلطويًا بقدر ما تواجه اختبارًا لنمط حكمها في زمن التشرذم. كل سيناريو يضع ثمنًا سياسيًا واقتصاديًا على الطاولة. وإذا كان التكليف التكنوقراطي أو الائتلاف الواسع يمنحان “وقتًا لالتقاط الأنفاس”، فإنّ انتخابات مبكرة قد تعطي إجابة حاسمة أو تطرح سؤالًا أكبر: كيف تُحكَم ديمقراطية قوية بأغلبيات ضعيفة؟